إصابة قرويين في ميانمار مع اندلاع الصراع في كاشين
مييتكيينا، ميانمار – استيقظت آه تشانغ، وهي أم لطفلين، وعائلتها مذعورين عندما عكر إطلاق للنار هدوء الليل في قرية تينغ كوك.
أصاب الرصاص منزلهم، ليسعوا جاهدين للاختباء بينما كان يدور قتال عنيف بين جنود ميانماريين ومقاتلي جيش استقلال كاشين خارج القرية في يوليو الماضي.
عند الفجر ومع تراجع حدة القتال، غامر زوجها للخروج بحذر، ولكنه احتُجز مع العديد من الرجال الآخرين على يد جنود ميانماريين كانوا قد دخلوا إلى القرية للتو.
لم تُصب أه تشانغ* وطفلاها البالغان من العمر خمسة وستة أعوام. لكنها حين خرجت من منزلها، اكتشفت أن جيرانها أُصيبوا نتيجة وابل النيران المتبادلة.
وقالت في مقابلة أجريت معها مؤخراً في مخيم للنازحين في مييتكيينا تعيش فيه الآن مع عائلتها: "أصيب فتى صغير بجروح قاتلة، وأُصيبت والدته في قدمها، وكان زوجها ينزف من بطنه".
بالإجمال، جُرح خمسة قرويين وقُتِل فتى في الثانية من العمر في المعركة المسلحة التي دارت بالقرب من تينغ كوك الواقعة على الطريق الاستراتيجي الرئيسي بين بلدة تاناي ومييتكيينا، عاصمة كاشين، وهي إحدى ولايات ميانمار الشمالية.
"أصيب فتى صغير بجروح قاتلة، وأُصيبت والدته في قدمها"
بعد أن سيطر الجيش على القرية، احتُجزت الأسر المحلية وعددها 25، ومعظم أفرادها مزارعون من إثنيتَي روانغ وليسو، يزرعون حقول الأرز وبساتين البرتقال، طوال 12 ساعة، قبل أن يُطلق سراح الجميع بمن فيهم الرجال الذين ألقي القبض عليهم، ويُنقلوا إلى مييتكيينا.
احتلت محنة حوالي 700,000 لاجئ من الروهينغا فروا إلى بنغلاديش المجاورة بعد أعمال العنف في الجزء الشمالي من ولاية راخين في ميانمار في أغسطس الماضي، العناوين الرئيسية للصحف العالمية.
ولكنَّ سكان تينغ كوك كانوا آخر من انضم إلى نحو 107,000 مدني ممن نزحوا داخلياً في ميانمار بسبب الصراع. وهم يعيشون في مخيمات في كاشين وفي الجزء الشمالي المجاور من ولاية شان، بعد انهيار وقف إطلاق النار الذي دام 17 عاماً بين الجيش ومقاتلي جيش استقلال كاشين في عام 2011.
عانى السكان المنتمون إلى إثنيات مختلفة في المناطق الحدودية الشمالية والشرقية في ميانمار من عقود من الصراع بين الجيش ومختلف الجماعات الإثنية المسلحة التي تطالب بالاستقلال السياسي الإقليمي. يُعتبر النزوح الداخلي شائعاً، في حين فر نحو 100,000 لاجئ إلى تايلند، حيث ينتظرون منذ تسعينيات القرن العشرين السلام وفرصة للعودة إلى ديارهم.
وقد عالج مستشفى عسكري في مييتكيينا القرويين المصابين من تينغ كوك، في حين منحت كنيسة صغيرة عند أطراف المدينة المأوى للأسر النازحة. وتدعم المفوضية مخيم كا بو دام الذي أسسه قادة الكنيسة.
منذ وصولهم إلى المخيم، عاش القرويون في خيام الطوارئ التي توفرها المفوضية، والتي زودتهم أيضاً بأواني الطبخ والملابس الشتوية والبطانيات والناموسيات وغيرها من المواد. بالإضافة إلى ذلك، فإنهم يتلقون تحويلات نقدية شهرية وحزماً من المواد الغذائية ومستلزمات النظافة من منظمات الإغاثة الأُخرى ومن سلطات ولاية كاشين.
وقالت أه تشانغ: "تركنا معظم أمتعتنا وماشيتنا ومنزلنا وحقول البرتقال. لم نستطع إحضار إلا بعض الأشياء الصغيرة مثل الملابس والبطانيات"، مشيرةً إلى أن بعض بطانياتها "مثقوبة بسبب الرصاص".
وأشارت إلى أن بعض القرويين عادوا للتحقق من منازلهم ومزارعهم، فوجدوا أنها تعرضت للنهب والسرقة.
امتد القتال لأول مرة إلى بلدة تاناي في غرب كاشين في العام الماضي بعد أن أعلن الجيش عن تنفيذ عمليات هناك لإزالة مواقع التنقيب عن الذهب والكهرمان غير المنظمة في المناطق التي يسيطر عليها جيش استقلال كاشين.
واضطُر مئات القرويين وآلاف عمال المناجم المتنقلين وعائلاتهم للفرار من تاناي في منتصف عام 2017، ومرة أُخرى في فبراير من هذا العام. وما أثار قلق المفوضية ومنظمات الإغاثة الأخرى هو أنَّ العديد منهم كانوا محاصرين بين الأطراف المتحاربة لعدة أيام، قبل أن يتمكن الجيش والسلطات من إجلائهم.
يحدث مثل هذا النزوح والنزوح مجدداً دوماً في مختلف أنحاء شمال ميانمار، حيث انتشرت الاشتباكات وازدادت وتيرتها وكثافتها منذ عام 2016 على الرغم من أن عملية السلام جارية على صعيد البلاد ككل.
"نحن ندعو بصورة عاجلة لحماية حقوق الإنسان الخاصة بالمدنيين المتضررين من القتال"
وقال جوزيبي دي فينسنتيس، ممثل المفوضية في ميانمار: "إننا ندعو بصورة عاجلة لحماية حقوق الإنسان الخاصة بالمدنيين المتضررين من القتال لأننا نشعر بالقلق إزاء التقارير المتكررة عن تعرض الأشخاص للإصابة أو القتل جراء تبادل إطلاق النار والقصف العشوائي والألغام الأرضية. هنالك حاجة أيضاً إلى تحسين إمكانية إيصال المساعدات لأن العائلات الفارة تضطر غالباً للاختباء لأيام في الغابة دون مأوى طارئ أو طعام أو دواء قبل أن تتمكن من الوصول إلى الأمان".
منذ عام 2016، واجهت وكالات الأمم المتحدة وشركاؤها المحليون انخفاضاً حاداً في إمكانية الوصول إلى المدنيين النازحين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وجيش استقلال كاشين، حيث وضعت السلطات قيوداً شديدة على الموافقة على السفر للعمليات الإنسانية، لأسباب أمنية.
في مخيم كا بو دام، خلّف النزوح والعنف ندوباً نفسية عميقة بين العائلات. وقال مانا دي، وهو قس في الكنيسة التي تستضيف المخيم: "العديد من الناس هنا يعانون من الصدمة النفسية".
أمّا جارة أه تشانغ البالغة من العمر 42 عاماً والتي قُتل ابنها، فقد شوهدت في المخيم ترعى ابنيها الصغيرين المتبقيين وتتعافى من جرح ناجم عن طلقة نارية في كاحلها الأيسر. بدت منعزلة ومكتئبة، وقالت بأنها لا تستطيع أن تتذكر ما حدث لعائلتها أثناء القتال بالقرب من تينغ كوك.
وقال مانا دي بأنَّ إدارة المخيم تعاني أيضاً من المخاوف بشأن احتياجات المجموعة من الغذاء والرعاية الصحية والتعليم في حين أن "الظروف المعيشية في الخيام صعبة. وصل هؤلاء في موسم الأمطار وكان هناك فيضان وتسرب، وفي موسم الجفاف يصبح الجو حاراً للغاية. لذا، يمرض الكثير من الناس".
*تم تغيير بعض الأسماء في هذه القصة لأسباب تتعلق بالحماية.