غراندي يشدد على الحاجة إلى تعزيز التعاون الدولي لحل العديد من الأزمات
المفوض السامي يؤكد على أن الجهود الرامية لتسوية الصراعات وحدها هي الكفيلة بالحؤول دون تجاوز أعداد النازحين قسراً حول العالم لعتبة الـ100 مليون شخص.
جنيف – أثناء اجتماعٍ رفيع المستوى اليوم، حذّر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن عدد النازحين قسراً حول العالم سوف يتجاوز عتبة الـ100 مليون شخص إن لم يتم تعزيز التعاون الدولي لمجابهة الأزمات المتعددة التي "تندلع وتزداد سوءاً كل يومٍ حول العالم".
وقال غراندي أثناء الاجتماع السنوي للجنة التنفيذية لمفوضية اللاجئين في جنيف: "لا يخفى على أحدٍ بأننا نسير في الاتجاه الخطأ؛ فكل المؤشرات تحضّنا على التعاون لمنعها. رغم ذلك، فإننا نجد أنفسنا إما عاجزين أو غير راغبين بالعدول عن مسارنا الحالي".
"كل المؤشرات تحضنا على التعاون".
وأشار غراندي إلى أن العجز عن توزيع اللقاحات بشكل منصف للحد من تفشي فيروس كورونا، قد أدى إلى "تقسيم العالم إلى فئة محصنة باللقاح وأخرى ضعيفة أمام الوباء، مما كان له تأثيرات كارثية على الأشخاص الذين يعيشون على هوامش المجتمع". من بين هؤلاء اللاجئون العاملون في القطاع غير الرسمي، والذين كانوا أول من فقدوا مصادر دخلهم مع ارتفاع معدلات الفقر بشكلٍ كبير.
وفي الوقت نفسه، كان لعقودٍ من التقاعس عن التصدي لأزمة المناخ تبعات كبيرة على اللاجئين، نظراً لأن 90% منهم يأتون من البلدان الأكثر عرضةً لتأثيرات هذه الأزمة.
وبالتزامن مع ذلك، أدت الصراعات القائمة التي لم يتم فضها حول العالم إلى تضاعف أعداد النازحين قسراً خلال العقد الماضي من الزمن، ليصل إلى مستوى غير مسبوق بلغ 82.4 مليون شخص بحلول نهاية العام السابق.
وقال غراندي أثناء الجلسة الافتتاحية للدورة 72 للجنة التنفيذية المستمرة حتى يوم الجمعة المقبل: "إن لم ننجح في عكس مسار هذه الاتجاهات من خلال جهودٍ ملموسة لتسوية الصراعات، أخشى بأن المسألة لن تكون متعلقة بإمكانية وصول عدد النازحين قسراً إلى 100 مليون، بل بموعد حدوث ذلك".
وخصّ غراندي بالذكر الأزمة التي يعاني منها ملايين الأفغان من اللاجئين، والذين اضطروا للفرار لأكثر من 40 عاماً، والآخرين الذين ظلوا في البلاد وأصبحوا الآن في مواجهة تجدد لانعدام الاستقرار. كما أكد المفوض السامي على وجوب تعبئة المساعدات الإنسانية غير المشروطة فوراً للحؤول دون تفاقم الأزمة وانهيار الخدمات العامة والاقتصاد.
وقال غراندي: "رغم حذري الدائم في إطلاق التوقعات حول التحركات السكانية، إلا أنني أعتقد بأن هذا التراجع سيؤدي - بصورةٍ قد لا يمكن تلافيها – إلى حدوث نزوح داخلي موسع مع إمكانية للنزوح الخارجي".
وبالنظر إلى الأوضاع الأخرى الناشئة عن صراعاتٍ لم يتم حلها، حذّر غراندي بأن عدم تخلي أطراف النزاع في إثيوبيا عن "المواجهة العسكرية الكارثية التي لا طائل منها، واستبدالها بالمفاوضات السياسية"، سيقود الأزمة الإنسانية في تيغراي ومناطق أخرى إلى "التفاقم بشكل يخرج عن السيطرة، مع تزايد النزوح القسري داخل البلاد وإلى خارجها". ولفت أيضاً إلى السياق الذي يواجه فيه عاملو الإغاثة عقباتٍ وصعوباتٍ متنامية وغير مقبولة، كما تأكد من خلال طرد العاملين في المجال الإنساني من البلاد مؤخراً.
مع تزايد مستويات النزوح القسري، توجه المفوض السامي غراندي أيضاً بحديثه إلى البلدان القوية في بعض مناطق العالم، والتي عوضاً عن منح ملاذ آمن لأولئك الذين يضطرون للفرار من حروبٍ لم يتسببوا بها، تبقيهم خارج حدودها مستخدمة الجدران وأساليب عنيفة من الصد، وترفض إنقاذ الأشخاص الذين تقطعت بهم السبل في عرض البحر، وتسن قوانين تزداد صرامة.
وقال غراندي بأن اقتراحات تحويل واجبات اللجوء إلى دولٍ أخرى أو إسنادها لأطراف خارج البلاد كانت تنتهك الالتزامات الجوهرية لتقاسم المسؤولية. كما أشار إلى "التوجهات المثيرة للقلق... حيث تعمل الدول على تشجيع اللاجئين والمهاجرين للتوجه إلى دون أخرى بسبلٍ خطيرة لأغراضٍ سياسية محضة لا صلة لها بالحاجة إلى الحماية".
وأضاف غراندي: "لا يتعارض حسن إدارة الحدود مع إتاحة فرص الوصول إلى سبل اللجوء. لا تحول الإدارة الجيدة دون معالجة طلبات اللجوء في إطار نظامٍ منصفٍ وسريع، ولا تعيق دخول ومساعدة الأشخاص المحتاجين للحماية الدولية".
رغم التحديات من المنظور العالمي، فقد لفت غراندي إلى التقدم المحرز في مجال دعم جهود السلام في جنوب السودان والسودان – بقيادة حكومتي البلدين والهيئة الحكومية للتنمية. وبمساندةٍ من البنك الدولي، يجري العمل لإيجاد حلولٍ لأكثر من 7 ملايين لاجئ ونازحٍ داخلياً من كلا البلدين.
نشأ عن جهود التعاون أيضاً حلول مؤقتة لملايين الفنزويليين النازحين قسراً. وقد أشاد غراندي بالدور "النموذجي" الذي تلعبه كولومبيا في منح صفة الحماية المؤقتة لأكثر من 1.7 مليون فنزويلي، وسماحها لهم بالبقاء والعمل والوصول إلى الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة. كما قال بأن دولاً أخرى في أمريكا اللاتينية والكاريبي تتخذ مثل هذه الخطوة – التي تتيح للنازحين قسراً المساهمة في البلدان المضيفة لهم.
"إن عملنا معاً بشجاعةٍ وتواضع وبروح من التضامن الصادق.. عندها ستتوفر لدينا الفرصة لتحقيق النجاح".
سلط المفوض السامي الضوء أيضاً على التقدم الناتج عن الميثاق العالمي بشأن اللاجئين وعن المنتدى العالمي للاجئين الذي انعقد لمتابعة تقدمه في ديسمبر 2019، حيث أدى تقديم أكثر من 1,400 تعهدٍ إلى نشوء سياساتٍ واستثمارات من القطاعين العام والخاص.
وقال فيليبو غراندي: "لقد أدت هذه الاستثمارات إلى تحسين الظروف المعيشية، ليس للاجئين فحسب – بخاصةٍ في الأزمات طويلة الأمد – بل للمجتمعات المضيفة لهم أيضاً، وساعدت في كثيرٍ من الأحيان على تنمية المناطق النائية والاستثمار في البنى التحتية التي تبقى قائمة بعد عودة اللاجئين إلى ديارهم".
بينما يواجه العالم "تحدياتٍ هائلة"، ناشد غراندي المندوبين بعدم الاستسلام لليأس، بل استمداد الإلهام من "الشجاعة والعزيمة اللتين ما زال النازحون قسراً يبديانهما".
يشكل الرياضيون اللاجئون الذين تجاوزوا الصعاب في ألعاب طوكيو الأولمبية والبارالمبية في شهر أغسطس "مثالاً حياً على ضرورة عدم الاستسلام، وعلى وجوب التصدي لتحديات النزوح القسري – وكافة التحديات العالمية الأخرى – بتأنٍ ومثابرةٍ وبشكلٍ منهجي".
واختتم غراندي بالقول: "لا أحد يمكنه القيام بهذا وحده.. لكن إن عملنا معاً بشجاعةٍ وتواضع وبروح من التضامن الصادق، ومنحنا الأولوية للصالح العام فوق الاعتبارات الفردية والمحلية، عندها ستتوفر لدينا الفرصة لتحقيق النجاح".