ماذا يعني الابتكار ≠ التكنولوجيا؟
بقلم جون وورنز، مسؤول في شعبة الابتكار (الاتصال)
في القطاع الإنساني، يمكن لمعرفة القليل عن التكنولوجيا أن يقطع بك شوطاً طويلاً. وعلى سبيل المقارنة، في العديد من القطاعات الأُخرى العامة والخاصة، كنا متأخرين قليلاً في بعض الأوقات في ما يتعلق بتبني التكنولوجيات الجديدة والتكيف معها وجلب الأشخاص الذين يمتلكون مجموعة المهارات المناسبة لاستخدامها بفعالية. ليس ذلك مفاجئاً لأن العديد من السياقات التي نعمل فيها كانت أقل ارتباطاً بشبكات الاتصال وأحياناً خطيرة، ناهيك عن التعقيد السياسي.
على هذا النحو، أتاح إضفاء القليل من البصيرة تمكين هؤلاء العاملين في مجال التكنولوجيا الإنسانية من أن يحتلوا مركز الصدارة وأن يبنوا قاعدة للمتابعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقد نتج عن ذلك أيضاً عدد كبير من المؤتمرات والنقاشات مع أعضاء يلعبون البينغو باستخدام آخر المصطلحات التكنولوجية.
وذلك يُخطئ غاية الابتكار، حيث تتحول إلى رحلةً لـ"الأنا"؛ أداة للذات بدلاً من أداة للقضية أو للمستخدمين أو حتى للتكنولوجيا نفسها.
ولهذا السبب خرجت شعبة الابتكار في المفوضية بقوة برسالة مفادها أن الابتكار والتكنولوجيا ليسا متشابهين.
نحب التركيز على المجتمعات. الأشخاص الذين يتلقون المساعدات الإنسانية ويتطلعون إلى تحسين حياتهم والعيش بكرامة. أي منتج أو خدمة نشارك فيها يجب أن تخدم احتياجات المستخدم. لا نرغب في استخدام التقنيات من أجل استخدامها، ولا نبحث عن تحديات لتطبيق هذه التقنية عليها، فنضع العربة أمام الحصان.
هل نحن إذاً مجموعة من المصابين برهاب التكنولوجيا؟ بالطبع لا. وهذا يقودني إلى صلب موضوع مقالتي، أي التفكير قليلاً بطريقة نظرتنا للتكنولوجيا، وكيف نريد أن نتناولها وكيف يمكن أن تدعم الابتكار بأكثر الطرق فعالية. ولأن لها دور، ولقب وظيفي حالي، يرتبط مباشرة بالتكنولوجيا، فإن الموقف الذي اتخذناه في البداية جعلني غير مرتاح. ولكن من خلال العمل، أدركنا أن دورنا هو تغيير اتجاه عقارب الساعة، وأن الفروق الدقيقة في منهجنا تستحق الجدال والنقاش مع جمهور أوسع.
أوَّلاً، سأبدأ بحقيقة أننا لسنا شركة تكنولوجيا أو شركة لتطوير الشبكة العنكبوتية أو شركة مصنعة للمنتج. ومع ذلك، فكلما اعتقدنا، أو اعتقد بعض نظرائنا، أننا قد نصبح كذلك، أو قادرين على أن نكون كذلك، أجد أنَّ هنالك أشخاصاً أفضل ومؤهلين أكثر يشكّل هذا العمل بالنسبة لهم عملهم الأساسي. بالإضافة إلى ذلك، هنالك وضع قانوني وولاية. هل ستبدأ الأمم المتحدة في تطوير تطبيقات لكل شيء؟ في الوقت الحالي، ليس لدينا بالفعل سجل حافل في تقديم الخدمات الرقمية مقارنة بالقطاع الخاص، أو حتى القطاع العام، باستثناء عدد قليل من المنظمات الدولية الرائدة. أرى دورنا في فهم التكنولوجيا، وتطبيق المبادئ الإنسانية عليها (شبيهة بما هو مذكور في مدونة قواعد الإشارة)، وبذل قصارى جهدنا لضمان أن تعمل لصالح مبادئنا.
أخيراً، إذا بدأت في تطوير المنتجات أو الخدمات بنفسك، فيمكنك أن تسقط بسرعة في شرك بيعها في كل الفرص الممكنة، مما يتعارض مع الحقيقة القديمة بأن التحديات تأتي قبل الحلول.
ثانياً، أود تقديم تفاصيل حول كيف أرى التقاطع بين الابتكار والتكنولوجيا وكيف يمكن أن يتناول العاملون في المجال الإنساني كلاً من هذين المجالين. لقد قسمتهما إلى أربع فئات مختلفة يمكن أن تكون بشكل أساسي عبارة عن رسم بياني رباعي واحد للنُهج والتقنيات المبتكرة.
هذا لا يعني أن أيًّا من هذه الأساليب خاطئة. في الواقع، إنها جميعاً قيّمة وضرورية بالنسبة لنا للتكيف مع العصر. ما اضطررنا إلى معرفته كشعبة ابتكار في المفوضية هو المكان الذي يجب أن نوظف فيهجهودنا على أفضل وجه، وحيثما قد يكون الآخرون في وضع أفضل لتطبيقها.
1. تطبيق التكنولوجيا. هذا ما نفعله أساساً في أي يوم، كل يوم. يمكن أن تكون التكنولوجيا أي شيء، بدءاً من قلم وصولاً إلى كمبيوتر محمول وهاتف ذكي. ولا يقتصر الأمر على الأساسيات، بل سأدرج أيضاً الأدوات التي كانت موجودة منذ فترة وأصبحت أكثر شيوعاً في تقديم المساعدات الإنسانية. تتبادر إلى الذهن أنظمة الرسائل القصيرة الجماعية، مثل مشروع Ascend السابق، كما هو الحال بالنسبة إلى الخطوط الساخنة، وقد استمر حتى جمع بيانات الهاتف المحمول لفترة طويلة كفاية بالنسبة لي كي أعتبر استخدامه فعلاً شيء يجب أن يكون دعامة أساسية لما نقوم به. ونجد من الغريب أن بعض هذه الوسائل يعتبرها البعض "مبتكرة" في حين أنَّ التطبيق في الواقع بسيط، والتكنولوجيا ناضجة. باختصار، نحن نرى ذلك كتكنولوجيا يشيع تطبيقها في حالات الاستخدام الإنساني.
2. تطبيق التكنولوجيا المبتكرة. يمكن أساساً اعتبار ذلك جزءاً من جهود التحديث. على سبيل المثال حول محاولة تحسين أنظمتنا الداخلية، باستخدام شاشات اللمس الضخمة، وحتى أشياء مثل استخدام الواقع الافتراضي لأعمال الاتصالات الخارجية، لكنكم تعرفون أفكاري حول ذلك. تلك هي أساساً التكنولوجيا التي تم إدخالها للتو في السوق، وتناسب جداً كل ركن معين، أو لا تزال في مراحل التطوير التجريبية. ومع ذلك، فقد قام الناس باختراقات في تطبيق التكنولوجيا في بيئة إنسانية على أساس إمكاناتها المؤسسية التي تم تطويرها من أجلها حتماً.
إذاً، ليس ذلك من نوعية الأمور التي تشملها شعبة الابتكار في المفوضية في نطاق مسؤولياتها. هذا النوع من التطبيقات، ولا سيما الفوائد حول التحديث، لا يمكن أن تتحملها الأقسام الرئيسية وإدارات المنظمات الكبيرة إلاّ إذا اعتمدتها مجالس إدارتها. إذا نظرنا إلى ذلك في خلية الابتكار الخاصة بنا، فعندئذ لن يتم قياسها أبداً ولن يكون لها الأثر الذي تحتاجه. بالإضافة إلى ذلك، لا يتعلق الأمر في الواقع بكوننا أكثر ابتكاراً.
3. التطبيق المبتكر للتكنولوجيا. كي نكون صادقين، لدينا ولع لهذه النقطة. ربما يرجع ذلك إلى أن المزيد من التقنيات البسيطة والناضجة شائعة الاستخدام وبأسعار معقولة ويمكن الوصول إليها في العديد من السياقات التي نعمل فيها. والسبب غالباً لأنها تكون الأكثر تأثيراً والأكثر إغفالاً. على سبيل المثال، مشروع Boda Boda Talk Talk في أوغندا. هذه الفكرة ولدت من مشروع إنترنيوز في جنوب السودان. كانت التكنولوجيا بسيطة، ومع ذلك، كانت طريقة استخدامها، وكيف جربتها المجتمعات وطورت في طريقة استخدامها، مبتكرة. لقد وجدوا طرقاً جديدة للتعامل مع التكنولوجيا وكانوا مدفوعين بحلول التواصل. في هذه الحالة، استعرنا تطبيقاً ما، ومن خلال السماح بتطويره باستمرار، أصبح مبتكراً.
4. التطبيق المبتكر للتكنولوجيا المبتكرة. من المحتمل أن يسمي بعض الأشخاص هذا الأمر بأنه "صلب الموضوع" لشعبة الابتكار، لكننا لا نرى ذلك بشكل مختلف عن أي تطبيق مبتكر لتكنولوجيا أخرى، أو عدم وجود تكنولوجيا على الإطلاق. ومع ذلك، قد يكون من المثير إيجاد طرق لإدخال التكنولوجيا المبتكرة الجديدة بطرق فريدة للمجتمعات التي تهدف إلى خدمتها، أو التي تزودنا بالأفكار التي نحتاج إليها تحديداً. كما ذكرنا سابقاً، نحن لا نأخذ التكنولوجيا ونبحث عن تحدٍ، ولكننا نحاول ونبقى على اطلاع بحيث عندما نعمل مع عملية ميدانية تتطلع إلى جعل تجربة التدريب عن بُعد أكثر تفاعلية، نفهم ما هي قدرات الواقع الافتراضي والدور الذي يؤديه في "مجموعة الأدوات" الخاصة بالحلول. قد يكون مثال آخر هو "مشروع جيتسون" (Project Jetson)، الذي يسعى إلى استخدام أكبر قدر ممكن من البيانات للتنبؤ بتحركات السكان لمساعدتنا على الاستعداد بشكل أفضل. الطريقة الوحيدة لإحصاء ذلك هو استخدام بعض من التقنيات الأكثر ابتكاراً والمتاحة اليوم.
إذن، في حين أن الابتكار لا يساوي التكنولوجيا، يمكن للتكنولوجيا أن تكون مبتكرة، ويمكن للابتكار استخدام التكنولوجيا للابتكار، ويمكن تطبيقها أيضاً بطرق مبتكرة، أو لا. هنالك بعض جهود التحديث الهامة الجارية في جميع المنظمات الإنسانية. لا ينبغي رفضها بما أنها سليمة؛ وهي مهمة للغاية، ولكنها ليست بالضرورة ابتكاراً.
إنَّ مجرد استخدام التكنولوجيا الأكثر ابتكاراً لن يعني دائماً أنَّ تطبيقها في البيئات الإنسانية أمر مبتكر. قد تكون في غير محلها أو في أسوأ الأحوال، صراحة، مؤذية.
وطبعاً، سنستمر في استكشاف التقنيات الناشئة واختبارها، ولن نتحدث بصوت عالٍ عنها دون تحديد حالات استخدام مناسبة وملموسة تؤثر بشكل إيجابي على حياة المجتمعات التي نخدمها. وبالمثل، في حين أنه عمل ضخم، فإننا لن نرفع الصوت شخصياً بشأن جهود التحديث التي تجعل ببساطة أنظمتنا الداخلية أكثر كفاءة، بدلاً من استخدام أساليب مبتكرة لمعالجة بعض تحدياتنا الأكثر تعقيداً.
نحن نبحث دائماً عن قصص وأفكار وآراء رائعة حول الابتكارات التي يقودها اللاجئون أو تترك أثراً عليهم. إذا كان لديكم واحدة لمشاركتها معنا، أرسلوا لنا رسالةً إلكترونيةً على [email protected]
وإن كنتم ترغبون في إعادة نشر هذه المقالة على موقعكم الالكتروني، يُرجى الاطلاع على سياسة إعادة النشر الخاصة بنا.