النازحون داخلياً في السودان يتوقون لسلام حقيقي للعودة إلى ديارهم
على الرغم من عودة السلام ببطء إلى دارفور منذ عام 2003، إلا أن الوضع لا يزال هشاً في بعض أجزاء المنطقة.
أحمد إسحق بابكر، 54 عاماً، يجلس مع عائلته في منزلهم في كبكابية، شمال دارفور، السودان. نزح هو وأسرته في عام 2004 بسبب النزاع الدائر هناك.
© UNHCR/Will Swanson
بعد قرابة عقدين من الصراع في منطقة دارفور في السودان والذي تسبب في وقوع هجمات مسلحة ضد المدنيين وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ونزوح واسع النطاق، لم يتمكن حوالي 1.6 مليون شخص من العودة إلى ديارهم حتى الآن حيث لا تزال هذه المناطق غير آمنة.
إن الهجمات التي يشنها قطاع الطرق والعنف القبلي يجعل من الخطر على الكثير من السكان المخاطرة بالعودة إلى حياتهم السابقة. أشخاص مثل أحمد إسحق بابكر.. حيث مر الآن 17 عاماً منذ أن وصل رجال مسلحون إلى قريته في شمال دارفور.
ويروى الرجل البالغ من العمر 54 عاماً، وهو أب لستة أطفال، قائلاً: "كنا جالسين تحت شجرة عندما سمعنا فجأة طلقات نارية. كانت عربات الرجال المسلحين تقترب وركضت نحو المنزل لأبحث عن أطفالي".
كانت زوجة أحمد تعتني بمزرعة العائلة، فيما كان ابنه الأكبر يرعى قطيع الأغنام والماعز.
وقال: "أخذت أطفالي الآخرين وركضت نحو الجبال حيث اختبأنا لعدة أيام". وجد زوجته وابنه بعد ثلاثة أيام.
"جاء رجال مسلحون من كل مكان - من الصحراء والوديان والجبال"
وكما حصل مع أحمد، أُجبرت زهرة عبد الرحمن على الفرار بعد أن هاجم مسلحون قريتها عند سفح جبل سي، الواقع على بعد 35 كيلومتراً شرق كبكابية. وقالت: "جاء رجال مسلحون من كل مكان - من الصحراء والوديان والجبال. رأيت أشخاصاً وهم يقتلون فركضت".
ويستذكر أحمد كيف أن المسلحين نهبوا كل شيء في قرية وادي باري التي كانت آمنة في الماضي، والتي تبعد ساعتين بالسيارة من بلدة كبكابية، وكيف أنه خسر كل شيء.
استمرت الهجمات لأيام، وكانت عائلته تخرج في الليل فقط للبحث عن الطعام والماء.
وقال: "لم نتمكن من مغادرة القرية لأن الرجال المسلحين أغلقوها. إذا حاول أحدهم الهرب، فسوف يطلقون النار عليه". بقيت القرية محاصرة لما يقرب من عام.
استجمع أحمد في النهاية ما يكفي من الشجاعة واقترب من بعض الرجال عند نقطة تفتيش أمنية.
وقال: "اختلقت قصة وأخبرتهم بأنني لست على ما يرام ليسمحوا لي بالمغادرة إلى كبكابية لطلب العلاج الطبي. غادرت وليس معي أي شيء".
هناك، وجد أحمد عملاً له، وبعد بضعة أشهر انضمت إليه عائلته أخيراً في البلدة، حيث فر منها آلاف آخرون. انتقل بعد ذلك إلى العاصمة السودانية الخرطوم حيث عمل هناك لمدة عام.
لكنه عاد إلى كبكابية عندما بدأت السلطات المحلية هناك بتخصيص قطع من الأراضي للنازحين داخلياً، مما سمح لهم ببناء المنازل.
وصل أكثر من 50.000 سوداني آخرين من النازحين داخلياً إلى البلدة على مر السنين، كان آخرها في عام 2016. وينتاب أحمد قلق مستمر بشأن أولاده فيما يصارع من أجل تدبر أموره المعيشية.
وعلى الرغم من عودة السلام ببطء إلى دارفور منذ عام 2003، إلا أن الوضع لا يزال هشاً في بعض أجزاء المنطقة. وتنتشر العديد من القرى المهجورة في السهول الخالية المحيطة بكبكابية وأماكن أخرى في شمال دارفور.
تقدم المفوضية والوكالات الشريكة المساعدة الإنسانية، بما في ذلك المدارس.
وتوضح فورتوناتا نغونياني، مسؤولة الحماية لدى مكتب المفوضية في الفاشر، قائلة: "العديد من الشباب غير متعلمين، لا سيما أولئك الذين نشأوا خلال الصراع. إنهم بحاجة للمهارات ليكونوا قادرين على المساهمة في الاقتصاد".
ووفقاً لتقرير نشره هذا الأسبوع مركز رصد النزوح الداخلي، وصل عدد الأشخاص الفارين من النزاع أو العنف ولكنهم بقوا داخل بلدانهم إلى أعلى مستوى له على الإطلاق إلى 45.7 مليون شخص في عام 2019.
وأطلقت المفوضية مؤخراً مبادرة النازحين داخلياً لتكثيف الاستجابة لحالات النزوح الداخلي خلال هذا العام وعام 2021. وتركز المبادرة على تسع دول وهي: إثيوبيا وجنوب السودان والسودان وبوركينا فاسو وجمهورية الكونغو الديمقراطية والعراق وأفغانستان وأوكرانيا وكولومبيا.
وتهدف المبادرة إلى تسليط الضوء على تأثير النزوح الداخلي على المتضررين وتأمين المزيد من الموارد للاستجابات الخاصة بالنازحين وتعزيز دعم المفوضية للعمليات في هذه البلدان التسعة.
- اقرأ أيضاً: الصراعات تدفع النزوح الداخلي إلى مستويات قياسية
وأضافت: "بصفتنا وكالات إنسانية، فإننا نحاول بالتعاون مع الحكومة تقديم المساعدة للنازحين ولكن حتى الآن، لا يزال الوضع صعباً، حيث يحتاج السكان إلى الكثير من الدعم حتى يتمكنوا من المضي قدماً".
وروت زهرة كيف هربت مع عائلتها سيراً على الأقدام إلى كورما، وهي بلدة صحراوية صغيرة تقع شمال شرق كبكابية. وبعد ما يقرب من ثلاثة أشهر، تم نقلها إلى مخيم أبو شوك للنازحين داخلياً – وهو أحد أكبر مخيمات النازحين في شمال دارفور، حيث يزيد عدد سكانه عن 90,000 نسمة.
"أقسم بأنه لو عاد السلام، لعدت إلى هناك الآن"
ولكن بعد مرور 15 عاماً، ما زالت زهرة هناك، وهي تصارع من أجل رعاية أسرتها: "ما زلنا بحاجة للمساعدة وبحاجة للعمل. ليس لدي أي ماشية ولا مزرعة ولا شيء".
أما أحمد فإنه يفتقد أيضاً حياته كمزارع، حيث قال بحزن: "دائماً ما أتذكر أرضي لأنها كانت خضراء. وما عدا السكر والملح، كل شيء آخر كان يأتي من مزرعتي. أقسم بأنه لو عاد السلام، لعدت إلى هناك الآن. سوف نعود حتى نتمكن من العيش بالطريقة التي اعتدنا عليها ونطور منطقتنا".