رياضيو الفريق الأولمبي للاجئين يتألقون بشجاعتهم في دورة ألعاب طوكيو

المنافسة على الساحة العالمية تمنح الأمل وتجربة جديدة للرياضيين اللاجئين وتجذب الاهتمام إلى أوضاع وإمكانيات النازحين قسراً.

الشعلة الأولمبية تضيء عند جسر يومي نو أوهاشي (جسر الأحلام) في مقاطعة أرياكي في مدينة طوكيو في 7 أغسطس 2021.
© UNHCR/Lucy King

في دورة ألعاب طوكيو لهذا العام، أطفق اللاجئون العنان لمواهبهم، وحققوا أفضل النتائج الشخصية لهم، وانهمرت دموعهم، وبنوا صداقات لأنفسهم، وتجدَّدت آمالهم.


وعلى الرغم من أن الفوز بالميداليات في الألعاب الأولمبية لم يكن من نصيبهم، إلا أن أعضاء الفريق الأولمبي للاجئين – والذين غالباً ما يضطرون لمجابهة معوقات أكبر من تلك التي تعترض سواهم من الرياضيين – إلا أنهم ألهموا الجماهير على مستوى العالم، وتحدوا الصور النمطية المتعلقة بـ82.4 مليون شخصٍ من النازحين قسراً على مستوى العالم.

"لا يقتصر الفوز على الميداليات الذهبية، بل على كسب قلوب الآخرين أيضاً، وذلك ما نجح الفريق الأولمبي للاجئين في تحقيقه"، هذا ما قاله ييش بور بييل، ممثل الفريق في طوكيو والذي كان أيضاً عضواً في فريق اللاجئين الأول الذي شارك في أولمبياد ريو 2016. وأضاف: "نحن نعلم الآن بأننا رياضيون أولمبيون، وهذا لقب يُعتز به".

مع اختتام دورة الألعاب الأولمبية طوكيو 2020 يوم الأحد، كان أعضاء الفريق الأولمبي للاجئين الـ29 – وهم من 11 بلداً ونافسوا في 12 رياضةً مختلفة – فخورين بالمشاركة على أعلى المستويات الرياضية، كما أنهم كانوا سعداء للتجربة القيّمة ولفرصة استعراض قدراتهم مثل سواهم من الرياضيين.

"لا يقتصر الفوز على الميداليات الذهبية، بل على كسب قلوب الآخرين أيضاً"

وقالت روز ناثيكي لوكونيين، المتحدرة من جنوب السودان والتي أحرزت أفضل نتيجة شخصيةٍ لها في سباق 800 متر جري: "أن يكون الشخص لاجئاً لا يعني أنه غير قادرٍ على القيام بما يقوم به الآخرون، بل هو مجرد وضع قانوني".

كان هنالك عدد من الانجازات الشخصية التي تستحق الثناء. فبالإضافة إلى روز، حقق ثلاثة عدائين آخرين أفضل النتائج الشخصية لهم، بما في ذلك أنجلينا ناداي لوهاليث في سباق الـ1,500 متر، وجمال عبد المجيد عيسى محمد في سباق الـ5,000 متر، أما العداء دوريان كيليتيلا، فقد فاز بأول جولة لسباق الـ100 متر وأنهاه في 10.33 ثانية، محرزاً أسرع زمن له على الإطلاق.

  • سيريل تشاتشيت خلال مشاركته في دورة الألعاب الأولمبية طوكيو 2020 في رياضة رفع الأثقال
    سيريل تشاتشيت خلال مشاركته في دورة الألعاب الأولمبية طوكيو 2020 في رياضة رفع الأثقال  © IOC/John Huet
  • روز ناثيكي لوكونيين أثناء سباق 800 متر في دورة الألعاب الأولمبية طوكيو 2020
    روز ناثيكي لوكونيين أثناء سباق 800 متر في دورة الألعاب الأولمبية طوكيو 2020  © IOC/David Burnett
  • ممثل الفريق الأولمبي للاجئين، ييش بور بييل في منشأة تيغلا لاروب للتدريب في نغونغ في كينيا
    ممثل الفريق الأولمبي للاجئين، ييش بور بييل في منشأة تيغلا لاروب للتدريب في نغونغ في كينيا  © UNHCR/Anthony Karumba

وصل المصارع عكر العبيدي إلى ربع نهائي فئته الوزنية للمصارعة اليونانية الرومانية، وحقق عدد من لاعبي التايكوندو تقدماً في بطولاتهم. وفي يوم الأحد، شارك تاتشلويني غابرييسوس – المتحدر من إريتريا – في سباق ماراثون 2:14 وحل في المركز السادس عشر.

ورغم خيبات الأمل، فإن قوة شخصية الرياضيين اللاجئين ظلت حاضرةً بشكلٍ واضح، فالتحديات التي واجهتهم في المنافسات تشابه تلك التي واجهوها في حياتهم، حسب ما قال بييل.

فعلى سبيل المثال، عندما سقط العداء جيمس نيانغ تشيينجيك بعد قطع مسافة 200 مترٍ من سباق الـ800 متر، عاود الوقوف على قدميه وركض للحاق ببقية العدائين.

وقال بييل، الذي وجد في تشجيع الرياضيين اللاجئين بعد أي خسارة أو خروج مخيب من المنافسات أحد الأدوار الرئيسية التي عليه أن يلعبها: "إن سقطوا، فهم ينهضون ويكملون السباق. في الرياضة، عليك أن تتقبل الهزيمة، وهو أمرٌ نقر به جميعاً كفريق. نحن نتقبل الهزيمة ونعود بصورة أقوى في المرة القادمة.. وأنا أقول لهم دوماً: ربما اليوم ليس يومكم، لكن ما هو أفضل بانتظاركم مستقبلاً".

تعتبر المنافسة في الألعاب بحد ذاتها إنجازاً بالنسبة لهؤلاء الرياضيين، نظراً للصعوبات التي واجهوها خلال رحلة فرارهم من الحروب والاضطهاد، والحياة في مخيمات اللاجئين، والتأقلم مع الحياة في بلدانٍ ومجتمعات جديدة.

وغالباً ما تشكل صفة اللجوء عقبةً في طريقهم أيضاً نظراً لمحدودية قدرتهم على السفر، مما يحرمهم من الالتحاق بمعسكرات التدريب والمشاركة في البطولات الدولية التي يشارك فيها الرياضيون العالميون بشكلٍ منتظم.

ما الذي عنته المشاركة في ألعاب طوكيو 2020 بالنسبة للفريق الأولمبي للاجئين؟

وقال سيريل تشاتشيت، وهو رباع يتحدر من الكاميرون ويعيش ويعمل حالياً كممرضٍ للصحة النفسية في المملكة المتحدة: "كانت المشاركة في الأولمبياد كعودة الروح إلى الجسد، بعد سبع سنواتٍ دون المشاركة في أي بطولاتٍ دولية".

وأضاف سيريل، الذي رفع ما مجموعه 350 كيلوغرام وحل في المركز العاشر عن فئته الوزنية: "يشعرني ذلك بأن الأمور بدأت تتحسن، وبأنه علي الاستمرار في التدريب والحفاظ على حماستي. المنافسة مع الرياضيين الأفضل في العالم قد عزز عزيمتي بكل تأكيد، وأنا أتطلع الآن للمشاركة في ألعاب باريس 2024".

لا يريد الرياضيون اللاجئون أي مزايا أو معاملة خاصة، حسب ما قاله ستيفن باتيسون، المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والذي رافق الفريق إلى طوكيو: "جلّ ما يريدونه هو إمكانية التدريب والمنافسة مثل سواهم من الرياضيين، وأن يتمكنوا من إثبات مواهبهم وقدراتهم إلى أبعد حدٍ ممكن".

وعلاوة عن المنافسة الرياضية، ينظر الرياضيون اللاجئون بجدية إلى دورهم كممثلين عن اللاجئين والأشخاص النازحين قسراً حول العالم، وعددهم قد ازداد من 65 مليون في عام 2016، إلى 82 مليون حالياً.

وجهت السبّاحة يسرى مارديني – المتحدرة من سوريا – الشكر لمتابعيها على إنستغرام على تشجيعهم لها، وأكدت بأنها فخورة بتمثيل اللاجئين: "أنا أبعث برسالةٍ مفعمة بالأمل لهم جميعاً من خلال القيام بما أحبه، كما أنني أبيّن للعالم بأن اللاجئين لن يستسلموا بسهولة، وسيواصلون السعي لتحقيق أحلامهم بعد الرحلات الشاقة التي يخوضونها".

"كانت المشاركة في الأولمبياد كعودة الروح إلى الجسد"

سلطت الألعاب الأولمبية الضوء على قوة الرياضة كلغةٍ عالمية تبعث على الأمل. وتلعب الرياضة دوراً حيوياً في تحفيز اللاجئين الشباب حول العالم؛ حسب ما قال نك سور، كبير منسقي الرياضة للاجئين لدى المفوضية.

وأضاف سور بأن التهجير من الديار يكون قاسياً بشكلٍ خاص على الأطفال واليافعين، والكثيرون منهم يضطرون للعيش في حالةٍ من عدم الاستقرار لسنوات. ولا تتاح فرص الالتحاق بالتعليم الرسمي سوى لأقل من نصف اللاجئين ممن هم في سن الدراسة، وهو ما يحرمهم من فرص الحصول على التعليم وتطوير الذات، لكن الرياضة تمنح الشباب فرصة النمو وإيجاد التوازن في حياتهم من جديد.

وتابع حديثه قائلاً: "أظهر الفريق الأولمبي للاجئين كيف أنه بإمكان المهجرين من الشباب الحصول على الفرص التي كانت تبدو مستحيلة – شأنهم في ذلك شأن باقي الشباب حول العالم – وبأنهم قادرون على تحقيق أحلامهم من خلال الرياضة".

ويقول ييش بور بييل بأن الأمل عاد للاجئين اليافعين في مخيم كاكوما في كينيا – حيث ترعرع بعد فراره من القتال في جنوب السودان – وغيره من المخيمات التي يزورها كسفيرٍ للنوايا الحسنة للمفوضية.

وقال: "يشعر الشباب في بلدي أيضاً بالتحفيز لأنهم يعلمون بأن الأمر يتعلق بالمواهب التي يمتلكها الشخص، وبالمثابرة في العمل لاغتنام الفرص".

وقد عاين بييل واختبر بنفسه قدرة الرياضة على تعزيز الثقة بالنفس. وبعد سنوات قضاها كلاعب كرة قدم – انتقل إلى ممارسة الجري واكتشف امتلاكه لموهبةٍ في هذا المجال.

وقال بييل، وهو عضو في مجلس إدارة مؤسسة اللاجئين الأولمبية: "يعاني لاجئون كثيرون من التهميش ويشعرون بالإحراج.. ليس عليكم أن تشعروا بالإحراج".

منح الفريق الأولمبي للاجئين – الذي أسسته اللجنة الأولمبية الدولية بدعمٍ من المفوضية – الأمل للأشخاص اليافعين الذين يعانون من عدم  الاستقرار نتيجة ظروفٍ خارجة عن إرادتهم. ولأنهم اضطروا للفرار من الصراع والاضطهاد في بلدانهم، لا تكون المشاركة في فرقهم الوطنية خياراً متاحاً، كما أن الكثيرين من طالبي اللجوء في بلدان ثالثة لم يحصلوا بعد على جنسيتها – وهي عملية قد تستغرق عدة سنوات.

وقال الربّاع سيريل بأن اختياره ليكون من بين الرياضيين الستة الذين حملوا العلم الأولمبي في الاستاد أثناء مراسم الافتتاح، كان أمراً مفرحاً ولا ينسى لأنه أظهر له بأن العالم أصبح أكثر وعياً بقضية اللاجئين: "ذلك الأمر يثلج صدري ويبعث برسالةٍ واضحة مفعمةٍ بالأمل والتضامن مع اللاجئين".

"سوف ينقلون رسالة ملؤها الأمل والعزيمة والغد الأفضل لمستقبل اللاجئين"

في مختلف أرجاء القرية الأولمبية، شعر بييل بأن عدداً أكبر من الأشخاص باتوا يعرفون الفريق الأولمبي للاجئين مقارنة بعام 2016، عندما كان الفريق يضم 10 أعضاءٍ فقط (شعر بييل بالمفاجأة والسرور أيضاً لأن مركز الطعام كان يقدم خبز شباتي، وهو خبز مسطح شائع في كينيا – إضافة إلى عدد من الأطباق العالمية).

سيشارك ستة رياضيين آخرين في الفريق البارالمبي للاجئين التابع للجنة البارالمبية الدولية في طوكيو بين 24 أغسطس و5 سبتمبر في 4 أنواعٍ من الرياضات.

لن يتمكن بييل من الانضمام إليهم، لكنه قال بأن رسالته إلى الرياضيين البارالمبيين اللاجئين تتمثل في أن "الأمر يتعلق بالإصرار" – وليس بإعاقتهم أو المكان الذي يتحدرون منه، وأن "الأمر يتمحور حول المستقبل الذي ستبنونه لجيل الشباب".

وقال بأنه سوف يشجعهم لأنهم جزء من الفريق، وبأنه واثق من أنهم "سوف ينقلون رسالة ملؤها الأمل والعزيمة والغد الأفضل لمستقبل اللاجئين".