في الوقت الذي يقف فيه إبراهيم كويش على أهبة الاستعداد عند خط البداية، حيث يجهّز نفسه ذهنياً لسباق الحواجز الشاق الذي أمامه، يبدو أن عزيمته التنافسية العالية ليست هي الوحيدة التي تدفعه لإنهاء أصعب سباق للتحمل في لبنان، متقدماً على مئات العدائين الآخرين المشاركين.
اضطر إبراهيم، البالغ من العمر 24 عاماً، وهو بطل وطني سابق في سباق الحواجز في مسقط رأسه سوريا، للفرار من النزاع في مدينته دير الزور في عام 2014، ليستقر به الحال كلاجئ في العاصمة اللبنانية بيروت مع زوجته وابنته الصغيرة.
عندما يخوض المنافسات، يعتبر كل سباق فرصة لاستعراض موهبته وإثبات أن اللاجئين بإمكانهم تحقيق ما يطمحون إليه.
يقول ابراهيم: "هذا السباق مهم بالنسبة لي، لأنه يجعلني وكل لاجئ سوري آخر في لبنان مرئياً، وهو يثبت بأننا لسنا على الهامش وأنه يمكننا أن نضع بصماتنا".
"كوننا لاجئين لا يجعلنا أشخاصاً غير مرئيين"
عندما وصل إلى بيروت لأول مرة، لم يكن الجري من أولويات ابراهيم حيث تعين عليه التركيز من أجل البحث عن عمل يعيل فيه أسرته. لكن تشجيعاً من زميل لبناني له في شركة للإنشاءات كان يعمل فيها، أعادت ابراهيم لحلبات السباق، وسرعان ما بدأ يحصد الميداليات.
في عام 2017، احتل إبراهيم المركز الأول في سباق هنيبعل اللبناني – وهو مضمار مرهق يغلب عليه الطين وبطول ستة كيلومترات، حيث يركض فيه المتنافسون ويصعدون ويسبحون ويزحفون عبر مختلف الحواجز إلى خط النهاية. في نفس العام، احتل المركز الثاني في مجموعته العمرية في ماراثون بيروت، وجاء في المرتبة الثالثة في فئته في نفس السباق عام 2018.
نتائجه مثيرة للإعجاب بكل المقاييس، ولكن على وجه الخصوص نظراً لحقيقة أنه يعيش في واحد من أفقر أحياء المدينة. رغم ذلك، يحافظ ابراهيم على مستوى استثنائي من اللياقة البدنية رغم الأجهزة البدائية التي يتدرب عليها.
في أحدث سباقات هنيبعل، والذي جرى نهاية العام الماضي في مدينة جبيل التاريخية والواقعة على بعد حوالي 40 كم شمال العاصمة بيروت، جاء في المرتبة الثانية على الرغم من تقدمه في معظم مراحل السباق. وقد تغلب على خيبة أمله لدى معرفته بأن الفائز النهائي كان لاجئاً سورياً.
وقال ابراهيم بعد عبوره خط النهاية، وهو يلهث محاولاً التقاط أنفاسه فيما آثار الطين والعرق واضحة على جسده: "أنا سعيد جداً. كان من الممكن أن احتل المركز الأول لكن السباق كان صعباً جداً".
يتطلع إبراهيم بعد السباق للعودة إلى شقته المتواضعة في بيروت وأن يري كأس الوصيف لأكبر المعجبين به - ابنته أمامة – وهي طقوس باتت مألوفة الآن: "عندما أعود للمنزل، أخفي الكأس خلف ظهري وأنادي أمامة. وعندما تراه يغلب عليها الحماس وتمسكه عالياً وتعانقه طوال اليوم".
وعلى الرغم من انتهاء السباق للتو، فإن إبراهيم يتطلع إلى الأمام ويفكر في أهدافه المستقبلية، حيث يطمح للمنافسة في بطولة العالم لسباقات الحواجز، قبل أن يعود يوماً ما إلى سوريا ويروج لهذه الرياضة هناك.
وختم ابراهيم قائلاً: "كوننا لاجئين لا يجعلنا أشخاصاً غير مرئيين. نحن هنا ولدينا أحلام".