لماذا تتخذ المفوضية إجراءات بشأن النزوح بسبب تغير المناخ

من مكتبها في المقر الرئيسي للمفوضية في جنيف، تتابع إريكا بوير حرائق الغابات التي تجتاح سانتا روزا في كاليفورنيا. نشبت هذه الحرائق منذ أسابيع وقد تسببت بتدمير المنازل والممتلكات وإجبار الآلاف على الفرار ووفاة عشرات الأشخاص. يتفق معظم العلماء على أن تغير المناخ ساهم في ارتفاع درجات الحرارة وجفاف النباتات مما صعب القدرة على احتواء النيران بشكل خاص.

تقول بوير، وهي مساعدة المسؤول المعني بالنزوح الناتج عن تغير المناخ والكوارث: "من الواضح أن تغير المناخ هو أحد أبرز التحديات التي نواجهها على الأرض في القرن الـ 21. ويكفي أن نشاهد التلفزيون لنرى ارتفاع عدد العواصف والفيضانات والجفاف وحرائق الغابات".

تدمر منزل أقاربها في سانتا روزا بشكل كامل. ولكنهم كانوا محظوظين بفضل شبكة دعم اجتماعي قوية والضمان المالي للعودة. عانت عائلات عديدة في كاليفورنيا بشكل كبير ولكن سيتم إعادة بناء المنازل وسيعود السكان والسياح وستستمر الحياة.

هذا النوع من الضمان المالي وشبكات الدعم ليس عالمياً. والمجتمعات حول العالم غير قادرة على تحمل عبء الكوارث. وفي العديد منها، عندما يجبر الأشخاص على الفرار من منازلهم من المرجح أن لا يعودوا إليها على الإطلاق. ونظراً لأن تغير المناخ يتسبب بالنزوح وبتعقيد عمليات الاستجابة له، تظن بوير أن المفوضية تلعب دوراً مهماً في المساهمة في استجابة المجتمع الدولي.

حقيقة تغير المناخ والنزوح

هناك ميل للاعتقاد بأن تغير المناخ سيشكل تهديداً للمستقبل ويجب الاستعداد له قبل فوات الأوان. وتقول بوير بأن هذا الخطر موجود الآن وآثاره ظاهرة اليوم.

وفقاً لمركز مراقبة النزوح الداخلي، تجبر الكوارث المتعلقة بالمناخ حوالي 21.8 مليون شخص على الفرار من منازلهم سنوياً. والأشخاص من الفئات الأشد ضعفاً هم أكثر احتمالاً للنزوح نتيجة تأثيرات تغير المناخ والبقاء نازحين لفترة أطول.

في بعض الأماكن، تتشابك المناطق الجغرافية التي تشهد تغير المناخ ومناطق النزوح لتخلق عوامل متشابكة تشوش عملية تحليل تحديد أفضل طريقة لحلهما. في مناطق أخرى، تأتي مشاكل أو كوارث تغير المناخ في أعقاب النزوح الناجم عن الصراعات مما يساهم في تعقيد استجابة المجتمع الدولي لكليهما.

تدفع الكوارث المفاجئة كالأعاصير أو الزلازل بالأشخاص إلى مغادرة منازلهم بسرعة مما يؤدي إلى ظهور احتياجات حماية متنوعة أكثر مما تتسبب به أزمات بطيئة الظهور كالجفاف أو التآكل أو ارتفاع مستوى سطح البحر. ولكن المجتمعات يمكن أن تقع بسهولة ضحية أي منهما، أو كليهما معاً، كمنطقة ساحلية تعاني من الدمار والضرر الناجمين عن العواصف المتكررة بسبب استنزاف الجزر الحاجزة وإزالة الغابات.

يمكن أن يؤثر تغير المناخ أيضاً على فكرة العودة "الآمنة والكريمة" مما يغير فكرة ما هو الحل الدائم بالكامل. تقول بوير: "لا يمكنك أن تتوقع عودة شخص عندما تكون الجزيرة التي يعيش فيها مغمورة بالمياه أو أصبحت أرضه غير صالحة للسكن نتيجة التصحر. وأود أن أؤكد بأنه يجب النظر مجدداً في عدة افتراضات يستند إليها نموذج "الحلول" الكامل".

أطر الحماية ذات الصلة

يكون النزوح الناجم عن تغير المناخ داخلياً في غالبية الأحيان وليس عابراً للحدود. ويحصل هؤلاء الأشخاص على الحماية بواسطة المبادئ التوجيهية بشأن النزوح الداخلي. وفي حين أن بعض النازحين قد يتم اعتبارهم لاجئين بموجب معايير اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين أو اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لعام 1969 أو إعلان قرطاجنة، إلا أن معظمهم لن يستوفوا هذه المعايير. وما زال هناك ثغرة قانونية في ما يتعلق بحمايتهم.

أدت اجتماعات الطاولة المستديرة والمؤتمرات والمبادرات التي تترأسها الدول إلى قيام الدول بتقديم التزامات بتفادي ومعالجة النزوح العابر للحدود الناجم عن تغير المناخ. وفي عام 2015، صادق 109 وفود حكومية على جدول أعمال الحماية لمبادرة نانسن الذي يحدد الأدوات لمساعدة الدول في تفادي "احتياجات الحماية للأشخاص النازحين عبر الحدود في سياق الكوارث وتغير المناخ" والاستعداد لها ومعالجتها. وفي عام 2016، تم إطلاق المنصة الخاصة بالنزوح بسبب الكوارث لضمان تنفيذ جدول أعمال الحماية هذا. تستخدم الدول الأدوات التي تقدمها كالتأشيرات الإنسانية أو الحماية المؤقتة أو ترتيبات الإقامة، ولكن الإدارة ليست دائماً منسقة أو منتظمة.

قد يحتاج الأشخاص الذين أجبروا على مغادرة منازلهم بسبب الكوارث إلى المساعدة والحماية. وفي حين أن ممارسة الدولة بدأت بالظهور إلا أن المسائل الرئيسية تبقى كيف يمكن للعالم أن يستجيب وبأي وتيرة.

المفوضية والنزوح بسبب تغير المناخ اليوم

تلعب المفوضية دوراً متنامياً في معالجة النزوح بسبب تغير المناخ. وعلى الرغم عناوين الأخبار المتتالية، إلا أن ذلك ليس بالأمر الجديد: تعمل المفوضية منذ منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين على كيفية معالجة المسألة.

تستمر المفوضية بالعمل مع الدول لوضع مناهج قانونية وسياسية من شأنها أن توفر الحماية للأشخاص المتأثرين بالنزوح بسبب تغير المناخ. يتضمن ذلك تعزيز حماية النازحين داخلياً ودعم جدول أعمال الحماية لمبادرة نانسن والمنصة الخاصة بالنزوح بسبب الكوارث.

ولكن الأمر ليس متعلقاً فقط بالمؤتمرات الهاتفية وموجزات السياسات. أجرت كوستاريكا وبنما مؤخراً ورشة عمل مشتركة حيث قامتا بمحاكاة كارثة وتعين على الطرفين التعامل في الوقت الحقيقي مع هذا الوضع الافتراضي. تقول بوير: "هذا الأمر جديد تماماً. هذا هو نوع المبادرات الذي يدفع إلى التفكير باستمرار والذي سيحث الجهات الفاعلة على التخطيط لهذه الاستجابات في المستقبل".

وضعت المفوضية أيضاً مبادئ توجيهية للحماية المؤقتة كالحماية التي قد يحتاج إليها الأشخاص النازحون الذين عبروا حدود بنما في تمرين المحاكاة. وتم النجاح في عدة منتديات في تشجيع الاتساق بشأن حماية النازحين بسبب الكوارث في سياق إتفاقيات أخرى متعلقة بالسياسات كإطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث والمنتدى العالمي بشأن الهجرة والتنمية، والمواثيق العالمية المتعلقة باللاجئين والهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة وأهداف التنمية الإنمائية وغيرها.

وهناك منتدى مهم آخر شاركت فيه المفوضية في ما يتعلق بهذه المسألة من خلال تقديم الدعم التقني في المفاوضات حول تغير المناخ لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وتشير بوير قائلة: "في البداية، ركز أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على التخفيف من الغازات الدفيئة. ومن ثم انتقل التركيز إلى التكيف".

وتقول بأنه في الأعوام الخمسة الماضية تحولت المناقشات إلى الخسارة والأضرار: ماذا يحصل عندما لا نستطيع التكيف مع تغير المناخ وتتعرض المجتمعات لخسائر وأضرار ملموسة بما في ذلك خسارة إرثهم وثقافتهم؟

في هذا السياق، تشارك المفوضية في فرقة العمل المعنية بالنزوح التابعة لآلية وارسو الدولية المتعلقة بالخسائر والأضرار، والتي قالت بوير بأنها كانت منصة مهمة للتحدث مع مجموعة جديدة من أصحاب المصلحة كالخبراء في مجال تغير المناخ ووزارات البيئة، وإطلاعهم على أهمية النزوح.

تقول بوير: "التحدي الجديد الآن هو تحديد ما يمكن أن تضيفه توصيات فرقة العمل من أمور جديدة وفريدة وكيف بإمكانها أن تكمّل الجهود الأخرى كالمنصة الخاصة بالنزوح بسبب الكوارث".

ومثال على ذلك نقل التقنيات كأنظمة الإنذار المبكر من بلد إلى آخر. وهناك مثل آخر وهو استخدام التوقعات للاستعداد بشكل أفضل والاستجابة بشكل أسرع.

واليوم، غالباً ما لا يتم النظر في الاستجابات على الأرض. ويجب تلبية ثلاثة شروط قبل أن تشارك المفوضية بهذه الطريقة: يجب أن تكون المفوضية موجودة، وأن تطلب حكومة البلد المتضرر تدخل المفوضية، ويجب أن تكون جزءاً من استجابة مشتركة بين الوكالات. تمت تلبية هذه الشروط في أوضاع تشمل الزلازل الأخيرة التي حصلت في المكسيك والإكوادور بعد إعصار هايان في الفلبين وخلال الجفاف والمجاعة في الصومال.

وعلى الرغم من أن حماية هؤلاء الأشخاص النازحين داخلياً نتيجة تغير المناخ ليس دوراً أساسياً للمفوضية، إلا أن بوير تقول: "إنه واقع وسيستمر بالحدوث مع تسبب تغير المناخ بزيادة تواتر هذه الأحداث".

مسألة القيادة العالمية

تستجيب الحكومات للأزمات المتنامية ولكنها تقوم بذلك بطرق تفاعلية ومخصصة. وأحد الأدوار التي يمكن أن تضطلع بها المفوضية هي المساعدة في تنسيق الاستجابات لهذه التحديات والتأكد من أن المجتمع الدولي مبتكر ويواصل التفكير في إنشاء أطر ومناهج للتعامل مع النزوح بسبب تغير المناخ.

وتقول بوير: "حالياً، فإن الطريقة التي تعتمدها المفوضية والعديد من الجهات الإنسانية في العالم لمعالجة هذه المسائل مستمدة من نهج لإدارة الأزمات. وهي ترتكز على المكان والوقت الحاليين وما هو ملح اليوم".

وتضيف بأن ذلك يبدو منطقياً لأسباب عديدة، وعلى سبيل المثال الميزانيات المحدودة والمداورة المستمرة للموظفين والحجم الكبير لأزمات النزوح القائمة. "إن حجم الصدمات على هذا الكوكب كبير جداً. ومن الصعب التفكير في الاتجاهات الطويلة المدى والمخاطر المستقبلية".

ولكن بوير تعتقد بأن الانتقال من نهج لإدارة الأزمات إلى نهج لإدارة المخاطر، وهو نهج للمدى الطويل بدلاً أن يكون على المدى القصير، سيشكل خطوة مهمة. وتقول: "يجب علينا في المستقبل البدء ببناء بنى تحتية ومؤسسات ومناهج مفاهيمية للاستجابة ".

تتخذ المفوضية خطوات صغيرة في الاتجاه الصحيح. وإن استراتيجياتها المتعلقة بالحماية والحلول المتعددة الشركاء توسع وثائق التخطيط في العمليات المحلية من عام واحد إلى ثلاثة أعوام من التركيز. وبالنظر إلى المستقبل، يمكن للمفوضية القيام بالكثير مثل بناء شراكات أفضل ضمن مجتمعات الحد من مخاطر الكوارث وتغير المناخ وحتى في القطاع الخاص.

من خلال النظر إلى المخاطر المستقبلية كجزء لا يتجزأ من عملية التخطيط، يمكن للمفوضية أن تضمن أن تشمل حلول النزوح تلقائياً إجراءات لتجنب النزوح في المستقبل.

وتقول بوير: "يتعين إدماج مسألة الخطر المستقبلي هذا في كل الأعمال التي تقوم بها المفوضية".

لو كانت المفوضية هي المسؤولة، لكانت صارمة ولن تتجاهل واقع النزوح بسبب تغير المناخ والكوارث. وللأشخاص الذين يقولون بأن هذا النوع من التركيز هو توسيع لولاية المفوضية، فإن بوير تقول بأن الأمر ليس كذلك. لا يتوجب أن تكون المفوضية هي الجهة التي تقود أنشطة التكيف مع تغير المناخ والحد من مخاطر الكوارث إنما هي بحاجة للتعاون مع الشركاء الذين يعملون في مجال الحماية. في النهاية، تؤثر هذه المسائل على الأشخاص الذين تعنى بهم المفوضية وتتسبب في نزوحهم. ولم يعد الأمر متعلقاً فقط بدعم الأشخاص النازحين إنما بدعمهم على نحو استباقي ليصبحوا أكثر قدرة على الصمود والحد من احتمال النزوح عند حدوث الكوارث.

قد يعني ذلك أيضاً مساعدتهم في التخطيط للنقل إلى موقع آخر كحل أخير وهو أمر تجربه حكومة فيجي وخطوة تعتقد بوير بأن المفوضية يمكن أن تقوم بدور أكبر فيها من خلال إعداد الأدوات والتوجيهات. وتقول: "لأن الأمر متعلق بالحماية. هذا ما تعنيه الحماية".

إن مثل هذه التدخلات خارجة عن المعتاد، والمفوضية قادرة على تنفيذها بالتأكيد. ولكنها مقاربات تتلاءم مع الواقع الجديد.

في النهاية، تقول بوير "قواعد اللعبة تتغير".