الصراع في أوكرانيا يفاقم أوضاع المسنين
اضطُر سيرغي وزوجته إلى تفكيك قذيفة أصابت منزلهما، وسط الصراع الذي أجبر أكثر من 1.5 ملايين شخص على النزوح داخلياً.
كان يوماً هادئاً من شهر أغسطس 2014 عندما استقبل سيرغي* البالغ من العمر 85 عاماً وزوجته ناتاليا زائراً غير متوقع في منزلهما، وهو عبارة عن صاروخ طوله ستة أمتار.
لقد اعتاد الزوجان المسنان على القصف. فمنذ مارس من ذلك العام، كانت قريتهما بيريموزن في شرق أوكرانيا تقع بالقرب من الخطوط الأمامية، وقد فرّ منها معظم القرويين. أدرك سيرغي وناتاليا أن ما اعتبراه يوماً جنتهما المزدهرة والهادئة باتت ساحة للمعركة.
خلال القصف، اختبأ الزوجان في قبو يُستخدم عادة لتخزين الطعام والخضار في فصل الشتاء البارد في أوكرانيا، ليصبح بمثابة منزلَهما خلال أصعب أوقات الصراع منذ أغسطس 2014 عندما تعرض العديد من منازل الجيران والأصدقاء للدمار.
ولكن، بعد ظهر أحد الأيام، توقف القصف فجأة ليخرج سيرغي من مخبئه. ويتذكر سيرغي قائلاً: "كان أغرب يوم، كانت السماء زرقاء وجميلة، والجو هادئ، إلى أن تغير الوضع".
"كان أغرب يوم"
فجأةً، سقط من السماء الزرقاء الصافية جسم معدني طويل. اخترق سقف المنزل الذي بناه سيرغي قبل أكثر من 40 عاماً ويقول مازحاً: "دخل دون أن يطرق الباب!"
لكن هذا "الضيف" كان في الواقع صاروخ "سميرتش" والذي يبلغ طوله ستة أمتار، حيث حطم الطابق الأول واخترق الأرض على عمق متر. اصطدم بمنزله ولم تنفجر سوى واحدة فقط من المواد الأربع المتفجرة مع دوي صاخب هز أسس المنزل وغطاه بالغبار.
يقول سيرغي: "أول أمر قمت به أنني رحبت بزائري وأخبرته أنه لم يكن تماماً نوع المساعدة الإنسانية التي كنت أتوقعها في ذلك اليوم".
اتصل بفريق لإزالة الألغام على أمل أن يتمكنوا من إزالة القنبلة من منزله. ولكنْ، حين أتى أخصائيان لزيارته، قالا له بأن الخيار الوحيد سيكون تفجير القنبلة، وبالتالي منزله.
بعد أن أصر سيرغي على الحفاظ على منزله، مزح الأخصائيان وقالا له بأن الخيار الوحيد هو تفكيك القنبلة قطعة تلو الأخرى، وهي مهمة مستحيلة ستعرض حياته وحياة الآخرين للخطر. يقول سيرغي: "ما إن سمعت ذلك، إلا وقلت لهما: "شكراً على النصيحة العظيمة أيها الشابان! ومن الأفضل أن تغادرا بسرعة، لأنني سأبدأ العمل اليوم!".
وفي اليوم نفسه، بدأ الرجل العجوز بتفكيك القنبلة قطعةً تلو الأخرى، في حين اختبأت زوجته في الطابق السفلي. في بعض الأحيان، طلب منه الجيران التوقف، لكنه كان مصراً على ذلك، وقال لهم: "هذا البيت هو كل ما أملكه أنا وزوجتي. إن غادرناه، تنتهي حياتنا. سأواصل الحفر والتفكيك".
في النهاية، تحول سيرغي إلى أسطورة بين القرويين، لأنّ الكثيرين اعتقدوا أنه مات بعدما سمعوا دوياً صاخباً من انفجارات أخرى. مع ذلك، وبعد 19 يوماً، فكك القنبلة تماماً وتمكن الأخصائيون أخيراً من تفجير الجزء المتفجر بعيداً عن منزل سيرغي.
"هذا المنزل هو كل ما أملكه أنا وزوجتي"
وعلى الرغم من انتهاء محنتهما هذه، لا يزال سيرغي وناتاليا يواجهان تحديات هائلة في حياتهما اليومية. مثل ملايين الآخرين، إذ عليهما أن يقفا في الطابور لساعات عند نقاط التفتيش وعبور جسر خطير سيراً على الأقدام من أجل زيارة العائلة والأصدقاء والمرافق الطبية. يبلغ معاشاهما التقاعديان 30 دولاراً أميركياً في الشهر فقط، ولكن لا يحصل كثيرون آخرون على أي شيء على الإطلاق.
يتعين حالياً على الأشخاص الذين يعيشون في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة أن يسجلوا أنفسهم كنازحين داخلياً لدى السلطات الأوكرانية من أجل مواصلة الحصول على استحقاقاتهم التقاعدية المشروعة رغم أن المعاشات التقاعدية حق مكتسب لجميع المواطنين. وكلّ شهرين، يتوجب على الآلاف من كبار السن، بمن فيهم ذوو الإعاقة والذين يتنقلون على كرسي متحرك، القيام برحلة محفوفة بالمخاطر ومكلفة عبر خط التماس للحفاظ على صلاحية تسجيلهم. ويعتبر العبور في فصل الشتاء شديد الصعوبة، حيث يتعرض الناس لدرجات حرارة متدنية وينتظرون لساعات طويلة، إلى جانب القصف.
تقدم المفوضية لسيرغي وزوجته مواد المأوى لإصلاح سقف منزلهما، وذلك بفضل المانحين. كما تلقيا حزمة أساسية من الأدوات المنزلية ومستلزمات النظافة، بالإضافة إلى الزيارات المنتظمة التي تقوم بها المفوضية.
مع ذلك، ومع عدم وجود بوادر لحل الصراع، من المرجح أن تستمر صعوباتهما في الأشهر أو الأعوام المقبلة.
ومع استمرار الصراع، تحولت أوكرانيا بسرعة لأن تصبح أحد أكثر البلدان الملوثة بالألغام في العالم حيث يدفع المدنيون الثمن على نحو متزايد.
لكنّ سيرغي يعرف أفضل من الكثيرين غيره كيف يحافظ على ثقته بنفسه: "سري الذي يدفعني للاستمرار هو الامتنان للحياة التي عشتها في ما مضى، والامتنان للسلام الذي سأجده يوماً".
*تم تغيير الأسماء لأسباب تتعلق بالحماية.