تسع سنوات من الصراع تثقل كاهل فتاة سورية لاجئة

تتجاوز نسبة اللاجئين الذين يعيشون تحت خط الفقر حاجز الـ 60% في العديد من البلدان المستضيفة.

صورة للطفلة السورية اللاجئة نعمات في عمّان، الأردن.
© UNHCR/Diego Ibarra Sánchez

في كل صباح من أيام الأسبوع، وبعدما تغادر والدتها المنزل متوجهة لعملها، تباشر نعمات واجباتها اليومية بتغيير حفاضة أخيها الأصغر إبراهيم وتحضير زجاجة من الحليب الصناعي له. بعد ذلك، تعد وجبة إفطار بسيطة من الخبز والزيت والزعتر لتتقاسمها مع شقيقيها الآخرين الأصغر سناً، لتجهز بعدها حقائبهما المدرسية وتمشي معهما قبل الركوب في الحافلة المدرسية بعد أن تركت أخيها الرضيع إبراهيم عند أحد الجيران.


يصادف هذا الأسبوع مرور تسع سنوات على بدء الصراع في سوريا، وهي فترة زمنية تلقي بثقلها على حياة ملايين السوريين العاديين الذين شهدوا خسارة أحبائهم ودمار منازلهم ونزوح أسرهم وتعطل حياتهم. بالنسبة إلى نعمات البالغة من العمر 11 عاماً، وهي لاجئة من مدينة حمص تعيش الآن في الأردن، فقد اضطرتها الحرب لتولى مسؤوليات تفوق عمرها بكثير.

تقول والدة نعمات: "تبلغ نعمات من العمر 11 عاماً فقط، لكنها تعيش حياة امرأة عمرها 30 عاماً".. لترد نعمات قائلة: "كل ذلك بسبب وضعنا. عليّ أن أساعد والديّ وإخوتي. ليس لديهم أي شخص آخر غيري".

في حين تكسب فاطمة 5 دنانير أردنية (7 دولارات أمريكية) عن كل نصف يوم تقضيه في تنظيف المنازل، فإن زوجها محمود غير قادر على العمل أو الاعتناء بأطفالهما بسبب الآثار الجسدية والنفسية التي يعاني منها نتيجة لتعرضه للسجن والتعذيب لمدة ثلاث سنوات في سوريا، بعدما قُبض عليه وهو يغادر مسجد الحي الذي يقطنه في حمص بعد صلاة الجمعة. وقد تسبب ذلك له بالمعاناة من ألم شديد ونوبات من الفزع.

لم تكن فاطمة تعرف شيئاً عن مصير زوجها في عام 2013، وذلك بعد عامين من اعتقاله، لتضطر للفرار من القتال في حمص مع نعمات وشقيقها الأصغر فهد، حيث انتقلت أولاً إلى محافظة درعا جنوب سوريا قبل عبور الحدود إلى الأردن.

"كانت أسوأ ليلة في حياتي"

تستذكر فاطمة قائلة: "لقد مشينا من غروب الشمس حتى شروقها. كانت أسوأ ليلة في حياتي. كان الظلام مخيماً وكنا نسمع صوت الرصاص على بعد مسافة منا. كان الجو بارداً جداً وكان هناك ثلوج ولا توجد وسيلة للتدفئة".

في عمر الرابعة، لا تزال نعمات تذكر حالة الارتباك التي شعرت بها عند وصولها إلى مخيم الزعتري للاجئين في شمال الأردن مع عشرات اللاجئين السوريين الآخرين، حيث تقول: "لقد فوجئت لأنني كنت أعيش في منزل، لنعيش بعد ذلك في خيمة. لقد صدمت حقاً، فقد كنا ننعم دائماً بالدفء وفجأة وجدت نفسي في خيمة باردة".

انتقلت فاطمة مع أطفالها إلى العاصمة الأردنية عمّان. وبعد عام أو نحو ذلك وفجأة، التأم شملها مع زوجها: "كان هناك أحد يطرق على الباب، لأجده [واقفاً هناك] بعدما اعتقدت بأنه قد مات".

اليوم، وبعد مرور سبع سنوات على وصولهم إلى الأردن، ما زالوا بالكاد قادرين على تدبر أمورهم المعيشية. فالشقة المتهالكة والواقعة بالقرب من وسط العاصمة عمّان والتي تستأجرها بمبلغ 100 دينار (140 دولاراً) في الشهر تخلو بالكامل تقريباً من الأثاث، ولا وجود سوى لفراش مترامية على الأرض تستخدم للجلوس والنوم معاً، ونادراً ما يتواجد في المطبخ طعام لأكثر من يوم واحد.

  • فاطمة تحمل ابنها الأصغر، إبراهيم، خارج منزلهما في عمّان، الأردن.
    فاطمة تحمل ابنها الأصغر، إبراهيم، خارج منزلهما في عمّان، الأردن. © UNHCR/Diego Ibarra Sánchez
  • نعمات تعتني بشقيقها إبراهيم في الوقت الذي تعمل فيه والدتهما.
    نعمات تعتني بشقيقها إبراهيم في الوقت الذي تعمل فيه والدتهما. © UNHCR/Diego Ibarra Sánchez
  • نعمات، البالغة من العمر 11 عاماً، تكتب قصيدة على الدرج خارج منزلها.
    نعمات، البالغة من العمر 11 عاماً، تكتب قصيدة على الدرج خارج منزلها. © UNHCR/Diego Ibarra Sánchez
  • بعد الانتهاء من واجباتها الصباحية، تأخذ نعمات (يسار) الحافلة إلى المدرسة.
    بعد الانتهاء من واجباتها الصباحية، تأخذ نعمات (يسار) الحافلة إلى المدرسة. © UNHCR/Diego Ibarra Sánchez
  • نعمات تطعم أخيها الأصغر إبراهيم بواسطة زجاجة من الحليب المجفف.
    نعمات تطعم أخيها الأصغر إبراهيم بواسطة زجاجة من الحليب المجفف. © UNHCR/Diego Ibarra Sánchez
  • نعمات تقفز على الحبل مع بعض أصدقائها في الحي الذي تقطن فيه.
    نعمات تقفز على الحبل مع بعض أصدقائها في الحي الذي تقطن فيه. © UNHCR/Diego Ibarra Sánchez

وبفضل المبلغ الزهيد الذي تكسبه فاطمة، إلى جانب قسائم الطعام التي يقدمها برنامج الغذاء العالمي و 140 ديناراً (197 دولاراً) التي تحصل عليها الأسرة على شكل مساعدات نقدية شهرية من مفوضية اللاجئين، لا يتبقى سوى القليل لتغطية تكاليف الإيجار والطعام ونفقات النقل المدرسي للأطفال.

تلك هي صورة غالبية اللاجئين السوريين المسجلين والبالغ عددهم 5.5 مليون والذين يعيشون في البلدان المضيفة الرئيسية في المنطقة، وهي تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر.

تتجاوز نسبة اللاجئين الذين يعيشون تحت خط الفقر حاجز الـ 60% في العديد من هذه البلدان، في حين أن أكثر من ثلث الأطفال اللاجئين خارج المدرسة. كما فرضت الأزمة التي طال أمدها ضغوطاً كبيرة على موارد المجتمعات المحلية التي تستضيفهم بسخاء.

"لن أستسلم لليأس"

إن الوضع غير المستقر الذي يواجهه ملايين اللاجئين بعد تسع سنوات من الصراع هو ما يتسبب باستمرار وجود حالات الزواج المبكر وعمالة الأطفال، ورؤية أطفال مثل نعمات وهم يضطرون لتولي واجبات منزلية في هذه السن المبكرة.

مع ذلك، وعلى الرغم من المسؤولية الملقاة على عاتقها بسبب وضع أسرتها، وإدراك أن ذلك الوضع ليس بالوضع الطبيعي بالنسبة لطفلة تبلغ من العمر 11 عاماً، فإن تصميم نعمات جعلها تتفوق بصمت في المدرسة وتتميز على بقية التلاميذ في الصف في كثير المواد.

تقول: "أحب التعليم كثيراً، لأنني أشعر أنه سيمنحني مستقبلاً جميلاً. لقد فقدت جزءًا من طفولتي، لكنني وجدت ما تبقى منها في التعليم، وفي بناء مستقبل لنفسي. لم أفقد ذلك بعد، ولن أستسلم لليأس".

"لا تشعر أبداً بأنها منكسرة أو ضعيفة"

إن رؤية العزيمة والتفاؤل اللذين تتمتع بهما نعمات يمنح فاطمة الأمل في أن ابنتها سوف تتغلب في النهاية على الصعوبات الحالية.

تقول فاطمة: "كانت الحياة صعبة للغاية علي وعلى عائلتي، وقد واجهنا العديد من التحديات كالآلام المترتبة على الحرب وألم مغادرة أحبائنا، والوضع المالي وأن نتحول إلى لاجئين - أشياء كثيرة". وتضيف: "لكن لديها شخصية قوية للغاية ولا تشعر أبداً بأنها منكسرة أو ضعيفة".

بعد ظهر ذلك اليوم، بعد أن عادت فاطمة من العمل لتتسلم شؤون الأسرة من ابنتها، خرجت نعمات للعب مع صديقتين في الحي.

وبينما يتناوبن في القفز على الحبل، ويتنافسن مع بعضهن البعض، تختفي الملامح الجادة التي كانت تغطي وجه نعمات لمعظم فترات اليوم، لتستعيض عنهها ولفترة وجيزة بابتسامة بريئة ملؤها الفرح.