الفصل 4:
الاستفادة من التكنولوجيا
يقدم لنا التطور السريع في التكنولوجيا بعضاً من أكثر الفرص إثارةً حتى الآن لتوسيع نطاق التعليم ليشمل اللاجئين.
يعد الوصول الرقمي والاتصال بشبكة الإنترنت أمراً مهماً للغاية بالنسبة للاجئين، فهو يساعدهم من جُملة أمور أخرى، في التغلب على مشاعر العزلة والحصول على دعم الأقران والبقاء على اتصال مع العائلة وكذلك الوصول إلى فرص التعلم في أماكن أخرى من العالم. ظهرت مجموعة كبيرة من فرص التعلم عبر الإنترنت المصممة خصيصاً للاجئين، من الدورات عبر الإنترنت، إلى المحاضرات والمحتوى المنسق، وصولاً إلى برامج كاملة لحيازة الشهادات.
لا يشكل الوصول إلى المعلومات بحد ذاته وصولاً إلى التعليم. فمعدلات التسرب من الدورات عبر الإنترنت مرتفعة للغاية، إما لأن المواد ليست ذات صلة أو لأن الطلاب يجدون صعوبة في الحفاظ على التحفيز عندما يحصلون على الدروس عن طريق الكمبيوتر فقط. ويؤكد ذلك على أهمية الدعم الأكاديمي وجهاً لوجه كمكون لما يُعرف ببرامج التعلم المختلطة. ففي أيدي معلمين مؤهلين تأهيلاً جيداً، تشكل التكنولوجيا أداة قوية لتحسين بيئة التعلم، ولكنها يجب أن تكمل التعليم، لا أن تحل محله.
حصل تطور كبير في التعلم المتصل على مستوى التعليم العالي؛ فقد أصبح أحد أقوى الأمثلة على إمكانية الجمع بين التكنولوجيا وأصول التدريس لتعزيز التعلم بطريقة مفيدة. وتجمع دورات التعلم المتصل الطلاب في مركز للتعلم معاً بالاعتماد على محتوى الإنترنت وعلى الدعم التعليمي لتكملة التدريس وجهاً لوجه بطريقة تشرك المتعلمين عن بعد. يمكن تقديم المحاضرات عن بعد، ولكنها تُعطى أيضاً من قبل أكاديميين زائرين وموظفين يعملون على الأرض. وحتى في غياب حرم جامعي مشترك، يمكن للطلاب إنشاء مجموعاتهم الخاصة، سواء في الموقع أو مع أقرانهم في جامعات أخرى، ومن ثم المشاركة في إنجاز الواجبات الجماعية والمهام الفردية التقليدية.
جسر نحو العالم
يهدف مشروع “الصفوف الدراسية الفورية” المشترك بين مؤسسة فودافون والمفوضية، إلى إدخال التكنولوجيا إلى الصفوف من خلال توفير التدريب والطاقة الشمسية والاتصال والأجهزة اللوحية المزودة بالمحتوى المتاح خارج الإنترنت. يضع البرنامج اللاجئين والمجتمعات المستضيفة لهم في المحور خلال عملية التصميم التي تستغرق ثلاثة أيام، والتي تُتوج بتصميم صف مخصص لهم. يستخلصون معاً ما يبدو عليه الصف المثالي بالنسبة لهم وكيف سيتم استخدامه. وفي حين أن أولويات المدرِّسين تميل إلى موارد التعلم، يميل الطلاب اللاجئون، مثل كل طالب في سن المراهقة في العالم، إلى إعطاء الأولوية للوصول إلى الإنترنت.
ويشكل البرنامج أيضاً جسراً نحو العالم من خلال مبادرة “درس أساليب القيادة“، حيث يقدم قادة عالميون مثل بول بولمان (الرئيس التنفيذي لشركة يونيليفر) وليزا ميلروي (رئيسة قسم الدراسات العليا في الرسم في مدرسة سليد للفنون الجميلة) دروساً افتراضية. خارج ساعات الدوام الدراسي، تتحول بعض هذه الصفوف إلى مراكز مجتمعية، مما يفتح فرص التعلم لمجموعة أوسع بكثير من الأشخاص. منذ بدء البرنامج في عام 2014، نُفذ مشروع “الصفوف الدراسية الفورية” في جمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا وجنوب السودان وتنزانيا واستفاد منه حوالي 62,000 من اللاجئين الشباب وأكثر من 850 مدرِّساً.
المضي قدماً
تتمثل ميزة التعلم المتصل بأنه يوفر تعليماً عالياً بكلفة منخفضة جداً من دون أن يضطر الطلاب لمغادرة موقعهم الحالي (مع كل النفقات الإضافية التي يستلزمها ذلك). منذ عام 2012، التحق أكثر من 7,000 طالب من اللاجئين والمجتمعات المستضيفة بدورات تعلم متصل في 12 دولة مختلفة، من فرنسا وألمانيا إلى أفغانستان وتايلاند وملاوي والعراق، بدعم من ائتلاف مكون من 16 شريكاً، من بينهم جامعات ومنظمات غير حكومية والمفوضية ومؤسسات أخرى. يقود ائتلاف التعلم المتصل في الأزمات كل من المفوضية وجامعة جنيف، وهو يستفيد من شبكة كبيرة لتوسيع نطاق التعليم العالي ليشمل اللاجئين الشباب بطريقة ابتكارية.
ويكمن التغيير الآن في تكرار مبادرات التعلم المتصل وتطويرها وتوسيعها، بناءً على الخبرة المتكسبة من المشاريع السابقة. ولتحقيق ذلك، من الضروري أن ينضم المزيد من الشركات ورواد الأعمال واختصاصيي التعليم إلى المفوضية لجعل التعليم الرقمي متاحاً للاجئين في جميع أنحاء العالم.
لهذا السبب، باختصار، فإن الجميع معنيون بدعم تعليم اللاجئين.
دراسة حالة
حلول ذكيّة
يطوّر اللاجئون مهاراتهم التقنية للعثور على حلولٍ للمشاكل اليومية
اضطر ريمي غاكوايا للفرار من موطنه بوروندي عندما كان في الخامسة عشرة من عمره، بعد أن قُتل والداه في اشتباكاتٍ عرقية. وقد وصل إلى مخيم دزاليكا للاجئين في ملاوي في عام 2008. واليوم وبعد مرور عشرة أعوام، فإنه يدرّس 20 طالباً كيفية برمجة التطبيقات وتطويرها.
بدأ كل ذلك بدوراتٍ في برمجة الكومبيوتر مدعومة من الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين في مركز المبادرة اليسوعية للتعلّم عبر العالم في المخيم، حيث تعلّم ريمي لغات برمجة الكمبيوتر مثل “إتش تي ام ال” و“جافا” و“بايثون“.
ويقول ريمي، الذي يبلغ الآن من العمر 23 عاماً: “أحب البرمجة. فرؤية شيء أنشئه بنفسي هي مصدر إلهام بالنسبة لي. هنا في مخيم اللاجئين، لا تتمتع بحرية القيام بأي شيء. لا يمكننا العمل خارج المخيم. ولكن إذا عملت في البرمجة، فيمكنك القيام بذلك من أي مكانٍ في العالم“.
في عام 2016، أسس ريمي “تيكنولاب“، وهي منظمة مجتمعية تسمح له بمشاركة حبّه للغات الكمبيوتر مع اللاجئين الشباب في المخيم.
بدأ ريمي بتدريس طلابه الستة أسس كيفية استخدام الماوس ولوحة المفاتيح. ولكن بسبب نقص أجهزة الكمبيوتر، اضطر لطباعة صورٍ لتخطيطات لوحة المفاتيح يأخذها التلاميذ إلى المنزل للتدرّب على الكتابة، ولشرح نظريات البرمجة، بدلاً من عرضها أمامهم على شاشة الكمبيوتر. وغالباً ما كانت الصفوف تجري في الظلام بسبب الانقطاعات المتكررة في التيار الكهربائي.
في مشروعٍ تجريبيٍ مشترك مع المفوضية، وفّرت “مايكروسوفت لإفريقيا” الاتصال بالواي–فاي في جميع أنحاء المخيم بدعم من مزودي خدمة الإنترنت المحليين لمدة 12 شهراً. كما تم توفير ألف هاتفٍ ذكيٍ، و40 جهاز كمبيوتر محمول، و10 أجهزة لوحية لمساعدة الطلاب على الاقتراب من إطلاق العنان لكامل إمكانياتهم.
في عام 2017، وللمرة الأولى، تمكّن تلاميذ ريمي من استخدام شبكة الإنترنت في المرافق المناسبة. بدأ المشروع مع 31 طالباً نجحوا في اختبار كفاءة تنافسي للغاية للالتحاق بالدورات التي يقدمها مصنع التطبيقات، وهو مبادرة من “مايكروسوفت لإفريقيا تهدف إلى بناء المهارات الرقمية وقدرات البرمجة لدى الشباب.
يقضي مطورو التطبيقات المبتدئون فترةً تصل إلى ستة أشهر يعملون فيها مع فنيي البرمجيات من مايكروسوفت، ويتعلّمون كيفية تصميم وبرمجة التطبيقات من أجل حلّ المشاكل التي يواجهونها في حياتهم اليومية. وتشمل المكونات السحرية في “مصنع التطبيقات” الشغف بتطوير البرمجيات والتفاني والعمل الجماعي والتمكين.
اسم التطبيق الأول الذي تم تطويره هو “هاباري” وهو يساعد الوافدين الجدد في العثور على الخدمات في المخيم ويعلّمهم أساسيات اللغة الإنكليزية أو لغة الشيشيوا، وهي اللغة المحلية في ملاوي. ويرسل تطبيق آخر اسمه “سمارت مابوكيزي“، ويعني “توزيع” باللغة السواحيلية، للاجئين رسائل قصيرة تخبرهم عن الطعام والمواد الأخرى المتاحة كل يوم.
يقول ريمي: “أريد استخدام التكنولوجيا لحل المشاكل المحلية التي لا تملك شركات البرمجيات الكبرى الوقت الكافي لها“.
في الوقت الذي تواصل فيه المفوضية دعم استمرار اتصال “مصنع التطبيقات” بشبكة الإنترنت بعد البرنامج التجريبي، تبقى مرافق الخريجين محدودةً وهناك حاجة إلى المزيد من الدعم للسماح لخريجي “مصنع التطبيقات” بتحقيق أقصى استفادةٍ من مهاراتهم الجديدة. معظم الطلاب من اللاجئين، و5 من كل 20 طالباً نشطاً هم من الشابات.
ولكن لا شيء يحبط عزيمة ريمي؛ فقد أطلق مؤخراً نادياً للكومبيوتر اسمه “غيرلز سمارت كود” لتشجيع النساء والفتيات اللاجئات على الانضمام إلى الثورة التكنولوجية.
فرت هنرييت كيويلي البالغة من العمر 21 عاماً وشقيقتاها كلودين وعمرها 18 عاماً وجوزفين وهي في السابعة عشرة من عمرها، من العنف في جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 2013. ولدى وصولهن إلى مخيم دزاليكا للاجئين، كانت الدراسة كل ما يرغبن بالقيام به.
عندما سمعت هنرييت أن “تيكنولاب” تبحث عن فتيات مهتمات بتعلم البرمجة، انضمت هي وشقيقتاها على الفور.
وتقول هنرييت: “كانت المجموعة مؤلفة من الفتيان بمعظمها، وسُئلنا عما إذا كنا سنتمكن من مجاراتهم. قلنا نعم، بالطبع يمكننا ذلك. عندما أفكّر في المستقبل، أعتقد أنه في يوم من الأيام سيكون لدي مهنة قائمة على المعرفة التي أكتسبها هنا في “مصنع التطبيقات“”.
دراسة حالة
قوة الكلام
لاجئون سوريون يدرسون اللغة العربية لطلاب حول العالم بفضل شركة ناشئة لتعليم اللغات.
في شقة صغيرة على سطح أحد المباني في بيروت، يجلس شادي أمام حاسوبه المحمول ويتحدث باللغة العربية مع شابة في لندن. يسألها مبتسماً: “كيف كانت عطلتك؟” فترد ميغان بثقة بالعربية: “كانت رائعة!”.
ميغان، البالغة من العمر 25 عاماً، هي شابة إيطالية تعمل في إنكلترا. أما شادي الذي يبلغ من العمر 26 عاماً، فهو لاجئ سوري في لبنان. خلال الأسابيع القليلة الماضية، تواصلا عبر سكايب لتحسين لغة ميغان العربية. يتواصلان من خلال “نتكلم“، وهو موقع على شبكة الإنترنت يتطوع فيه اللاجئون كمدرسين لغويين ومترجمين مستقلين.
غادر شادي سوريا في عام 2016، وتوقف عن متابعة دراساته العليا في الفنون الجميلة. لكنه وجد صعوبة في تغطية نفقاته في لبنان، حيث لا يمكن للسوريين العمل بشكل قانوني إلا في قطاعات قليلة مثل البناء والزراعة. قدم له موقع “نتكلم” فرصة لاستخدام مهاراته اللغوية وكسب راتب شهري بسيط. وهو الآن يدرّس اللغة العربية عبر الإنترنت لميغان وثلاثة طلاب آخرين.
أطلقت هذه الخدمة ألين ساره، وهي رائدة أعمال لبنانية – أميركية وجدت طريقة للاستفادة من مواهب الأشخاص الذين يعيشون خارج أوطانهم. تقول ألين: “اللاجئون أشخاص لديهم شيء يقدمونه. إنهم مثقفون للغاية مثلك ومثلي وقد حُرموا من فرصة مواصلة حياتهم“.
راودتها الفكرة في صيف عام 2014 عندما كانت قد أكملت للتو درجة الماجستير في الشؤون الدولية في جامعة كولومبيا في نيويورك. كانت تبحث عن وسيلة ميسورة التكلفة للتدرب على اللغة العربية، وخطرت لها طريقة للجمع بين اللاجئين والأشخاص الذين يرغبون في تعلم لغة عبر الإنترنت.
بعدأربعةأعوام،أصبحعددموظفيالشركةالناشئةأكثرمن 100 لاجئ في جميع أنحاء العالم، من بينهم سوريون وعراقيون وأفغان. وقد تسجل أكثر من 3,000 مستخدم في 65 دولة للحصول على خدمات تعليم اللغة والترجمة.
لكنَّ موقع “نتكلّم” هو أكثر من مجرد مشروع تجاري. فهو إنه أيضاً منتدى يسمح للمستخدمين بتكوين صداقات والاستفادة من التبادل الثقافي.
يقول شادي: “يسمح لنا “نتكلم” بالاكتشاف؛ اكتشاف كيف يكون الناس في الخارج وكيف يفكرون“. ويأتي بعض طلابه حتى لزيارته في بيروت.
وتعبر ميغان عن تقديرها لذلك أيضاً، وتقول: “لقد كونّا فكرة عن من هو اللاجئ وما هو، لندرك فقط أنه شخص مثلنا بالضبط، لكنه يعيش في جزء مختلف تماماً من العالم“.
بعد الانتهاء من المحادثة، يبدأ شادي بالاستعداد لإجراء مكالمة مع طالب في الولايات المتحدة. يقول: “نحن السوريون كنا معزولين عن العالم خلال الحرب. أشعر الآن أنني أكثر انفتاحاً على العالم من أي وقت مضى“.