لاجئون سوريون في ضيافة أقلية مسيحية في كندا

وجد مجتمع الهوتريتيون في مانيتوبا أساساً مشتركاً وبدأ ببناء صداقةً قويةً مع عائلة سورية لاجئة ساعدها في إعادة التوطين.

إلين هوفير (يسار) تتكلم مع نجوى حسين، لاجئة سورية في براندون، مانيتوبا.
© UNHCR/Annie Sakkab

 

في نوفمبر 2016، عندما بدأت الرياح الباردة تضرب البراري الكندية، استقبلت نجوى ورياض الحمود طفلهما الثالث.

 

من سريرها في المستشفى، أرسلت نجوى مجموعة من الرسائل السعيدة التي تعلن فيها ولادة ابنتها، إلى مجموعة من الأصدقاء الجدد وغير العاديين –أفراد من جماعة الهوتريتيين في براندون، مانيتوبا التي تبعد نصف ساعة.

يعتبر الهوتريتيون أقلية دينية في كندا، وهم فرع من حركة تجديد العماد المسيحية المرتبطة بشكل عام بالمينوناتية  والأميش. يعيش الأفراد في مجتمعات منتشرة في المحافظات الغربية ويتم تمييزهم من ملابسهم– إذ أن النساء يرتدين فساتين طويلة وملونة ويضعن المناديل السوداء، في حين أن الرجال يرتدون السراويل السوداء وقمصان العمل. وأخذ مجتمع بالقرب من واوانيسا على عاتقه تقديم الكفالة لعائلة الحمود، التي هي من بين أكثر من 31,000 سوري أعيد توطينهم في كندا خلال العام الماضي.

 

عائلة الحمود وكفلاؤها يمضون بعد الظهر معاً.  © UNHCR/Annie Sakkab

كان بول والدنير، وهو معلّم في المجتمع، أول من اقترح الفكرة بعد أن أخبره أحد المعلمين الهوتريتيين الذي أتى لزيارته من ألمانيا، كيف يمكن للمجتمع إحداث الفرق من خلال مساعدة اللاجئين المحتاجين. وبعد ذلك، توجه بول إلى والده، وهو رئيس المجتمع، الذي قال له: " كان أسلافنا لاجئين منذ فترة طويلة – ولطالما ساعدهم الناس".

 

"كان أسلافنا لاجئين منذ فترة طويلة – ولطالما ساعدهم الناس".

مع تقدّم العملية، تواصل بول وزوجته واندا مع إينيس وفتى موهيلجيك، وهما زوجان يعيشان في واوانيسا. كانا قد وصلا كلاجئين من البوسنة في أوائل التسعينيات، وحصلا على الكفالة الخاصة من المجتمع. وتقول إينيس: "عندما رأينا أوراق عائلة الحمود، تذكرنا أنفسنا ورحلتنا وشعرنا بأنه يتعين علينا المساعدة".

قبل الحرب، كانت نجوى حسين تعلّم في مدرسة ابتدائية في حماه، سوريا أما زوجها رياض فكان يعمل في البناء. وبعد عشرة أيام على فرارهما إلى لبنان، تدمر منزل العائلة الذي أمضى رياض أعواماً في بنائه جراء هجوم بالقنابل.

 

أليس هوفير (يسار) وشقيقتها إلين تحضران الطعام لأطفال عائلة الحمود.  © UNHCR/Annie Sakkab

أمضت العائلة السورية الصغيرة المؤلفة من أربعة أشخاص ثلاثة أعوام في المنفى – وكانت على وشك الفرار على متن قارب عبر البحر المتوسط- إلى أن علمت أخيراً أنه سيتم إعادة توطينها في كندا.

 

وفي ليلة وصولها، صعد بعض أفراد المجتمع في حافلة وتوجهوا إلى وينيبيغ التي تبعد ساعتين ونصف.

تقول إلين هوفير، وهي واحدة من أفراد العائلة الكفيلة: "عندما نزلوا السلالم [في المطار]، بدأت بالقفز وشعرت بحماسة كبيرة".

 

أفراد من مجتمع الهوتريتيين يلعبون مع رغد (على اليسار) وعلي.  © UNHCR/Annie Sakkab

نجوى، التي ترتدي الحجاب والتي شعرت بالقلق عند الوصول إلى بلد جديد لا تعرف عاداته، ارتاحت عندما رأت كفلاءها. وتقول: "عندما رأت لباسهم – التي يحافظ على تراثهم وأصلهم- شعرت بالفرح". ولفت نظرها تمسك الهوتريتيين بتكلم اللغة الألمانية باعتبارها اللغة الأولى وتمكن الأقليات في بلد كبير كهذا من الحفاظ على هويتها وعاداتها. "البلاد لا تغير أحداً. فإذا تغير الشخص، فذلك نابع من داخله".

 

في حين أن بول وواندا وإلين كانوا متحمسين، لم يتقبل جميع مَن في المجتمع الكفالة فوراً. فحتى كايلا، ابنة بول، شعرت بالقلق– فهي لم تفهم السبب الذي دفع بوالدها إلى زعزعة استقرار حياتها اليومية.

"عندما نزلوا السلالم في المطار، بدأت في القفز وشعرت بالحماسة"

لكن وصول العائلة في فصل الشتاء البارد أتاح لها عيش موسم الصيف والخضار كاملاً، وقد دُعيت مراراً إلى الحفلات التي تُجرى حول النار وإلى النزهات على الدراجات. وكانت نجوى تستخدم بانتظام مخزون المجتمع من الخضار، وتطهو مع إلين وواندا. علّمت عائلة موهيلجيك، إلى جانب الهوتريتيين، بصبر كلاً من رياض ونجوى التكلم بالإنكليزية. وبينما كان الأطفال يركضون على العشب ويلعبون، راقبهم بول ورياض وإينيس وهم يحتسون فناجين لا تعدّ من القهوة التركية.

وفي خطاب التخرج الذي ألقته كايلا أمام أعضاء المجتمع بعد أشهر من وصول العائلة، تحدثت عن تجربة غيرت  حياتها وقالت للحاضرين: "لم أتصوّر أبداً أنهم سيشقون طريقهم إلى قلبي بهذه السهولة".

 

هوفير تعيد رغد الحمود إلى المنزل للتدفئة بعد أن لعبت مع أطفال آخرين في مجتمع الهوتريتيين.  © UNHCR/Annie Sakkab

في وقت لاحق، اتخذت العائلة قراراً صعباً بالانتقال من واوانيسا إلى براندون، وهي ثاني أكبر مدينة في المقاطعة، حيث كانت الأعمال والمدارس أقرب. ولكن، على الرغم من بعد المنطقة التي يعيش فيها المجتمع مسافة ساعة ونصف عن المدينة، لم تتوقف الزيارات.

 

وفي الفترة التي سبقت ولادة إبنة نجوى، كان أفراد المجتمع يدللونها ليتأكدوا من أن وضعها جيد. وعندما وصلت الرسالة التي تخبر بولادة الطفلة، تحولت غرفة المستشفى إلى دوامة من الفساتين، وتسارع كفلاء نجوى، الذين أصبحوا أصدقاء مقربين، إلى رؤية المولودة الجديدة.

وبينما كانوا مجتمعين حولها، أعلن الزوجان أنهما قررا أن يسمياها جنّة.

وتقول إلين: "على الرغم من أنه اسم عربي، شعرت أن جزءاً من الاسم ارتبط بنا، نحن عائلتها الكندينة وبحبنا لبعضنا البعض. لقد جمعت العالمين بهذا الاسم".