الحصول على الجنسية يحيي الأمل بالمستقبل لدى مربٍّ للنحل في قيرغيزستان

حلم عبد الصمد ساباروف باحتراف تربية النحل لأكثر من 20 عاماً، لكن حلمه كان يبدو مستحيلاً دون شهادة ميلاد وجواز سفر


© 

فيما يتمايل العشب مع النسيم، وتواصل المواشي رحلتها على طول الطريق الترابية، ومع انبعاث نفحة من الدخان الرمادي، يرفع عبد الصمد غطاء أول خلايا النحل الـ38 التي يملكها، وتعلو وجهه ابتسامة ملؤها الرضى بما حققه من تقدم.


قبل ثلاثة أشهرٍ فقط، اشترى عبد الصمد أول دفعة من هذه الخلايا، وفي كلٍ منها 4,000 نحلة، وها هو حلمه يتحقق برؤيتها تزدهر وتنمو، وقد أصبح عدد النحلات في كلٍ خلية يناهز الـ10,000 نحلة.

ترصع هذه الخلايا الخشبية المطلية بعناية قطعةً من الأرض محاطة بالأكواخ التقليدية وقطعان الماشية، عند سفوح جبال قيرغيزستان الجنوبية.

يقول عبد الصمد: "كنت أحلم بأن أصبح مربي نحل... أحب حرفة العناية بالنحل، وأحب أيضاً نتيجة هذا العمل؛ وهي العسل".

"كنت أعلم أنه يحلم بتأسيس مزرعة للنحل"

بينما تبدو حياة عبد الصمد – 54 سنة - الآن هادئةً ومفعمةً بسحر الطبيعة وسكينتها، كانت حياته قبل ذلك درباً شاقاً محفوفاً بالصعاب والتحديات.

ولد عبد الصمد في أوزبكستان التي كانت آنذاك تابعةً للاتحاد السوفييتي، وتزوج في عام 1987، وعبَر الحدود إلى قيرغيزستان؛ موطن زوجته، وهي مكانٌ يصفه بأنه "مميز"، ويضيف: "تعتبر البيئة (في قيرغيزستان) مثاليةً لتربية النحل نظراً لتوفر الظروف والأزهار المناسبة".

لكن في عام 1995، تلاشت آماله بالعمل في تربية النحل، عندما صدَر - في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي قبل ذلك بأربعة أعوامٍ - قانونٌ جديد أنهى صلاحية جوازات السفر لمئات آلاف الأشخاص في وسط آسيا... وكالكثير من العائلات الأخرى، أصبحت عائلة ساباروف عديمة الجنسية بين ليلةٍ وضحاها.

يعاني ملايين الأشخاص حول العالم تحت وطأة انعدام الجنسية، فحرمانهم من الوثائق الثبوتية القانونية غالباً ما يحول دون تمتعهم بحقوقهم الأساسية، كحرية التنقل والرعاية الصحية والتعليم والعمل...

  • بعد سنوات من كونه عديمي الجنسية، يمكن لعبد الصمد سباروف الآن أن يعمل في تربية النحل.
    بعد سنوات من كونه عديمي الجنسية، يمكن لعبد الصمد سباروف الآن أن يعمل في تربية النحل.  © UNHCR/Chris de Bode
  • عبد الصمد يتفقد إحدى مناحله في سفوح جبال قرغيزستان.
    عبد الصمد يتفقد إحدى مناحله في سفوح جبال قرغيزستان.  © UNHCR/Chris de Bode
  • يتذوق عبد الصمد العسل مع المحامي عزيزبيك أشوروف، الذي ساعده في الحصول على الجنسية.
    يتذوق عبد الصمد العسل مع المحامي عزيزبيك أشوروف، الذي ساعده في الحصول على الجنسية.  © UNHCR/Chris de Bode
  • أطفال أقارب عبد الصمد يتذوقون العسل.
    أطفال أقارب عبد الصمد يتذوقون العسل.  © UNHCR/Chris de Bode
  • تحتوي كل منحلة من مناحل عبد الصمد على 10,000 نحلة.
    تحتوي كل منحلة من مناحل عبد الصمد على 10,000 نحلة.  © UNHCR/Chris de Bode
  • المناطق الريفية تحيط بمنحلة عبد الصمد على مشارف أوش، قرغيزستان.
    المناطق الريفية تحيط بمنحلة عبد الصمد على مشارف أوش، قرغيزستان. © UNHCR/Chris de Bode
  • بعد سنوات من العمل في مجال البناء، استغرق الأمر 20 يوماً فقط لكي يؤسس عبد الصمد منحلته.
    بعد سنوات من العمل في مجال البناء، استغرق الأمر 20 يوماً فقط لكي يؤسس عبد الصمد منحلته.  © UNHCR/Chris de Bode

ونتيجة لحرمانه من الجنسية، لم يعد بإمكان عبد الصمد الحصول على التراخيص المطلوبة لممارسة تربية النحل، واضطر لقبول فرص عملٍ مؤقتة في مجال البناء، بينما كان يحاول إيجادٍ حلٍ لوضعه وسط كابوس البيروقراطية.

هزّ عبد الصمد رأسه بحسرة، وقال: "كان الوضع صعباً جداً، حيث لم أفهم الوثائق والإجراءات المطلوبة، فكانت طلبات الحصول على الجنسية التي قدمتها تلاقي الرفض".

وأخيراً – في عام 2014 – وجهه بعض المسؤولين الحكوميين للتواصل مع منظمة "محامو وادي فيرغانا بلا حدود"، وهي منظمة عملت للسنوات الخمس الماضية للمساعدة في وضع حدٍ لانعدام الجنسية في قيرغيزستان، ضمن إطار ما يعتبر بحق سابقةً تاريخية.

كان عزيزبك أشوروف – 38 سنة – من بين المحامين الذين ساعدوا في حل قضية عائلة ساباروف، الأمر الذي تطلب خمسة أعوامٍ من العمل.

وقال عزيزبك: "كنت أعلم أنه يحلم بتأسيس مزرعة للنحل... كان ذلك أمراً يصعب تحقيقه، حيث لم يكن جواز السفر السوفييتي بحوزة عبد الصمد حينها، لذا قررنا العمل خطوةً تلو الأخرى، بدءاً بملف الزوجة – الذي كان سهلاً نظراً لأنها من قيرغيزستان – ومن ثم قدمنا طلبات الجنسية للأولاد".

وفي نهاية المطاف، أصبح عبد الصمد مواطناً في أبريل 2019، واستطرد أشوروف: "أتذكر بأن أول أمرٍ قام به [عبد الصمد بعد حصوله على الجنسية] هو التسجيل لاستصدار رخصةٍ لتربية النحل".

"لم أفهم الوثائق والإجراءات المطلوبة"

بعد أعوامٍ من العمل في البناء، لم يستغرق عبد الصمد سوى 20 يوماً لصنع خلايا النحل، وطلاء كلٍ منها – بكل محبة – باللون الأبيض والأصفر والأزرق.

لعبد الصمد أقرباء يحضرون قطعان الماشية التي يملكونها إلى الجبال كل صيف، وسرعان ما قدموا له قطعة أرض ليتخذها مكاناً لممارسة تربية النحل.

قالت غولزاده أحميدوفا، أكبر بنات العائلة ولها من العمر 21 عاماً: "لعائلتنا أراضٍ واسعة هنا... وقد سكنّا فيها لقرونٍ من الزمن. نحن نعلم مدى أهمية [تربية النحل] بالنسبة [لعبد الصمد]. إنها جزء من إنسانيتنا".

كل أسبوعين، يركب عبد الصمد الحافلة من مدينة أوش، ثاني أكبر مدن قيرغيزستان، ليقضي يوماً في العناية بخلايا النحل، وفي إحدى المرات، تلقّى 53 لسعة من النحل، لكنه يقول الآن بأنه لا يشعر بالألم إطلاقاً. وقد بدأت ابنته مؤخراً بالتسويق للعسل الذي ينتجه على شبكة الإنترنت، وبدأت طلبات الشراء تتدفق عليه بسرعة.

يصف عبد الصمد النحل والابتسامة ترتسم على محياه، بأنه "ذكي للغاية، فعندما يكون الطقس حاراً، يقوم النحل بجمع الماء ورشه فوق الخلايا، كما يمكنه الطيران بسرعة 10,000 كيلومتر في الساعة لإيجاد الأزهار... وبإمكانه إيجاد طريقه إلى الخلية بواسطة الرائحة".

كان حصول عبد الصمد على الجنسية مفتاحاً لتغيير حياته، ومن المفارقة أن النحل الذي يربيه كان يمتلك الوثائق المطلوبة قبله.

يقول عبد الصمد: "يحتاج النحل إلى وثائق، وينبغي لأي شخص يود أن يعمل في هذا المجال أن يحصل على موافقة جمعية تربية النحل الوطنية. لا يعقل أن يمتلك النحل وثائق ثبوتية، في حين أن هناك بشر محرومون منها... الانتماء حق للجميع".

للتعرف على مزيدٍ من التفاصيل عن كيفية إحداث الفرق في حياة الأشخاص مثل عبد الصمد، انضم إلى حملتنا #أنا_أنتمي الهادفة للحد من انعدام الجنسية.