مزارعون بنغلاديشيون يوفرون المأوى للاجئين الروهينغا
بعد رؤية محنة اللاجئين من ميانمار، منحهم أصحاب المشاريع الصغيرة أراضٍ لبناء مآوٍ مؤقته وبدء حياتهم من جديد.
الموقع الملحق بمخيم كوتوبالونغ، بنغلاديش- قبل بضعة أعوام، أجبر ارتفاع منسوب مياه البحر وتآكل الأراضي المزارع البنغلاديشي محمد كريم على التخلي عن ملكية عائلته الصغيرة في جزيرة سانت مارتن وبدء حياة جديدة في البر الرئيسي.
ومع تدفق آلاف اللاجئين الروهينغا إلى منطقة كوتوبالونغ من ميانمار في سبتمبر الماضي، لم يتردد كريم لحظةً عندما طلبت منه مجموعة من الأسر المتعبة استخدام بعض أراضيه كمأوى مؤقت.
يقول كريم، وهو أب لثلاثة أطفال: "بعد رؤية معاناتهم، لم أستطع تحمل الأمر أكثر من ذلك، لهذا السبب وافقت على السماح لهم بالبقاء في أرضي. وقد جلب العديد منهم الأرز، فيما قدمت لهم الحطب والخضار والسمك".
سمح كريم بدايةً لأربعين أسرة بالسكن في منزله الذي تحيط به حقول الأرز، وأشجار المنغروف والأراضي المزروعة بالخضار. وبعد تسعة أيام، تمكن الوافدون الجدد من بناء مآويهم المؤقتة بمواد قدمتها المفوضية.
وكان من بين الذين آواهم كريم عبد منظور، البالغ من العمر 26 عاماً، والذي فر من هجمات القوات العسكرية والميليشيات في ميانمار، حيث سار في رحلة مضنية لعدة أسابيع بحثاً عن الأمان قبل أن يستقر أخيراً في أرض كريم.
يقول منظور، والارتياح بادٍ على وجهه: "لم يزعجنا أحد منذ وصولنا إلى هنا. نشعر بالطمأنينة والأمان".
وقد فر أكثر من 688,000 شخص من النساء والأطفال والرجال من ميانمار منذ اندلاع أعمال العنف هناك في آواخر أغسطس، وكان البنغلاديشيون في طليعة من بذلوا جهود الإغاثة الضخمة، متبرعين بالأغذية والملابس ومواد المأوى، وسمحوا باستخدام أراضيهم في هذا الجزء من جنوب شرق بنغلاديش.
"لم أستطع تحمل الأحزان التي يمرون بها"
على بعد مسافة قصيرة من منزل كريم، في قرية قريبة من كوتوبالونغ، تعيش خالدة بيغوم، وهي أم لأربعة أطفال، وهي من بين العديد من السكان المحليين الذين استجابوا لاحتياجات اللاجئين المتعبين والمحتاجين إلى المأوى عن طريق فتح منازلهم.
تقول خالدة البالغة من العمر 26 عاماً، التي تقاسمت طعام عائلتها ومطبخها وأسرّتها مع 36 أسرة لاجئة: "أتوا دونما شيء معهم على الإطلاق، وصُدِمت حقاً لرؤيتهم على هذه الحال. شعرت بألمهم... لم أستطع تحمل الأحزان التي يمرون بها".
وفي أرضها، قطعت عائلة خالدة أكثر من 250 شجرة مانغو وكاكايا وجوافة مثمرة لاستيعاب الوافدين الجدد، من بينهم العديد من الحوامل اللواتي ولدت أربعة منهن في الأيام القليلة الأولى.
ومن بين الآباء الجدد كانت سافيتا بيغوم البالغة من العمر 18 عاماً، وزوجها محمد كوسار وعمره 22 عاماً، وقد لجآ إلى منزل خالدة في 2 سبتمبر بعد أن نجحا بصعوبة بالفرار من ميانمار والنجاة من الموت، لتلد طفلتهما رومي بعد خمسة أيام.
تقول سافيتا، التي تريد مستقبلاً آمناً لابنتها: "أنا سعيدة وأحمد الله لأنني نجوت من نهاية مأاسوية لحياتي".
تعد بنغلاديش أحد أفقر البلدان في العالم وأكثرها اكتظاظاً بالسكان. وقد حوَّل تدفق اللاجئين في الأشهر الستة الماضية منطقة الهضاب المنخفضة التي انتشرت فيها القرى والقرى الصغيرة حول كوتوبالونغ إلى أكبر تجمع للاجئين في العالم.
وتدعم الحكومة البنغلاديشية جهود الإغاثة التي يبذلها سكان مثل كريم وخالدة، إلى جانب المفوضية وشركائها المحليين والدوليين.
" سأستضيفهم في أرضي إلى أن يشعروا بالأمان للعودة"
وبعد ستة أشهر تقريباً من أزمة النزوح، أصبحت أرض خالدة الصغيرة تضم مرافق أُخرى بما في ذلك مساحة ملائمة للأطفال وفرتها منظمة أنقذوا الأطفال الدولية، وعيادة تديرها منظمة "براك" الدولية التي تتخذ من بنغلاديش مقراً لها، ويتم استخدام كليهما بشكل جيد.
يقول محمد نيمور رحمن، المساعد الطبي الذي يعمل مع "براك": "يأتي كل يوم أكثر من 100 شخص إلى هنا لاستخدام الخدمات الصحية. وعلى الرغم من أننا نقدم خدمات أساسية جداً، إلا أنها مفيدة جداً للاجئين لأنها مناسبة لهم للغاية".
وفي أرض كريم، ساعدت المفوضية وشريكتها التنفيذية كاريتاس في بناء المآوي والآبار الارتوازية والمراحيض وأماكن الاستحمام لتحسين أوضاع اللاجئين والحد من مخاطر الأمراض المنقولة عن طريق المياه.
ويجري أيضاً تنفيذ عدة مشاريع هندسية صغيرة لبناء ممرات المشاة والسلالم المعززة بالخيزران، والجسور والجدران لتثبيت التربة، وشبكات الصرف الصحي. كما ركّبت كاريتاس مصابيح في الشوارع تعود بالنفع على السكان والقادمين الجدد على حدٍّ سواء.
ومع تدفق المزيد، يفوق عدد اللاجئين عدد البنغلاديشيين في منطقة التجمع. وقد ساهم وجودهم في ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية والوقود ومواد البناء، وأثار القلق بشأن الضغط على البيئة، مما أدى إلى نشوب بعض الاحتجاجات. ولكنْ لا كريم ولا خالدة يشككان في أنهما فعلا الشيء الصحيح.
يقول كريم: " كل يوم يأتي العديد من النساء والأطفال اللاجئين من الروهينغا إلى بيتنا الآن، ونحن نستمتع برفقتهم. أطفالي يلعبون مع أطفالهم. أصبح لديهم أصدقاء جدد".
ويضيف: "سأستضيفهم في أرضي إلى أن يشعروا بالأمان للعودة إلى ميانمار".
وتقول خالدة بأن حيها كان معزولاً وهادئاً قبل وصولهم وأنها تشعر بأمان أكثر مع جيران جدد يعيشون حولها وتستمتع بسماع ضحك أطفالهم.
وتضيف: "أشعر بالفرح لأنني استطعت مساعدتهم عندما كانوا بأمس الحاجة إلى ذلك".