طبيب في مستشفى في جنوب السودان: الفضل للدكتور أتار
اعتقد الدكتور كاليسا أن عمله لن يدوم أسبوعاً في مستشفى بونج. والآن، وبعد عامين ونصف، لا يزال يعمل هناك.
يعمل الدكتور كاليسا يسيرو وابابيي مع د. أتار وجراحين آخرين في مستشفى بونج البالغ عدد أسرّتها 120. " عندما بدأت العمل هنا، ظننت أنني لن أستطيع البقاء ولا حتى لأسبوع واحد، إذ كانت تلك المرة الأولى التي أُضطر فيها للعيش في خيمة".
© UNHCR/Will Swanson
اعتاد كاليسا يسيرو وابابيي، وهو طبيب حصل على التدريب في أوغندا، على العمل في الأماكن التي يصعب الوصول إليها والتي تعتبر الاحتياجات فيها ملحة.
لقد عمل في العديد من منظمات الإغاثة في إفريقيا، ويقول بأن هذا العمل يجعله يشعر بأنه أكثر فائدة وقدرة على إحداث فارق مما لو كان يعمل في مستشفى مجهز بشكل جيد في العاصمة الأوغندية، كمبالا، وهي مسقط رأسه.
يعمل كاليسا الآن في مستشفى مابان الذي يضم 120 سريراً، والذي يُعتبر مرفق الجراحة العامل الوحيد في ولاية أعالي النيل في جنوب السودان ويقع على بعد 600 كيلومتر من العاصمة جوبا.
يقول الدكتور كاليسا، وهو متزوج ولديه ثلاثة أطفال: "عندما بدأت العمل هنا، ظننت أنني لن أستطيع البقاء ولا حتى لأسبوع واحد، إذ كانت تلك المرة الأولى التي أُضطر فيها للعيش في خيمة، وبدأت تطاردني الكوابيس. كان الأمر صعباً جداً، فالخيمة صغيرةً جداً، والسقف قريب من رأسي. لم يكن هناك باب، بل مجرد سحَّاب".
"هذا المكان يتطلب منك الابتكار"
حدث ذلك قبل عامين ونصف، ولكن الدكتور كاليسا لا يزال في بونج. ويعود الفضل في ذلك للدكتور إيفان أتار أداحا، وهو رئيس قسم الجراحة في المستشفى ومديره الطبي. يعمل الرجلان مع طبيبين آخرين في المستشفى.
وقال الدكتور كاليسا: "يعمل الدكتور أتار كثيراً. لم أسمع بعملية جراحية واحدة إلا وشارك فيها. إنه شخص لا غنى عنه هنا. هذا المكان يتطلب منك الابتكار؛ ففي إحدى المرات احتجنا إلى أداة غير متوفرة، فابتكر أداة مشابهة بواسطة قطعة من سيارة قديمة وكان ذلك مثيراً للاهتمام حيث أنه استخدمها لفك اللوالب من عظام أحد الأشخاص".
وقد أُضيف إلى المستشفى مؤخراً قسم للولادة وجناح من 20 سريراً لمرضى السل. يخدم المستشفى الذي يفتح أبوابه طوال 24 ساعة في اليوم أكثر من 200,000 شخص، من بينهم 144,000 لاجئ من ولاية النيل الأزرق في السودان، منهم 142,000 يعيشون في أربعة مخيمات للاجئين. بالإضافة إلى ذلك، هناك 17,000 شخص من جنوب السودان نزحوا داخلياً جراء الصراع في مقاطعة مابان والمناطق المحيطة بها. يبلغ عدد سكان مابان في هذه المنطقة 53,000 شخص، وتمول المفوضية عمل المستشفى من خلال عدة شركاء محليين.
يقول الدكتور كاليسا: "هذا المستشفى شامل وجامع للخدمات وهو نقطة الإحالة الأخيرة، ومستوى الاختصاص الأعلى. قد يكون اتخاذ القرار النهائي مجهداً".
يشكل الأطباء الأربعة فريقاً متماسكاً. يقول الدكتور كاليسا: "لدينا عالمنا الخاص هنا. نحن نتشارك عملنا وفي بعض الأحيان نضطر لإجبار الدكتور أتار على التوقف عن العمل. وفي إحدى المرات، غضبنا منه وهددنا بإجلائه لأنه كان مريضاً ولم يكن يتناول أي طعام. لذا قرر أن يأكل".
عندما يواجه أحد الأطباء حالة معقدة، يجتمعون بسرعة ويتخذون قراراً مشتركاً. هنالك شعور ثقيل بالمسؤولية على عاتقهم. يقول الدكتور كاليسا، الذي كان يعمل كميكانيكي قبل دراسة الطب، وهي مهارة مفيدة في بونج حيث تعتمد الكهرباء على مولدات كثيراً ما تتعطل: "عندما يأتي الأطباء من مستشفى جيد للغاية يتوفر فيه كل شيء، يجدون صعوبة كبيرة في العمل".
"عليك أن تكون قوياً هنا في جنوب السودان"
يعمل الدكتور أتار وطاقمه في بيئة صعبة وخطيرة. منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2013، تعرضت المرافق الطبية في جنوب السودان للنهب أو الاحتجاز، كما تعرض العاملون فيها للتخويف والاعتقال والخطف والقتل. وبسبب انعدام الأمن في المنطقة، لا يوجد في مستشفى مابان سوى مناوبتين ولا يغادر أحد المجمع في الليل، فيما يقيم الممرضون في مكان قريب.
ويقول الدكتور كاليسا: "نحن بحاجة إلى الدكتور أتار، ليس فقط لمهاراته الطبية، ولكن أيضاً لقدرته على التعامل مع المسلحين. عليك أن تكون قوياً هنا في جنوب السودان".
يقود الدكتور أتار فريقه بأسلوب يتسم بالدعابة والمزاح، ولكن الطبيب المعروف بطيبته قد يغضب أحياناً.
يحترم العاملون في المستشفى ويقدرون الحياة التي عاشها الدكتور أتار. فخلال عقد من الزمن أمضاه في الحرب الأهلية في السودان، قدم الرعاية الطبية لكلا الجانبين بلا كلل.
خارج المستشفى، يحاول الأطباء مواكبة أحدث الإجراءات الجراحية من خلال المشاركة في عروض أسبوعية. ويهدئ الدكتور كاليسا أعصابه من خلال العزف على الغيتار والغناء مع الدكتور أتار في غالبية الأحيان. فقد تعلم منه مثلاً أنه يمكن استخدام التراب لوقف النزيف، حتى لو كان الجرح في الصدر، وكيفية اختيار الفواكه البرية التي يمكن أكلها من خلال ملاحظة ما إذا كانت الطيور تأكلها.
عندما يعود الدكتور كاليسا إلى أوغندا، فإنه يفتقد العيش في بونج، ويقول: "بعدما عشت هنا، أصبحت أكثر مرونة بكثير. أشعر أنني مهم. لم أعد أتذمر كثيراً. فمجرد حصولي على كوب من الماء البارد أو المانغو يشعرني بالفرح. والآن صار لدينا خدمة الإنترنت".