خدمات الصحة النفسية تساعد اللاجئين على تحسين أوضاعهم في ليبيا

بعد سنوات من الصراع وعدم الاستقرار، يرتفع الطلب على خدمات الصحة النفسية في ليبيا.

طالبة لجوء سودانية تتلقى المشورة من طبيبة نفسية، من خلال منظمة غير حكومية شريكة للمفوضية، في مركز نهاري مجتمعي في طرابلس.
© UNHCR/Caroline Gluck

لم تكن الحياة اليومية في العاصمة الليبية طرابلس سهلة على اللاجئة السودانية يسرى*، البالغة من العمر 32 عاماً. فقد عملت يسرى، وهي أم لأربعة أطفال، لساعات طويلة كعاملة منزلية لإعالة أسرتها، وقالت بأنها لطالما كانت ضحية للتمييز والمضايقات.


لكن الأسوأ كان في شهر نوفمبر 2019، بعدما وصل زوجها إلى منزلهما وهو ملطخ بالدماء وشبه عارٍ، حيث تعرض للتعذيب والاحتجاز من قبل ميليشيات في منشأة مغلقة، قبل أن يطلق سراحه مصاباً بكدمات وجروح في جميع أنحاء جسده. وقالت يسرى بأنه منذ ذلك الحين بالكاد يتحدث وبالكاد يغادر المنزل.

جعلت هذه التجربة يسرى تشعر بالخوف وانتابها إحساس بالرعب من تعرض عائلتها بأكملها للخطر. اتصلت بمركز نهاري مجتمعي في طرابلس تديره المفوضية طالبة المساعدة.

"كنت عند نقطة الانهيار، لكنني الآن أصبحت أقوى بكثير"

وأوضحت يسرى، قائلة: "كنت في وضع سيء للغاية. هنا، تلقيت الكثير من المساعدة والدعم. كنت في الحضيض عندما جئت؛ لكنني أشعر الآن وكأنني ولدت من جديد. كنت عند نقطة الانهيار، لكنني الآن أصبحت أقوى بكثير".

يسرى هي واحدة من أكثر من 200 لاجئ وطالب لجوء ممن تلقوا دعماً نفسياً واجتماعياً من شريك المفوضية "CESVI" هذا العام. وتشمل المساعدة جلسات فردية بالإضافة إلى جلسات إرشادية جماعية.

بعد سنوات من الصراع وعدم الاستقرار، يرتفع الطلب على خدمات الصحة النفسية في ليبيا، ولكن هناك نقص في الخدمات العامة المتخصصة لتلبية احتياجات السكان. وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن ما يصل إلى خُمس إجمالي السكان قد يعانون من حالة من حالات الصحة النفسية.

يعتبر اللاجئون وطالبو اللجوء في ليبيا معرضين للخطر أكثر من غيرهم، حيث تم الاتجار بالعديد منهم  وتعرضوا للعنف الجسدي أو الجنسي، وقضوا فترات طويلة في الاحتجاز، حيث الظروف مزرية وحوادث الانتهاكات موثقة جيداً.

يتلقى زوج يسرى حالياً جلسات إرشادية فردية لمساعدته على التعافي من المحنة التي مر بها، حيث تعتبر حالته حادة جداً ولا يمكنه المشاركة في الجلسات جماعية. وقالت يسرى نفسها، والتي تم تشخيصها على أنها مصابة باضطراب ما بعد الصدمة، بأنها وجدت الجلسات الجماعية مفيدة جداً: "تساعدني على إطلاق الطاقة والمشاعر السلبية التي لدي. من خلال الطبيب هنا والتفاعل مع الآخرين، نتبادل التجارب ونشعر بمزيد من الأمل. أشعر بالفائدة بعد الاستماع إلى تجارب الآخرين".

وأضافت: "ما تعلمته من الطبيب هو أن ما حدث في الماضي قد انتهى. بالطبع لن ننسى ذلك، لكن لا ينبغي أن نبقى فيه، ولكن نستخدمه كدرس، لأننا قد نواجه صعوبات أخرى في حياتنا، [لكن] نحتاج للتفكير فيما سيأتي به الغد".

وقالت يسرى بأن الجلسات حسنت أيضاً علاقاتها في المنزل: "لقد ساعدتني مع أطفالي. في السابق، كنت أبكي أو أغضب منهم، لكن نوبات الغضب هذه توقفت الآن. لقد أصبحت شخصاً مختلفاً".

وقالت حميدة*، وهي أخصائية نفسية تعمل مع منظمة "CESVI"، بأن استشارات الصحة النفسية والاجتماعية يمكن أن تكون مفيدة للغاية للاجئين وطالبي اللجوء في ليبيا، والذين واجهوا العديد من التحديات أثناء السفر إلى البلاد والعيش فيها: "بالتأكيد، يحتاج معظم اللاجئين إلى مساعدتنا، فقد مروا بمواقف صعبة للغاية. حتى لو لم يتعرضوا للعنف شخصياً، فقد رأوه، وهو شي يؤثر على سلوكهم وطريقة تفكيرهم".

وقد عبرت حميدة عن رضاها للتقدم الذي تم إحرازه خلال الجلسات الجماعية، والتي تنظمها بعناية من خلال الجمع بين أشخاص من جنسيات وأعمار مماثلة والذين يواجهون مواقف مماثلة في حياتهم اليومية.

"يمكنك أن ترى الاختلاف في داخلي منذ بدء هذه الجلسات"

نتيجة لوباء فيروس كورونا، اضطرت حميدة إلى تقسيم جلساتها السابقة إلى مجموعتين لضمان التباعد الجسدي. يجب على المشاركين ارتداء الأقنعة وقياس درجات حرارتهم عند دخولهم للمركز المجتمعي. كما يتم توفير معقم لليدين.

بغض النظر عن الحالة التي يعانون منها، سواءًا كانت معتدلة أم شديدة، فمن الأسهل التعامل مع الألم أو الحزن إذا كان النقاش في مجموعة. وأوضحت أن هذا يساعدهم على التخلص من التوتر والأمور الأخرى التي يواجهونها: "نحاول أن نمنحهم المهارات اللازمة لتجنب الانتكاسات، لأن الكثير منهم في أوضاع هشة وهذا ينعكس في ما يفكرون فيه. على سبيل المثال، يفكر الكثيرون في عبور البحر [إلى أوروبا] لأنهم يقولون لأنفسهم: "أنا ميت في كلتا الحالتين". تعكس طريقة التفكير هذه اضطراباً شديداً. وإذا كان هناك أي شيء يمكننا القيام به لمساعدتهم، فهذا مهم جداً جداً".

شادية* امرأة أخرى تمت مساعدتها في إطار البرنامج، وهي لاجئة سودانية تبلغ من العمر 38 عاماً تعاني من الصرع والاكتئاب الشديد. كانت تعاني من صعوبات خلال الزواج وكانت منعزلة للغاية، حتى أنها حاولت الانتحار عدة مرات.

قالت: "يمكنك أن ترى الاختلاف في داخلي منذ بدء هذه الجلسات. في السابق، كنت مريضة ومرهقة ومتوترة. كنت أفكر دائماً في وضع حد لحياتي ومررت بالعديد من النوبات. أما الآن فإنا لا أعاني من أي نوبات ولم أعد أتناول أي دواء. بالنسبة لحالتي النفسية، فإنني أشعر بالرضا عن نفسي وأنا متفائلة بشأن المستقبل".

أصبحت شادية الآن امرأة نشطة وواثقة وبدأت العمل مؤخراً، وهي ترى الفضل بالجلسات التي مكنتها وساعدتها على التحول لشخص جديد. وقالت: "تغيرت شخصيتي وقد أصبحت قوية وتمكنت من المشاركة في المجتمع".

وقالت حميدة أن مثل هذه الشهادات الإيجابية من أولئك الذين تلقوا المساعدة شجعت الآخرين أيضاً على طلب الدعم من أخصائيي الصحة النفسية: "قد لا أشعر بألمهم، لكني أفهمه. إنهم يشعرون بحصولهم على المساعدة وهذا يغير طريقة تفكيرهم ويخفف من إجهادهم وهذا بدوره يساعدهم على التحسن".

* تم تغيير الأسماء لأسباب تتعلق بالحماية.