النساء يتحملن وطأة المشقة مع دخول الصراع في اليمن عامه السابع

يشكل الأطفال والنساء ثلاثة أرباع عدد اليمنيين النازحين داخلياً.

 

أم عزباء تجلس خارج مأواها في مخيم للنازحين في مدينة إب، اليمن. ربع مجموع الأسر النازحة في البلاد ترأسها نساء.  © UNHCR/Rakan Al-Badani

على قطعة أرض صغيرة تقع على مشارف مدينة الحديدة، والتي تعتبر الميناء الرئيسي لليمن على البحر الأحمر، تحاول نبيهة إعادة بناء حياتها خطوة تلو الأخرى. وبعدما ترملت في الأيام الأولى من الصراع في البلاد ونزحت عدة مرات بسبب القتال، تحاول الأم البالغة من العمر 38 عاماً أن تبني منزلاً تأمل هي وأطفالها الثلاثة أن يعيد بعضاً من الاستقرار الذي فقدته أسرتها.

اضطرت نبيهة، والتي تتحدر من مدينة المخا الواقعة على بعد 185 كيلومتراً من الساحل والتي تشتهر بتجارة البن، للفرار إلى الحديدة مع والدتها وشقيقها وابنتها وولديها في عام 2015، وذلك بعد مقتل زوجها في انفجار وقع في موقع عمله.

وقالت نبيهة: "تم نقله بسرعة إلى المستشفى، لكنه توفي بعد معركة استمرت أسبوعاً بين الموت والحياة. لقد كان وقتاً سيئاً وصعباً للغاية بالنسبة لنا. قررت المغادرة وكنت قلقة من أن يموت أطفالي أيضاً ... لو بقينا هناك".

بعدما أنفقت معظم مدخراتها على استئجار مسكن لها في الحديدة، وجدت نبيهة نفسها مرة أخرى عالقة في خضم القتال العنيف الذي اندلع في المدينة في نهاية عام 2017. وقد أسفر العنف عن مقتل أكثر من 2,900 مدني وإلحاق أضرار بأكثر من 6,600 منزل و 33 مدرسة و 43 طريقاً وجسراً، مما يجعل الحديدة واحدة من أكثر المدن تضرراً في اليمن بعد ست سنوات من الصراع.

"قُتلت عائلات وجُرحت من حولنا"

من دون توفر الموارد للمغادرة والبدء من جديد في مكان آخر، لم يكن أمام نبيهة خيار سوى البقاء في المدينة، والتنقل مع الأسرة من مكان إلى آخر مع تغير خطوط المواجهة.

وقالت نبيهة: "كنت أعيش بالقرب من القتال واضطررت للانتقال إلى منطقة أخرى نظراً لتعرض عائلات للقتل والإصابة من حولنا. انتقلنا ثلاث مرات من حي إلى آخر لتجنب الرصاص والغارات الجوية".

مع دخول الصراع في اليمن عامه السابع هذا الشهر، أصبحت حالة اليأس والمعاناة التي تمر بها نبيهة من التجارب المألوفة بالنسبة لملايين الأشخاص المحاصرين في أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

منذ عام 2015، تم تسجيل أكثر من 20,000 حالة وفاة وإصابة في صفوف المدنيين، فيما اضطر أكثر من 4 ملايين شخص للفرار داخل حدود البلاد. ويشكل الأطفال والنساء ثلاثة أرباع عدد اليمنيين النازحين داخلياً، في حين أن أسرة واحدة من كل أربع أسر نازحة تعولها نساء مثل نبيهة.

في مجتمع قائم على سلطة الأب كما هو الحال في اليمن، حيث تفرض الأعراف والتقاليد الاجتماعية نمطاً معيناً على حياة المرأة، فقد فاقم الصراع من مخاطر الاستغلال والانتهاكات.

وفي محاولة منها لإعالة أسرتها، تعمل نبيهة أحياناً كمربية منزلية وتستخدم مهارات التمريض الأساسية التي تعلمتها من زوجها الراحل - والذي كان يعمل ممرضاً في مستشفى خاص في المخا - للعمل على فترات مختلفة في عيادات صحية خاصة محلية، حيث تعطي الحقن للمرضى والإسعافات الأولية الأساسية وضغط الدم.

بالإضافة إلى حصولها على ما بين 250-500 ريال يمني (2-4 دولارات أمريكية) في اليوم، فقد اشتهرت نبيهة أيضاً بفضل مهاراتها بين جيرانها الذين يأتون إليها لطلب المساعدة ويلقبونها بالـ"طبيبة". في بلد يواجه نقصاً حاداً في الكوادر الطبية المدربة وحيث لا يوجد سوى نصف المرافق الصحية التي ما زالت تعمل، فإن المهارات القليلة التي تمتلكها نبيهة قد ساعدتها في تدبر أمورها المعيشية.

غالباً ما يكون المبلغ القليل من المال الذي تكسبه غير كافٍ لتغطية الاحتياجات الأساسية للأسرة. ويتكون نظام الأسرة الغذائي بالكامل تقريباً من الأرز والفاصوليا، وغالباً ما يكون لديهم ما يكفي لوجبة واحدة فقط في اليوم، وتضطر نبيهة أحياناً للتخلي عن بعض تلك الوجبات لتوفر لأطفالها المزيد من الطعام.

أصبحت أساليب التكيف هذه شائعة مع تفاقم أزمة الجوع في اليمن، وقد باتت الأسر النازحة أكثر عرضة بأربع مرات من اليمنيين الآخرين لمواجهة انعدام الأمن الغذائي. ووفقاً للتقديرات، فإن حوالي 2.6 مليون نازح في البلاد على بعد خطوة واحدة فقط من المجاعة.

كما تلقت نبيهة مساعدة نقدية من المفوضية، وذلك كجزء من جهودها لمساعدة وحماية العائلات الأكثر ضعفاً والنازحين قسراً داخل البلاد.

على مدار العامين الماضيين، ومع ارتفاع مستوى احتياجات السكان، فقد نما برنامج المساعدة النقدية التابع للمفوضية في البلاد ليصبح واحداً من أكبر خمسة برامج في العالم، حيث يساعد أكثر من مليون شخص سنوياً. وتعتبر هذه المساعدة أكثر أهمية لثلثي العائلات اليمنية النازحة التي ليس لديها - على عكس نبيهة - أي شكل من أشكال الدخل.

"أريد حياة أفضل لهم"

وبفضل المساعدة التي تلقتها، بالإضافة إلى حصولها على قرض واستخدام آخر مدخراتها، تمكنت نبيهة من شراء قطعة أرض حيث أنها الآن في طور بناء منزل دائم لعائلتها، بعيداً عن مناطق القتال المستمر.

وقالت نبيهة: "إنها بعيدة عن المدينة وقريبة من مكب للنفايات، لكنها أفضل من الإيجار. قبل ذلك، كنت أدفع الإيجار وأحياناً لم يكن لدي ما يكفي من المال، وكان المالك يهدد [بطردي من المنزل]. في ذلك الوقت، لم أكن أستطع النوم لأنني كنت أفكر في كيفية تدبر نفقة الإيجار".

في الوقت الحالي، يتكون الهيكل الأساسي من غرفة واحدة فقط مع سقف مؤقت يتسرب منه الماء عند هطول الأمطار. ولكن على الرغم من الصعوبات المستمرة والتحدي المتمثل في بناء منزل بمبلغ صغير من المال، تأمل نبيهة في تزويد أطفالها بالتعليم المناسب ومعه الفرصة لتحقيق أحلامهم.

وقالت نبيهة: "تريد ابنتي أن تصبح صيدلانية ... ويريد أحد أبنائي أن يصبح طبيباً والآخر يريد العمل في مجال الإعلام. أريد أن يكون أطفالي مستقلين. إنهم ممتازون في دراستهم. أريدهم أن يعتمدوا على أنفسهم عندما أموت. أريد لهم حياة أفضل؛ أفضل من حياتي".