من المجوهرات إلى السباكة: قصة نجاح سيدة أعمال في الأردن

بعد خطأ في التسجيل، تمكنت صفاء من تدريب فريق من اللاجئات السوريات على إصلاح الصنابير وتحدي الصور النمطية.

صفاء (يسار) ترشد بثينة، وهي إحدى المتدربات السوريات في إربد، الأردن.
© UNHCR/Jose Cendon

أرادت صفاء، وهي مصممة مجوهرات سابقة، التسجيل في ورشة لصناعة الذهب كنزعة للحنين إلى الماضي. لكنها عندما وصلت هي وأربع من صديقاتها اللواتي حضرن معها إلى مركز التدريب، أدركت بأن هناك سوء فهم وخلط من جانبها بين "سبك" الذهب وصهره، وأعمال "السباكة" المتعلقة بالتمديدات الصحية، وهو ما كان موضوع الورشة التدريبية.


وتستذكر صفاء قائلة: "لقد صدمت، وكنا النساء الوحيدات هناك. تراجعت قليلاً وقلت لنفسي بأنني لن أكمل، لكن صديقاتي شجعنني". قررت صفاء الاستمرار فقط عندما علمت بأن المدرب المفترض في الدورة التدريبية كانت امرأة المانية، لتراجع حساباتها وتقول: "إذا تمكنت تلك المرأة من العمل في هذا المجال فلماذا لا نستطيع نحن كذلك؟".

عاشت هذه السيدة الأردنية / السورية البالغة من العمر 45 عاماً معظم حياتها على مشارف العاصمة السورية دمشق. ولكن بعدما تعرض منزلها للدمار والنهب خلال الصراع الذي اندلع في البلاد، انتقلت هي وزوجها الأردني في عام 2014 إلى مسقط رأسه إربد في شمال الأردن.

وعلى الرغم من أنها ليست لاجئة، إلا أنها أجبرت على إعادة بناء حياتها في مدينة جديدة من الصفر. ومع عدم قدرة زوجها على العمل بسبب جلطة أصابته، قررت صفاء خوض التدريب لتجد خريجة الفنون الجميلة نفسها تنجذب أكثر فأكثر إلى مجال حل المشكلات وتصميم أنظمة السباكة.

"أحاول مساعدة النساء على تمكين أنفسهن"

استمرت الدورة لمدة شهرين، وتعترف صفاء بأنه مع نهاية التدريب كانت هي وصديقاتها في بداية الطريق. لكنهن خضن في المجال العملي بإجراء إصلاحات داخل منازلهن لاكتساب الخبرة، قبل الانتقال إلى مساعدة الأصدقاء والأقارب.

تقول صفاء: "في البداية، كان يستغرق إصلاح [حمّام] يوماً كاملاً تقريباً، ثم انخفضت المدة إلى نصف يوم، والآن يستغرق منا الأمر تماماً كما هو الحال مع السباكين الآخرين من الرجال – أي نصف ساعة بحد أقصى".

وأضافت: "مع مرور الوقت، بدأت في التوسع بعملي، حيث باشرت العمل في المنازل الواقعة في منطقتي فيما بدأت صديقاتي العمل في المنازل القريبة منهن. عملنا لمدة عام تقريباً من باب ممارسة ما تعلمناه. ثم فكرنا وقلنا لأنفسنا: لماذا لا نطلق مشروعاً خاصاً بنا؟ لماذا نعمل بالمجان؟".

واليوم، فإن لدى صفاء شركة أعمال على مستوى الأردن بالإضافة إلى مركز التدريب الوحيد المتوفر في المنطقة للحرفيات في مجال السباكة من الإناث. كما قامت بتدريب المئات من النساء، وتوفر حالياً العمل لـ 36 من السباكات اللواتي يعملن لحسابهن الخاص، أكثر من نصفهم من اللاجئات السوريات.

"إنه عمل يدر دخلاً ويساعد في تكاليف المعيشة"

وتشرح صفاء قائلة: "أحاول مساعدة النساء على تمكين أنفسهن مادياً واجتماعياً. لقد توقف العديد من أزواجهن عن العمل، لذلك من المفيد لهن استخدام هذه المهارة لتوليد الدخل لعائلاتهن".

وقالت بثينة، وهي لاجئة سورية تبلغ من العمر 43 عاماً وهي إحدى المتدربات الحاليات لدى صفاء، بأنه على الرغم من أنها لا تزال تتعلم أساسيات الحرفة، إلا أنها ترغب في احتراف هذه المهنة.

وتقول: "سيقول الناس دائماً بأن ذلك العمل حكر على الرجال، لكنني لا أهتم لذلك. فهو عمل يدر دخلاً ويساعد في تكاليف المعيشة وتعليم أولادي".

  • صفاء تعلّم مجموعة من المتدربات السوريات خلال ورشة عمل في مركز التدريب الخاص بها.
    صفاء تعلّم مجموعة من المتدربات السوريات خلال ورشة عمل في مركز التدريب الخاص بها. © UNHCR/Jose Cendon
  • المتدربة واللاجئة السورية بثينة تساعد صفاء في تركيب خزان للمياه في إربد، الأردن.
    المتدربة واللاجئة السورية بثينة تساعد صفاء في تركيب خزان للمياه في إربد، الأردن.  © UNHCR/Jose Cendon
  • متدربات خلال ورشة عمل في أكاديمية الصفاء التدريبية.
    متدربات خلال ورشة عمل في أكاديمية الصفاء التدريبية.  © UNHCR/Jose Cendon
  • صفاء في أكاديمية التدريب في إربد، الأردن، حيث تقوم بتدريس مهنة السباكة.
    صفاء في أكاديمية التدريب في إربد، الأردن، حيث تقوم بتدريس مهنة السباكة.  © UNHCR/Jose Cendon

يعتبر توفير فرص التدريب والعمل للاجئين أمراً أساسياً لتعزيز اعتمادهم على أنفسهم وتقليل الاعتماد على أشكال المساعدات التقليدية. كما يتيح لهم ذلك الحصول على عمل آمن وكريم وتلبية احتياجات أسرهم الأساسية وكذلك الاستعداد للمستقبل، سواء أرادوا العودة إلى ديارهم، أو البقاء في بلد اللجوء أو إعادة توطينهم في بلد ثالث.

سيكون موضوع الإدماج الاقتصادي للاجئين أحد الموضوعات التي ستجري مناقشتها في المنتدى العالمي للاجئين، وهو اجتماع رفيع المستوى سيعقد في جنيف في وقت لاحق من هذا العام. وسوف تعلن الدول والقطاع الخاص والجهات الفاعلة الأخرى عن مساهمات شديدة الأثر من شأنها منح اللاجئين الفرصة لاستخدام وتطوير مهاراتهم والإسهام في النمو الاقتصادي في المجتمعات المضيفة لهم.

وقد مكنت مشاركة اللاجئين في الأردن في قطاعات الزراعة والبناء والتصنيع في المساهمة إيجاباً في اقتصاد البلاد.

أما بخصوص ردود الفعل التي تصادفها صفاء وهي ترتدي ملابس العمل الزرقاء والحجاب وبجعبتها الأدوات، فإنها تقول بأن ردود الفعل كانت في معظمها إيجابية، لكنها تعلمت أيضاً تجاهل أية ردود سلبية.

"أنا فخورة جداً بنفسي"

وتقول: "المرأة هي النجار والحداد والسباك في منزلها – وهو أمر طبيعي. لكنها إذا ذهبت وأجرت هذا العمل في منزل شخص آخر، فالأمر يصبح غير عادي. ويعتبر جزء من إصراري على القيام بهذه المهمة هو تحدي القوالب النمطية، لذلك فإنني فخورة جداً بنفسي وبالنساء اللائي يعملن معي".

وبعيداً عن كونها جديدة في هذا المجال، تعتقد صفاء بأنها وفريقها من السباكين وهم بمعظمهم من الإناث قد وجدت سوقاً غير مستغلة: "يفضل العديد من زبائننا النساء على الرجال للعمل في منازلهن، لذلك فإنه على الرغم من أنها قد تبدو فكرة غير عادية، إلا أنها منطقية".

وعند سؤالها عن طموحاتها المستقبلية، تتوجه صفاء إلى جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بها وتعرض بفخر نموذجاً لسيارة بيضاء وبداخلها أدوات وقطع، يزينها على الجانب شعار شركتها: "ليس لدى أي منا سيارة، لذلك في الوقت الحالي لا يزال يتعين علينا استعمال سيارات الأجرة ووسائل النقل العام، لذلك فإنني أحبذ فكرة أن أمتلك سيارة للعمل".

وبالنسبة لصفاء، فإن فكرة عمل بدأت قبل أربع سنوات بخطأ في فهم هدف التدريب، تحولت الآن لتصبح مشروعاً متكاملاً: "ستظل المجوهرات شغفي الدائم، ولكن الآن إذا سألني أحد ما عن عملي، فإنني سأخبرهم بأنني أعمل في مجال السباكة".