حوار في جنيف يبحث عن الدروس بين الأزمات السابقة للاجئين
في حوار بشأن تقاسم المسؤولية تجاه اللاجئين، يتأمّل أصحاب المصلحة في الاستجابة للأزمات السابقة في كوسوفو* وغواتيمالا وفيتنام.
جنيف - جاءت القوات شبه المسلّحة إلى منزل إيمين فوكا في كوسوفو* مساء أحد أيام الربيع وأعطت والده إنذاراً صارماً بضرورة مغادرة المنزل.
يتذكّر فوكا الذي كان حينذاك في العاشرة من عمره، ويدرس في المدرسة الابتدائية في مسقط رأسه في ميتروفيتسا، و"قالوا له: "يجب أن تغادروا غداً صباحاً؛ وإلا فسوف نقتلكم". شعرنا بالذعر".
استقل أفراد العائلة حافلة مكتظة بالركاب، ووجدوا أنفسهم بين مئات المدنيين الفارين سيراً على الأقدام أو في السيارات والشاحنات، باتجاه الحدود الجنوبية في محاولة يائسة للهروب من النزاع في كوسوفو* في أبريل 1999.
وبعد مواجهات حادة في إحدى البلدات الحدودية، سُمح لفوكا ووالدَيْه وشقيقته بالعبور إلى جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة، حيث أمضوا شهراً في مخيم ستينكوفيتش الثاني، الذي يبعد عدة كيلومترات عن سكوبيه.
أُرسل فوكا وعائلته بعد ذلك إلى إيطاليا في إطار ما يسمّى ببرنامج الإجلاء الإنساني. وقد تضامن المجتمع الدولي من خلال هذا البرنامج لتقاسم المسؤولية في رعاية عشرات الآلاف من الكوسوفيين الذين لجأوا إلى جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة التي وافقت على قبول اللاجئين على أساس أن يتم إجلاء البعض منهم إلى بلدان ثالثة.
ويقول فوكا الذي يبلغ من العمر الآن 28 عاماً عن فترة الراحة التي تلقتها العائلة في كوميزو، صقلية: "أعطونا الملابس والطعام والأهمّ من كلّ ذلك أنّنا كنا في أمان. كانت عائلتي ممتّنةً جداً للمجتمع الدولي نتيجة ذلك".
نقل برنامج الإجلاء الإنساني حوالي 96,000 مواطن كوسوفي إلى 29 بلداً حول العالم لضمان سلامتهم. وهو أحد الأمثلة عن تقاسم المسؤولية في الماضي والتي يجري تناولها في مؤتمر يُعقد في جنيف يوم الإثنين (10 يوليو).
يُذكر أنّ الاجتماع الذى يستمر يوماً واحداً ويجمع مسؤولين حكوميين ومنظمات دولية ومنظمات غير حكومية وأكاديميين وخبراء آخرين، هو الأوّل من بين خمس مناقشات مواضيعية سيجري عقدها، في إطار العملية التي تقودها المفوضية بهدف وضع ميثاق عالمي بشأن اللاجئين.
وقد أوكلت الجمعية العامة للأمم المتحدة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بهذه المهمة في إعلان نيويورك التاريخي للاجئين والمهاجرين.
وقال فولكر تورك، مساعد المفوض السامي لشؤون الحماية: "في الوقت الذي نشهد فيه حركات نزوح قياسية، من المفيد أن نتذكر تلك المناسبات في الماضي غير البعيد التي كان المجتمع الدولي يجتمع فيها ويعثر على حلول لإنقاذ حياة الأفراد في أوضاع اللجوء التي تبدو مستعصيةً على الحل. لقد فعلنا ذلك من قبل، ويمكننا أن نفعل الأمر نفسه الآن".
العودة السلمية إلى الوطن في أميركا الوسطى
يُعدّ برنامج الإجلاء الإنساني واحداً من بين عدة أمثلة على هذا التعاون. ففي أميركا الوسطى، سمح اتّفاق عُقد في أواخر ثمانينيات القرن العشرين لمئات آلاف المهجّرين بسبب النزاعات المتشابكة في السلفادور ونيكاراغوا وغواتيمالا بالعثور على حلول طويلة الأجل.
وقد ساعد البرنامج البعض على الاندماج في البلدان التي لجأوا إليها، كما ساعد على إعادة توطين البعض الآخر في بلدان ثالثة، وعلى عودة 134,000 شخص إلى بلدانهم الأصل - ومن بينهم امرأة من جماعة المايا تدعى يولاليا إيلينا سيلفستر هيرنانديز.
في ذروة الحرب الأهلية الشرسة في غواتيمالا في عام 1982، فرّت سيلفستر، التي كانت في السابعة من عمرها حينذاك، من أحد المجتمعات الريفية في شمال شرق غواتيمالا بعد أن رشّ الجنود الوقود على المنازل المحلية وأحرقوها ليلاً. ولم ينجُ سوى طفل واحد وشخصين بالغين فقط من إحدى الأسر.
أمضت سيلفستر وعائلتها الأعوام الـ 13 التالية في المكسيك دون أن يصابوا بأي أذى ولكنّهم كانوا يشعرون بالخوف على حياتهم. غير أن الدعم الذي قدّمه المؤتمر العالمي المعني باللاجئين من أميركا الوسطى سمح لهم بالعودة إلى غواتيمالا في عام 1995.
وقالت سيلفستر وهي ناشطة مجتمعية في بيتين تبلغ من العمر 45 عاماً وقد تمكّنت من استئناف عملها في الزراعة: "سمح لنا بتنظيم أنفسنا للعودة بتحقيق بعض الإنجازات. أصبح لدينا قطعة أرض صغيرة. أعتقد أنّ غالبية النساء، أقلّه في عائلتنا، يملكنَ قطعاً صغيرةً من الأرض".
وقد سلّط المؤتمر العالمي المعني باللاجئين من أميركا الوسطى الضوء على الرابط القوي بين السلام والتنمية من خلال دعم مشاريع البنية التحتية الكبيرة والمشاريع الصغيرة للتنمية المجتمعية مع المساعدة على بناء الثقة بين اللاجئين المستعدّين للعودة إلى أوطانهم.
دعم حماية للاجئين الفيتناميين
وفي الجانب الآخر من العالم، في جنوب شرق آسيا، كانت الجهود التعاونية المماثلة لإدارة الارتفاع في عدد الوافدين على متن القوارب من الهند الصينية في أواخر ثمانينيات القرن العشرين خطوةً أساسيةً لمعالجة طريق مسدود هدّد حياة الآلاف.
فبعد أن واجهت الحكومات في المنطقة ارتفاعاً كبيراً في عدد الوافدين وتزايداً في إحجام الحكومات الغربية عن الحفاظ على فرص إعادة التوطين، هدّدت بصد الوافدين. واستجابةً للوضع، تم التوقيع في عام 1989 على خطة العمل الشاملة المتعددة الأطراف التي تجمع الالتزامات التي تعهّدت بها بلدان المنشأ واللجوء وإعادة التوطين.
شملت الخطة برنامجاً لتوفير سبل آمنة ومنظمة لمغادرة الأفراد بصورة قانونية وضمان الحماية المؤقتة للوافدين الجدد إلى جنوب شرق آسيا وإعادة توطين اللاجئين في بلدان ثالثة. وقد قُدّمت المساعدة للأشخاص الذين تبيّن أنّهم غير لاجئين وذلك من خلال المشورة والمساعدة الاقتصادية لإعادة إدماجهم في بلدانهم الأصل.
كان المهندس المعماري ثان دانغ المُدرّب في مدينة سايغون من بين 63 شخصاً صعدوا على متن قارب مكتظ لمغادرة فيتنام في يونيو 1989. وبعد أسبوع في البحر، وصل القارب المكتظ إلى إندونيسيا حيث انتهى المطاف بدانغ في مخيم غالانغ للاجئين. وبموجب خطة العمل الشاملة، تم "التدقيق في وضعه" كلاجئ ومن ثم أعيد توطينه في الولايات المتحدة، حيث أصبح مصمماً معمارياً يعمل على تصميم المدارس والمرافق الطبية في أتلانتا، جورجيا.
وبالنظر إلى الحياة التي منحه إياها البرنامج، فإنه يناشد بشدة المجتمع الدولي والمواطنين العاديين الذين يتصدون لأزمات اللجوء المتعددة الراهنة، ويقول: "ضعوا أنفسكم مكان اللاجئين. هم أشخاص عاديون. لا أعتقد أنّ أي شخص يرغب في أن يُهجّر ويواجه مستقبلاً غامضاً إذا لم يكن مضطراً لذلك. إذا منحتم اللاجئين الفرصة لإعادة بناء حياتهم، سيساهمون في المجتمع الذي يعيشون فيه. لا تخافوا منهم رجاءً بل رحبّوا بهم".
أعدّ التقارير شبند هاليلي في كوسوفو *، ولوكريسيا مازا في غواتيمالا، وأريان رومري في جنيف
* قرار مجلس الأمن 1244 (1999)