مساعد طبيب جراح يكتسب مهارات التمريض عن طريق الممارسة
يعمل صديق فاروق بشكل وثيق مع الجراح والفريق في مستشفى بونج، حيث يحصل المقاتلون من كلا الجانبين على العلاج بالتساوي.
يعمل صديق فاروق كممرض في غرفة العمليات التابعة للمستشفى. كالعديد من الآخرين، تلقى فاروق التدريب على رأس العمل من قبل الجراح الرئيسي الدكتور إيفان أتار أداحا.
© UNHCR/Will Swanson
لم يذهب الممرض صديق فاروق إلى مدرسة للتمريض بل اكتسب مهاراته عن طريق الممارسة. في البداية كان ينظف المرضى ويعقم الجروح.
بعد ذلك، تعلم كيفية خلع الأسنان ومعالجة الخراجات واكتسب مهارات جديدة في غرفة الجراحة وأصبح ممرضاً مساعداً. وفي بيئة تعتبر كل ثانية فيها مهمة، يعمل فاروق عن كثب مع الجراح والفريق ويعطي أدوية التخدير ويستبق طلبات الجرّاح، إذ يعرف فاروق بالفطرة ما يحتاج إليه الجراح.
ويقول فاروق البالغ من العمر 32 عاماً: "أقرأ أفكاره في غرفة العمليات وأعرف تماماً عدد القطب التي سيقوم بها. أعرف تماماً ما يفكر به".
يعرف فاروق الجراح الدكتور إيفان أتار أداحا منذ أن كان في سن المراهقة. وكان الدكتور أتار (المعروف باسمه الأوسط) وهو جنوب سوداني، يدير مستشفى في الكرمك الواقعة في ولاية النيل الأزرق في السودان، حيث كان يعالج الجرحى المدنيين والمقاتلين المشاركين في الحرب الأهلية من الطرفين.
في عام 1997، عندما وصل الدكتور أتار إلى الكرمك، لم يكن لديه أي ممرضين. في البداية، درّب 15 شاباً سودانياً ولكنه أعادهم إلى عائلاتهم نظراً لنفاد الطعام من المستشفى.
بعد ذلك، بدأ بتدريب 18 شابة كن يعملن في عيادة أقفلت أبوابها قبل وقت قصير، إلا أنهن تزوجن وغادرن العمل الواحدة تلو الأخرى. وكملاذ أخير، توجه إلى مركز تجنيد عسكري لطلب بعض المجندين، وكان فاروق واحداً منهم.
"إنه بمثابة أب لي"
يقول فاروق: "في النيل الأزرق، عملت كممرض في الأجنحة طوال ستة أشهر، ثم بدأ الدكتور أتار يعطيني المزيد من المسؤوليات تدريجياً. إنه بمثابة أب لي. يكون صارماً جداً أحياناً، لكنه يعتبرنا كأبناء له".
في عام 2011، ومع تزايد حدة القتال في النيل الأزرق، فر الدكتور أتار مع عشرات آلاف المدنيين عبر الحدود إلى بونج في ولاية النيل الأعلى في جنوب السودان. جهّز الدكتور أتار معدات المستشفى في أربع سيارات وجرار وأخذ معه 15 موظفاً. إلا أنه ووسط فوضى المغادرة، تعرض فاروق للتوقيف من قبل جنود سودانيين واتُهم بتوفير العلاج للجنود المتمردين.
وقال الدكتور أتار: "بعد ستة أشهر، أطلق الجيش سراح فاروق الذي أتى مباشرةً إلى بونج. هؤلاء الأشخاص يعرفونني أكثر من الجميع. أنا أدرب جميع الممرضين هنا على مهام متعددة. يتعين عليهم اكتساب جميع المهارات المطلوبة، وفاروق يُعتبر حقاً مساعداً جيداً".
الدكتور أتار هو رئيس قسم الجراحة والمدير الطبي في مستشفى مابان الذي يضم 120 سريراً وغرفتَي عمليات. ويُعتبر هذا المستشفى الواقع على بعد 600 كلم من العاصمة جوبا، المرفق الجراحي الوحيد العامل في النيل الأعلى، ويضم الآن قسماً لحديثي الولادة وجناحاً لمرضى السل يضم 20 سريراً.
يخدم المستشفى الذي يفتح أبوابه طوال 24 ساعة في اليوم أكثر من 200,000 شخص، من بينهم 144,000 لاجئ من ولاية النيل الأزرق في السودان، منهم 142,000 يعيشون في أربعة مخيمات للاجئين. بالإضافة إلى ذلك، هناك 17,000 شخص من جنوب السودان نزحوا داخلياً جراء الصراع في مقاطعة مابان والمناطق المحيطة بها. ويبلغ عدد سكان مابان في هذه المنطقة حوالي 53,000 شخص.
يعتبر الدكتور أتار معروفاً جداً في جنوب السودان ويشير الكثيرون إلى المستشفى باسم "مستشفى د. أتار"، ويسافر المرضى طوال أيام للحصول على علاج عنده. يجري فريق الجراحة المؤلف من 4 أطباء 58 عملية كل أسبوع كمعدل، وقد درب الدكتور أتار 32 ممرضاً.
في مستشفى مابان، يعمل فريق الجراحة كعائلة واحدة يرأسها الدكتور أتار، ويقول الممرضون ممازحين بأنه يكون "دكتاتورياً" أحياناً. إلا أن الجميع يشعرون بالقلق عليه لأنه يعمل كثيراً.
"نطلب منه تناول الغداء ولكنه يرفض. يريد العمل فقط"
يقول فاروق: "إنه عنيد جداً. نطلب منه تناول الغداء ولكنه يرفض. يريد العمل فقط ويصر على أنه بخير حتى ولو كان مريضاً. وعندما ينجز عمليتين أو ثلاثاً يشعر بأنه قام بإنجاز وتغمره السعادة ويروي لنا القصص".
تعكس حياة فاروق، وهو لاجئ من جنوب السودان، التعقيد الذي تشهده المنطقة. زوجته لاجئة أيضاً ولكنها تنتمي إلى جماعة عرقية أخرى في صراع مع الجماعة التي ينتمي إليها فاروق. يعيش أهله في النيل الأزرق وشقيقه هو جندي متمرد في النيل الأزرق للحصول على الاستقلال. فاروق رجل مسلم، أما الدكتور أتار فهو مسيحي. بالنسبة لفاروق فإن العمل هو ما يهم، وأنه يجب أن تكون المستشفى مكاناً حيادياً.
ويقول فاروق: "المسلمون والمسيحيون متشابهون. هناك إله واحد فقط. يقول الدكتور أتار بأننا هنا لمساعدة المرضى ولا يمكننا رفض أحد. الناس هنا يحترمونه، حتى الجنود يعرفون أنه لا يمكنهم الدخول بأسلحتهم إلى المستشفى".
يقول الموظفون بأن الدكتور أتار يغضب أحياناً ويكون عنيداً، ولكن طاقته الثابتة وأخلاقياته في العمل هي ما يحافظ على التماسك بين العاملين.
ويقول فاروق: "أيام الأحد يكون مناوباً ويأخذ استراحة لكنه لا يجلس أبداً. يعتبر المستشفى بمثابة طفله المدلل".