إيجاز المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة
سيدي الرئيس،
أعضاء مجلس الأمن،
عبد الله هو أب لثمانية أطفال من بوثيدونغ الواقعة شمال ولاية راخين في ميانمار.
ومع فراره إلى بنغلاديش في سبتمبر الماضي، أصبح لاجئاً للمرة الثالثة.
كانت المرة الأولى عام 1978 عندما أتى إلى بنغلاديش كفتى صغير، والثانية عام 1991 حيث بقي لثلاثة أعوام، عاد بعدها إلى ميانمار في إطار عملية عودة طوعية منظمة وكان يتوق لاستعادة بيته وأرضه.
لدى عودتهم، بدأ مع أفراد عائلته يعيدون بناء حياتهم. كانوا يملكون 7 بقرات ويستطيعون كسب معيشتهم. ولكنه يقول بأنه، بعد عامين من عودته بدأ "يفقد الأمل"؛ فالعمل القسري ومصادرة المحاصيل والمواشي والقيود الدائمة والمتزايدة على حرية التنقل وعلى الحق في العبادة والوصول إلى سبل كسب العيش، أمور صعبت حياتهم.
العام الماضي، تعرضت قريته لهجوم وتم إحراق المنازل وقتل أشخاص من مجتمعه وبينهم ابن أخيه. وبينما كان يختبئ في مكان قريب، رأى منزله يُحرق ولم يكن لديه خيار آخر سوى الفرار مجدداً. وهو يعيش الآن مرة أخرى في مأوىً متداعٍ في تجمع كوتوبالوغ للاجئين مع عائلته، وقد فقد الأمل كلياً بالتمكن من بناء حياة آمنة ومستقرة. وقال مؤخراً: "كان قراري بالعودة خاطئاً، لذا، نحن نعاني اليوم".
سيدي الرئيس،
كما سمعنا، لقد مرت ستة أشهر تقريباً على بدء التدفق الحالي السريع والفوضوي لأكثر من 688,000 لاجئ من ميانمار إلى بنغلاديش، بسبب العنف والدمار، بعد عقود من القمع والتهميش.
تراجعت كثيراً وتيرة هذه الحركة الآن ولكنها لا تزال مستمرة. وقد وصل خلال هذا الشهر حوالي 1,500 لاجئ من الروهينغا إلى بنغلاديش.
وتستمر الحكومة والشعب البنغلاديشي في استقبال اللاجئين وتأمين الحماية والدعم لهم، وهم يستحقون الثناء لذلك. ومع استمرار التقارير عن انعدام الأمن، من الضروري إبقاء الحدود مفتوحة والسماح بوصول الأشخاص الذين لا يزالون يفرون إلى بر الأمان.
وقد نفذت الحكومة إلى جانب منظمات وطنية ومحلية متمتعة بمؤهلات رفيعة ووكالات من الأمم المتحدة ووكالات إنسانية أخرى، بدعم كبير من الجهات المانحة، استجابة ملفتة. ولكن لا يزال الأشخاص يعيشون في أماكن مكتظة وسيئة بالنسبة للكثيرين، ومن بينهم أفراد المجتمعات المستضيفة. لقد تمت مواجهة نفشي الأمراض، ومن بينها الدفتيريا، بإجراءات صارمة ولكن الخطر لا يزال كبيراً.
نحن الآن في سباق مع الزمن، في ظل بدء حالة طارئة جديدة وكبيرة. سيبدأ موسم الأمطار في مارس. ونقدر بأن يكون أكثر من 100,000 لاجئ يعيشون في مناطق معرضة للفيضان وانزلاق التربة. ويتعين نقل عشرات آلاف اللاجئين الضعفاء بشكل خاص إلى أماكن أخرى بصورة طارئة لأن حياتهم في خطر كبير. يتعين تقوية أسس المآوي القائمة وبناء الجسور وتقويتها وإيجاد أراضٍ جديدة وتحضيرها. تقود الحكومة جهوداً استعدادية هائلة لحالة الطوارئ ولكن يتعين، سيدي الرئيس، تكثيف الدعم الدولي لتفادي كارثة.
تُعتبر منطقة كوتوبالونغ في كوكس بازار الآن أكبر تجمع للاجئين في العالم ولها طابعها الخاص واقتصادها وبناها الاجتماعية الناشئة.
لقد سبق أن قلت مراراً بأن حل هذه الأزمة يعني إيجاد الحلول داخل ميانمار. ولكن، وبينما يتم البحث عن حلول مناسبة، تحتاج بنغلاديش إلى دعم هائل. يتعين متابعة النشاط الإنساني وتقديم التمويل ولكن يتعين أيضاً توفير الدعم على المدى الطويل لمساعدة الحكومة على تقوية البنية التحتية المحلية والاقتصاد وعلى ضمان الحصول على الفرص للاجئين والمجتمعات المستضيفة لهم.
وسيكون التعليم وفرص تطوير المهارات وكسب الدخل من الأمور الضرورية لتفادي اليأس العميق الذي يشعر به اللاجئون عند تركهم على هامش المجتمعات. يتعين علينا أن نضمن تمتع الشباب برؤية للمستقبل وتهيئة الأمور لعودة طوعية محتملة.
أما عدم القيام بذلك، سيدي الرئيس، فسيؤدي دون شك إلى الخيبة والتطرف ويعرض اللاجئين أيضاً لمخاطر على صعيد الحماية، بما في ذلك العنف الجنسي والقائم على نوع الجنس والإتجار وأنواع أخرى من الإيذاء والاستغلال.
ولكن جذور هذه الأزمة تكمن في ميانمار. ويتعين أخيراً البدء ببحث حقيقي عن حلول. إعادة الحقوق هي أساس كل ذلك، بما يشمل حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم طوعاً وفي ظروف آمنة وكريمة.
دعوني أوضح. ليست الظروف ملائمة بعد للعودة الطوعية للاجئين الروهينغا، ولم تتم بعد معالجة أسباب فرارهم. ويتعين إحراز تقدم كبير في معالجة استثنائهم وحرمانهم من الحقوق اللذين تفاقما في العقود الماضية بسبب افتقارهم إلى الجنسية.
ولكن حفظ حق العودة ومتابعة توفير الظروف التي تتيح ممارسته يجب أن يكونا من أهم الأولويات. لهذا السبب، أرحب بالحوار بين حكومة بنغلاديش وحكومة اتحاد ميانمار حول العودة الطوعية للاجئين وبالالتزام بالمعايير الدولية الخاصة بالعودة الطوعية والآمنة والكريمة التي ينص عليها هذا الترتيب المتفق عليه بينهما في نوفمبر 2017.
بحسب ولايتي التي تنص على دعم الحكومات في توفير الحلول للاجئين، عرضت المفوضية دعم الحكومتين، بما في ذلك من خلال المشاركة في مجموعة العمل المشتركة التي أُنشئت لتنفيذها. ويجب أن يتم تحديد إطار العودة في اتفاقية ثلاثية الأطراف بين الحكومتين والمفوضية. ولا يزال عرضنا للدعم مفتوحاً.
ويجب ألا يتم المزج بين إنشاء البنية التحتية لدعم لوجستيات العودة وتأمين الظروف المؤدية إلى العودة الطوعية. ويُعتبر وضع حد لأعمال العنف وتدمير الممتلكات، وإتاحة الوصول الإنساني في ولاية راخين، كما يدعو إليه الأمين العام، خطوتين ضروريتين وأساسيتين.
لا يزال الوصول الإنساني كما سمعتم مقيداً إلى حد كبير. فلم يُتح للمفوضية الوصول إلى المناطق المتضررة في شمال ولاية راخين، ما بعد بلدة مونغداو، منذ أغسطس 2017، كما أُعيق أيضاً وصولنا في وسط راخين. ويُعتبر وجود المفوضية وإمكانية وصولها إلى الولاية أساسيين لمراقبة ظروف الحماية وتوفير المعلومات المستقلة للاجئين ومرافقة حركات العودة عند حدوثها. ويتعين أن يتمكن اللاجئون من العودة إلى المكان الذي يختارونه، بما في ذلك المكان الذي كانوا يعيشون فيه سابقاً. ويجب تفادي الترتيبات "المؤقتة"؛ فكما رأينا في ميانمار وغيرها، فهي تميل إلى السريان لوقت أطول بكثير من المخطط له، وإلى اتخاذ طبيعة دائمة.
وتُعتبر توصيات اللجنة الاستشارية المعنية بولاية راخين مهمة لمستقبل سلمي وشامل، وبالتالي للعودة المستدامة للاجئين. وأنا أؤيد تماماً النهج ذي المسلكين الذي يشمله التقرير: يركز الأول على الحصول على الجنسية وإعادة الحقوق للروهينغا، بما في ذلك حرية التنقل والوصول إلى التعليم والخدمات الأساسية وسبل كسب العيش؛ أما الثاني، فيركز على التنمية الشاملة الهادفة إلى تحسين الظروف لجميع المجتمعات في ولاية راخين وعلى تعزيز التعايش السلمي.
واللاجئون هم من يحددون توقيت العودة ووتيرتها؛ فمن الضروري بناء ثقتهم. ويشكل تنفيذ توصيات اللجنة الاستشارية المتعلقة بوسط راخين خطوة أولى ملموسة. هناك، ثمة حوالي 120,000 نازح داخلياً غالبيتهم من الروهينغا الذين أُجبروا على مغادرة منازلهم بسبب العنف الطائفي، وهم يعيشون في المخيمات المغلقة للعام السادس. ويُعتبر منحهم حرية التنقل والسماح لهم بالعودة إلى منازلهم والمصادقة السريعة على جنسيتهم، إشارة قوية للاجئين في بنغلاديش على أن ميانمار ملتزمة حقاً بمسؤولية حمايتهم ورفاههم وبإيجاد حلول دائمة.
كما في الماضي، فإن المفوضية مستعدة للعمل مع الحكومة في هذه الجهود، من خلال توفير المشورة الفنية والدعم في إيجاد الحلول للنازحين داخلياً، والعودة الطوعية، وحل انعدام الجنسية.
سيدي الرئيس،
تتطلب معالجة الأسباب الجذرية للعنف المروع والتمييز الشامل الذي تسبب بإجبار مئات الآلاف على مغادرة منازلهم مراراً طوال عقود، وتوفير الحلول للأزمة الراهنة، دعماً كبيراً لكل من ميانمار وبنغلاديش.
وستدعو الحاجة إلى التزام سياسي وإلى الخبرة الفنية والموارد المالية الدولية على جانبي الحدود، بما في ذلك من أجل الأنشطة الإنسانية والإنمائية المستهدفة. ويجب أن تلعب ترتيبات التجارة التفضيلية وسبل العمل والهجرة والتمويل الابتكاري والشراكات الوطنية المعززة والتعاون الإقليمي الموسع، دوراً أساسياً أيضاً.
في حال نجح التوصل إلى الحلول، فإن تلك الأخيرة قادرة على توليد عائدات هائلة في المنطقة الأوسع نطاقاً، مما يساعد على تفادي التطرف وتعزيز الاستقرار وتحفيز التنمية الاقتصادية.
وعلى الرغم من كل ما مروا به، سيدي الرئيس، لا يزال عبدالله وعائلته متمسكين برؤية مستقبلية في ميانمار. يقولون: "نريد أن نعود ولكننا نريد أن ترافقنا الأمم المتحدة... نريد الذهاب إلى قريتنا، إلى المكان نفسه، نريد أغراضنا وأرضنا. نريد حقنا بالتنقل بحرية مثل المواطنين الآخرين."
سيدي الرئيس، يتعين مراعاة هذه الدعوة. لقد حان الوقت لوضع حد لدورة العنف والنزوح وانعدام الجنسية المتكررة والمدمرة هذه، من أجل الاستثمار في تدابير ملموسة ومهمة لتخطي الاستثناء الشديد الذي عاناه عبدالله وباقي أفراد مجتمع الروهينغا منذ وقت طويل جداً. إنها مسؤولية حكومة اتحاد ميانمار ولكن الالتزام والدعم الدوليين أساسيان لتحقيق ذلك.