بيان المبعوثة الخاصة للمفوضية أنجيلينا جولي في لبنان حول الأزمة السورية
دعت المبعوثة الخاصة للمفوضية أنجلينا جولي يوم الثلاثاء حكومات العالم لإظهار القيادة في معالجة الأزمة السورية وأزمات اللجوء العالمية الأوسع نطاقاً.
15 مارس/آذار (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) البقاع، لبنان - دعت المبعوثة الخاصة للمفوضية أنجلينا جولي يوم الثلاثاء حكومات العالم لإظهار القيادة في معالجة الأزمة السورية وأزمات اللجوء العالمية الأوسع نطاقاً، وذلك خلال زيارة إلى وادي البقاع في لبنان بمناسبة حلول الذكرى الخامسة لاندلاع الصراع في سوريا والذي تسبب حتى الآن في حدوث أسوأ أزمة إنسانية في عصرنا الحالي، بعدما أجبر 4.8 مليون سوري على اللجوء إلى الدول المجاورة ونزوح 6.6 مليون شخص داخل البلاد.
وفيما يلي البيان الذي أصدرته السيدة جولي خلال مؤتمر صحفي خارج مخيم غير رسمي للاجئين في الفياضة بسهل البقاع اللبناني يوم أمس الثلاثاء:
صباح الخير، إنه لمن دواعي سروري أن أعود إلى لبنان اليوم، وأود أن أشكر الشعب اللبناني على ما يقدمه من المساعدة لإنقاذ حياة أكثر من مليون سوري؛ فليس سهلاً على دولة أن تستقبل ما يساوي ربع عدد سكانها كلاجئين. وبتحملكم هذه المسؤولية آمل أن تدركوا أيضاً أنكم تعكسون قيم وأخلاق وروح الشعب اللبناني. أنتم تشكلون قدوة للعالم في السخاء والإنسانية والصمود والتضامن.
وأنا أتوجه لكم بالشكر باسم المفوضية وباسمي.
ويجب ألا ننسى أبداً أنه، وعلى الرغم من التركيز على وضع اللاجئين في أوروبا في هذه الفترة، إلا أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تزال ترزح تحت الضغط الأكبر منذ خمسة أعوام؛ فهنالك 4.8 مليون لاجئ سوري في هذه المنطقة و6.5 مليون نازح داخل سوريا.
وفي هذا اليوم الذي تصادف فيه الذكرى الخامسة للصراع السوري، أملت أن أكون في سوريا، أساعد المفوضية في عملية العودة وأرى العائلات التي التقيتها تعود إلى وطنها؛ ولكننا لا نزال بعيدين جداً عن بلوغ هذه المرحلة، وهو أمر مأساوي ومخزٍ.
كل لاجئ سوري التقيته في هذه الزيارة دون استثناء، عبر عن رغبته في العودة إلى بلاده عند انتهاء الحرب وعودة الأمان الذي يسمح له بذلك-لا باستسلام، بل بأمل تعكسه عيون جميع مَن يحلمون في الاتحاد مجدداً بالبلد الذي يحبونه.
ولقد رأيت في هذه الزيارة مدى يأس هذه العائلات في كفاحها للبقاء على قيد الحياة؛ فبعد خمسة أعوام خارج الوطن، نفدت كل مدخراتها. وانتقل الكثيرون ممن استأجروا الشقق في البداية للعيش في مراكز تسوق خالية أو مخيمات غير رسمية وهم يغرقون في دين متزايد.
وفي لبنان حيث تبلغ نسبة النساء والأطفال بين اللاجئين 79%، تضاعف في العامين الأخيرين عدد اللاجئين الذين يعيشون دون المستوى الأدنى الضروري لبقائهم على قيد الحياة والعاجزين عن تحمل تكاليف الطعام والمأوى الذي يحتاجونه للعيش.
وعلينا أن نفهم الوقائع الأساسية التي تؤثر على أزمة اللجوء العالمية والتي ليست نتيجة الحرب في سوريا فقط، بل نتيجة عقود من الصراع أو الاضطهاد المفتوح في ميانمار ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا والصومال وجنوب السودان وأفغانستان واليمن والعراق وسوريا وغيرها.
ويفوق عدد اللاجئين اليوم عددهم في أي وقت منذ الحرب العالمية.
يمر العالم في فترة استثنائية بالغة الصعوبة، يبدو فيها أن نتائج أزمة اللجوء تفوق إرادتنا وقدرتنا وحتى شجاعتنا للاستجابة لها.
في فترات الحرب يذهب الأشخاص النازحون عادةً إلى مناطق أكثر استقراراً أو إلى بلدان مجاورة حيث يجدون ملاذاً أو تتم إعالتهم في مخيمات للاجئين إلى أن يصبح الوضع آمناً لعودتهم. وفي الظروف الاستثنائية، يتم إرسال البعض إلى الخارج لإعادة توطينهم أو ليحصلوا على اللجوء.
ولكن مع بلوغ عدد النازحين واللاجئين اليوم 60 مليون شخص، لا تستطيع حكومات العالم- مهما كانت غنية أو قادرة على المساعدة- بأي وسيلة أن تدعم الأمم المتحدة بشكل كافٍ لرعاية كل هؤلاء الأشخاص بشكل دائم وتتوقّع أن يعالج ذلك المشكلة؛ فنحن غير قادرين على إدارة العالم من خلال مساعدات الإغاثة بدلاً من الحلول الدبلوماسية والسياسية، ولا يمكننا مناقشة هذا الأمر باعتباره مشكلة تقتصر على وضع عشرات آلاف اللاجئين في أوروبا، ولا يمكننا تحسين هذا الواقع من خلال استجابات جزئية أو من خلال الاستجابة لبعض الأزمات دون سواها أو من خلال مساعدة بعض اللاجئين دون سواهم - مثلاً من خلال استبعاد اللاجئين الأفغان بين مجموعات أخرى - أو من خلال التمييز بين اللاجئين على أساس الدين، فالنتيجة ستكون المزيد من الفوضى والمزيد من الظلم وأخيراً المزيد من الصراع والمزيد من اللاجئين.
يتعين علينا التركيز على الأسباب الجذرية المطلقة ويتطلب ذلك قدراً كبيراً من الشجاعة والقيادة. ومن وجهة نظري، فإن القيادة في هذا الوضع تتمثل في عدم الاكتفاء بحماية الحدود أو تقديم المزيد من المساعدة ببساطة، بل إن القيادة تعني اتخاذ قرارات تضمن عدم توجهنا نحو أزمة لاجئين أكبر في المستقبل.
لهذا السبب، ومع أن الاستماع إلى القصص الفردية للاجئين أمر محزن ومثير للغضب، إلا أن الوقت ليس مناسباً للعواطف، بل إنه وقت التفكير بعقلانية وهدوء وتبصر.
وأود أن أوضح بأنني أتفهم مخاوف الأشخاص في مختلف البلدان بشأن وضع اللاجئين، فهم قلقون بشأن تأثير استقبالهم للاجئين في بلدانهم على مجتمعاتهم وسبل كسب عيشهم وأمنهم.
وليس من الخطأ الشعور بالارتباك في مواجهة أزمة بهذا التعقيد وهذا الحجم، ولكن يجب ألا ندع الخوف يتغلّب علينا، وألا نسمح للخوف بالوقوف في طريق استجابة فعالة تصب في مصلحتنا على المدى الطويل.
وأنا أناشد اليوم حكومات العالم إظهار القيادة وتحليل الوضع وفهم ما يمكن لبلدانها القيام به بالضبط وتحديد عدد اللاجئين الذين تستطيع مساعدتهم وكيف، وفي أي مجتمعات وأي مدة زمنية؛ وشرح هذا الأمر لمواطنيها ومعالجة المخاوف مع عدم الارتكاز على العواطف بل على التقييم المنظّم لما يجب القيام به لتقاسم المسؤولية ومعالجة هذا الوضع.
ويبدأ ذلك بوضع إجراءات لجوء متينة للتمكن من الاستماع إلى احتياجات العائلات اليائسة، وتحديد الأشخاص الأكثر ضعفاً والذين يملكون سبباً حقيقياً لطلب اللجوء- إجراءات تدعم المفوضية الحكومات لتنفيذها منذ عقود.
وأناشد جميع الحكومات التمسك باتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين والقانون الأساسي لحقوق الإنسان، لأنه من الضروري والممكن على حد سواء حماية الفارين من الاضطهاد والموت والمواطنين في بلدانهم، ولا مجال للخيارات هنا.
ويعود سبب وضع القوانين والاتفاقيات الدولية الملزمة بالتحديد إلى الميل إلى الابتعاد عنها في أوقات الشدة. وقد أثبت لنا التاريخ الحديث أن ابتعادنا عن القوانين والمبادئ الأساسية، يتسبب لنا بمشاكل أسوأ في المستقبل.
أمضيت بعض الوقت صباح اليوم مع امرأة مقعدة جراء تعرضها لإطلاق نار من بندقية قناص في منطقة محاصرة في سوريا. إنها تستلقي في الغرفة التي تعيش فيها مع عائلتها بأكملها، في مخيم صغير وبارد هنا في سهل البقاع.
خلال حديثنا لم تطلب شيئاً ولم تتوقف عن الابتسام ولم تتكلم عن شيء آخر غير رغبتها في أن يذهب أطفالها إلى المدرسة وأن يتمتعوا بحياة أفضل.
عندما رأيت ابتسامتها الجميلة وزوجها وأطفالها المتفانين في خدمتها، شعرت باحترام كبير لهم؛ فهم أبطال بالنسبة لي، وتساءلت كيف وصلنا إلى وقت يشعر فيه هؤلاء الذي يتمتعون بهذا القدر من القوة بأنهم متسولون؟
يمكننا مساعدة اللاجئين من خلال إيجاد بيئة دولية أكثر أماناً لهم، ومن خلال تحقيق النظام انطلاقاً من الفوضى.
ومن وجهة نظري، إن الأمر يتعلق بفهم القانون واتخاذ الخيار بعدم الخوف وإظهار الإرادة السياسية.
ومن أجل الشعب السوري ومن أجل جميع اللاجئين اليائسين حول العالم الذين يتطلعون إلى المجتمع الدولي لإيجاد الحلول، آمل أن نتمكن من تحقيق ذلك.
وآمل أيضاً أن نعلن السلام في سوريا في 15 مارس/آذار من العام المقبل وأن يكون هذا التاريخ بداية مرحلة العودة ليتمكن اللاجئون من تحقيق رغبتهم في العودة إلى الوطن.
شكراً جزيلاً