نصف الفنزويليين يواجهون مخاطر كبيرة خلال رحلتهم إلى بر الأمان

خلصت دراسة أجرتها المفوضية إلى أن نصف الفنزويليين الذين فروا معرضون للخطر بسبب عمرهم أو مشكلاتهم الصحية أو الخيارات التي يتعين عليهم اتخاذها للبقاء على قيد الحياة.

دومينغو، 72 عاماً، أمين مكتبة جامعية سابق من فنزويلا، يقف خارج مأوى مؤقت له بالقرب من منطقة لا غواخيرا الشمالية في كولومبيا.
© UNHCR/Olga Sarrado Mur

تسبب انقطاع التيار الكهربائي المتكرر في مدينة ماراكايبو الفنزويلية بخسائر فادحة لجميع السكان، وبشكل خاص بالنسبة لأدريانا، وهي امرأة تبلغ من العمر 24 عاماً وتعاني من ضعف إدراكي حيث توقف نموها العقلي في سن السادسة تقريباً.


ومن دون كهرباء، لم تعد والدتها كارولينا* قادرة على إسماع أدريانا الموسيقى أو البرامج التلفزيونية التي طالما اعتمدت عليها لتهدئتها.

كانت كارولينا من الناشطات في المعارضة، ومع تدهور الوضع في ماراكايبو، حيث أصبح انقطاع التيار الكهربائي أكثر تواتراً وأطول من قبل، حُرمت الأسرة من الحصول على الخدمات الأساسية انتقاماً من نشاطها السياسي.

ومع انقطاع الماء وخدمة التلفزيون والموسيقى، بدأت أدريانا تتأثر وراحت تمزق شعرها وتؤذي نفسها. بالنظر إلى الحالة المتدهورة لأدريانا، فضلاً عن القمع اليومي الذي كانوا يواجهونه بسبب مواقفهم السياسية، لم تر الأسرة خياراً آخر سوى المغادرة.

تقول كارولينا: "لقد كانوا دائماً يضعون العقبات ولم نحتمل رؤية ابنتنا في مثل هذا الوضع المزري".

"لقد كانوا دائماً يضعون العقبات ولم نحتمل رؤية ابنتنا في مثل هذا الوضع المزري"

فرت العائلة من فنزويلا بحثاً عن الأمان في الإكوادور.

تعتبر قصص كقصة أدريانا وكارولينا شائعة بين أربعة ملايين فنزويلي ممن ينشدون الأمان خارج بلدهم الأصلي. وقد أظهر تقرير جديد لرصد الحماية أصدرته المفوضية بأن أكثر من 50% من اللاجئين والمهاجرين الفنزويليين الذين تمت مقابلتهم يواجهون مخاطر حادة ومحددة خلال رحلتهم.

إن العمر أو نوع الجنس أو الصحة أو غيرها من الاحتياجات تدفع نصف الفنزويليين، مثل أدريانا، للفرار وهم عرضة للخطر بشكل خاص ويحتاجون إلى الحماية والدعم بشكل عاجل. وقد اضطر آخرون للجوء إلى ممارسات عالية الخطورة للتغلب عليها أثناء رحلتهم، كالدعارة أو التسول أو إرسال أطفالهم دون السن القانونية للعمل.

كان هذا هو الحال بالنسبة لسجاري* وهي متحولة جنسياً وتبلغ من العمر 20 عاماً. غادرت فنزويلا متجهة إلى البرازيل بحثاً عن أدوية لأمها المريضة. وقد أدت رحلة الوصول إلى البرازيل إلى نفاد معظم أموال سجاري، ومع عدم وجود أحد تعتمد عليه، كانت تعاني من ضغوط شديدة في البحث عن مكان تعيش فيه - ناهيك عن مصاريف الطعام أو علاج والدتها، لتجد نفسها في مواجهة خيار فظيع.

تتذكر سجاري، والتي عبرت الحدود إلى ولاية رورايما البرازيلية في فبراير 2018، قائلة: "لم أكن أعرف ما يجب القيام به، وقد طرح أحد الأصدقاء علي إمكانية ممارسة الجنس كوسيلة للبقاء على قيد الحياة. لم أفعل ذلك من قبل، لكنني فكرت بأنه إذا لم أفعل ذلك، فلن أكون قادرة على تناول الطعام وكان علي أن أنام في الشوارع".

  • تبحث أدريانا، وهي من فنزويلا ومصاب بإعاقة إدراكية، عن الأمان في الإكوادور.
    تبحث أدريانا، وهي من فنزويلا ومصاب بإعاقة إدراكية، عن الأمان في الإكوادور. © UNHCR / Jaime Giménez Sánchez de la Blanca
  • أدريانا - الثالثة من اليمين، باللون الأرجواني - تأخذ دروساً في الرقص في الإكوادور حيث أنها من بين الفنزويليين الباحثين عن الأمان.
    أدريانا - الثالثة من اليمين، باللون الأرجواني - تأخذ دروساً في الرقص في الإكوادور حيث أنها من بين الفنزويليين الباحثين عن الأمان. © UNHCR / Jaime Giménez Sánchez de la Blanca
  • الفنزويلية سجاري في البرازيل بعدما وصلت إلى بر الأمان.
    الفنزويلية سجاري في البرازيل بعدما وصلت إلى بر الأمان. © UNHCR / Dieter Deswarte

لم تستطع التعامل مع العمل واستسلمت بسرعة، لتجد نفسها نائمة على قطعة من الورق المقوى في إحدى ساحات بوا فيستا، عاصمة رورايما. وقالت: "كنت آكل مرة واحدة في اليوم فقط".

في هذه الأثناء، كان دومينغو في الـ 72 من العمر عندما وصل لوحده إلى مايكاو في كولومبيا. وقد أمضى أمين المكتبة السابق 25 عاماً في العمل لدى أحد أفضل الجامعات في فنزويلا. اضطر للانتظار لأسابيع منذ وصوله حتى يتمكن من تناول وجبة مناسبة رافضاً التخلي عن معركته من أجل البقاء على قيد الحياة.

وقال: "أشعر غالباً بأني عديم الجدوى. أشعر أنه لا يزال بإمكاني أن أكون منتجاً، لكنني وحيد هنا ولا أمتلك شيئاً ولا أحد يريد توظيف أو تأجير منزل لشخص من عمري".

وقالت ريناتا دوبيني، مديرة إدارة الأمريكيتين في المفوضية: "يعتبر الوصول إلى سبل العمل والإقامة والتوثيق بعضاً من الاحتياجات ذات الأولوية للاجئين والمهاجرين من فنزويلا، كما يشير تقرير رصد الحماية".

وأضافت: "يوضح التقرير مدى صعوبة وصول اللاجئين والمهاجرين الفنزويليين إلى حقوقهم الأساسية. وعلى الرغم من تضامن وجهود البلدان المضيفة الرئيسية في المنطقة، فإن زيادة الدعم من المجتمع الدولي هي وحدها التي يمكن أن تؤدي إلى استجابة معززة لتلبية الاحتياجات المحددة للفئات الأشد ضعفاً على نحو أفضل".

وفي حين أبدت البلدان المضيفة سخاءًا في فتح أبوابها أمام اللاجئين والمهاجرين من فنزويلا، إلا أنها لا تتمتع دائماً بالقدرة على تقديم المساعدة التي تشتد الحاجة إليها، وخاصةً لذوي الاحتياجات المحددة، مثل دومينغو وأدريانا. كما عملت الدول المضيفة جاهدة لضمان عدم اضطرار الفنزويليين للجوء إلى خيارات شديدة الخطورة، مثل سجاري.

"لا أمتلك شيئاً ولا أحد يريد توظيف أو تأجير منزل لشخص من عمري"

بعد أسبوع من النوم في شوارع بوافيستا، تم الاتصال بسجاري من قبل مسؤول في المفوضية والذي وجد لها مكاناً مؤقتاً تعيش فيه. وبعد ثلاثة أشهر، شاركت في برنامج تقوده الحكومة البرازيلية وبدعم من مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وغيرها من وكالات الأمم المتحدة، والتي تنقل الفنزويليين في بوافيستا إلى مدن برازيلية أخرى لديها فرص عمل وتكامل أفضل.

وفي الإكوادور، تتمتع أدريانا بإمكانية الوصول إلى البرامج التلفزيونية والموسيقى التي تحتاجها للاسترخاء. لم تعد تؤذي نفسها، وبدأ شعرها ينمو مرة أخرى. التحقت أيضاً في حصص أسبوعية للرقص مما ساعدها في العثور على الطمأنينة التي تحتاجها. ومع ذلك، لم تجد عائلتها بعد مدرسة يمكن أن تتلقى فيها الدعم المتخصص الذي تحتاجه.

أما دومينغو فهو في مأوى مؤقت بالقرب من منطقة لاغواخيرا بشمال كولومبيا، حيث يستجمع قواه ويفكر في خطواته التالية.

تدعم المفوضية الجهود التي تبذلها بلدان أمريكا اللاتينية لتنسيق سياساتها وممارساتها، والاستجابة الإنسانية وتحسين فرص حصول اللاجئين والمهاجرين الفنزويليين على الخدمات والحقوق.

ويستند تقرير رصد الحماية إلى دراسة استقصائية لحوالي 8,000 عائلة فنزويلية فرت من منازلها، وتم إجراؤه في ثماني دول في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بين يناير ويونيو 2019.

وبالإضافة إلى توفير البيانات الهامة حول هذه الفئة السكانية واحتياجاتها، فقد أسفرت الدراسة الاستقصائية حتى الآن عن إجراءات ملموسة، مع إحالة أكثر من 1,500 مشارك للحصول على المشورة أو الخدمات نتيجة لذلك.

شارك في كتابة القصة إيلاريا رابيدو في كيتو، الإكوادور وفيكتوريا هوغيني في ماناوس بالبرازيل.

* تم إزالة أسماء العائلة لأسباب تتعلق بالحماية.