مدينة فيينا "تجني ثمار" إدماج اللاجئين في المجتمع
بعد عقود من استضافة اللاجئين، أدرجت عاصمة النمسا مساعدة المواطنين واللاجئين على حد سواء في برامجها من أجل إدماج الوافدين الجدد في المدينة.
دروس باللغة الفارسية للاجئين الأفغان الراشدين، وغالبيتهم من النساء، الذين لا يعرفون الكتابة والقراءة بشكل جيد بلغتهم. يسبب لهم ذلك مشاكل عندما يتعلق الأمر بتعلم لغة ثانية وهي الألمانية.
© UNHCR/Stefanie J Steindl
بعد ظهر يوم سبت بارد، تتمشى اللاجئة السورية وداد الغميان مع اثنين من أبنائها الكبار في وسط مدينة فيينا حيث يتفرجون على واجهات المتاجر ويستمتعون بالأجواء الجميلة. أعجبتها بعض السجادات الشرقية في أحد المتاجر الفخمة قبل أن تشتري مصباحاً من سوق أعياد الميلاد التقليدي.
تقول المعلمة البالغة من العمر 41 عاماً والقادمة من العاصمة السورية: "تذكرني فيينا بدمشق، كجارة الرصف ومحلات "الأنتيكات".. أنا أفتقد لدمشق بالطبع ولكن بوجود العائلة نشعر وكأننا في وطننا".
يعتبر مدى استقبال وداد وآلاف اللاجئين الآخرين مثلها في فيينا دليلاً على سياسات المدينة التي رحبت بالوافدين الجدد وعملت من أجل إدماجهم منذ اليوم الأول.
يقول جورغن تشيرنورسكي، وهو المستشار التنفيذي للمدينة في مجال التعليم والاندماج والشباب والموظفين: "بنينا منزلاً كبيراً ونحن نركز الآن على الترحيب بالقادمين".
وبينما هو جالس في مكتبه الحديث والمضاء جيداً في دار البلدية الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، يفكر تشيرنورسكي بنمو المدينة وكيف أن فيينا لم تتكيف فقط مع تدفقات اللاجئين إنما حولت ذلك إلى فرصة للاحتفاء بتعدد الثقافات.
"لم نفكر يوماً في ما إذا كنا سنرحب بهم أم لا، إنما في طريقة ترحيبنا بهم"
لفيينا سجل طويل في استقبال اللاجئين في فترة ما بعد الحرب. يسحب تشيرنورسكي رسماً بيانياً من أحد الدروج يظهر ارتفاع مستويات الهجرة في عام 1956 وهو عام الانتفاضة الهنغارية، وعام 1968، وهو مرحلة ربيع براغ، وكذلك تسعينيات القرن الماضي عندما دخلت يوغوسلافيا في حرب أدت إلى تفككها. ويمثل الارتفاع الأخير الوافدين الذين وصلوا إلى النمسا في عام 2015. واليوم، أصبح عدد السكان في فيينا التي نمت بشكل رئيسي بسبب الهجرة الداخلية والهجرة داخل الاتحاد الأوروبي، أكثر من 1.8 مليون شخص.
ويقول تشيرنورسكي: "في السبعينيات والثمانينيات، أتى الناس كعمال وافدين (معظمهم من تركيا) واعتقد السياسيون بأنهم سوف يعودون لذا لم يكن هناك حاجة إلى الإدماج. وكان ذلك خطأً كبيراً وقد تعلمنا منه في فيينا".
مع وصول آلاف اللاجئين إلى النمسا في عام 2015، كانت البلاد من بين الدول التي تستقبل أكبر عدد من الأشخاص. يقول تشيرنورسكي: "كان ذلك تحدياً كبيراً ولكنني سعيد بأن أقول بأننا لم نفكر يوماً في ما إذا كنا سنرحب بهم أم لا، إنما في طريقة ترحيبنا بهم".
حوالي 60% من اللاجئين البالغ عددهم 25.4 مليون لاجئ حول العالم، لا يعيشون في المخيمات إنما في المدن والمناطق الحضرية في الأمركيتين وأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا.
يتواجد رؤساء البلديات والسلطات المحلية والمؤسسات الاجتماعية ومجموعات المواطنين في الخطوط الأمامية للاستجابة الشاملة للاجئين وهم يعززون التماسك الاجتماعي وحماية ومساعدة الرجال والنساء والأطفال النازحين قسراً.
وتعتبر فيينا جزءاً من شبكة عالمية متنامية من البلديات التي اختارت الترحيب باللاجئين وبالفرص التي يأتون بها. من ساو باولو إلى جاكرتا، تمنح مدن الأضواء الأمل للفئات الأشد ضعفاً حول العالم من خلال توفير المأوى وفرص الاندماج في النسيج الاجتماعي.
في 18 و19 من شهر ديسمبر الجاري، سوف يستضيف المفوض السامي فيليبو غراندي الحوار الـ 11 للمفوض السامي في جنيف والذي يركز هذا العام على دور المدن في حماية اللاجئين الحضريين.
تعتمد فيينا العديد من البرامج البلدية لدعم اللاجئين وهي واحدة من بين 69 مدينة حول العالم ممن وقعت على حملة مدن تقف #مع_اللاجئين التي أطلقتها المفوضية من أجل تعزيز المجتمعات المستضيفة.
"هذا ما نحتاج إليه، الترحيب من الأشخاص الذين يعيشون في المدينة"
يقول تشيرنورسكي: "نحن لا نتحدث فقط إنما نعمل أيضاً. في وقت قصير جداً نظمنا المساكن والرعاية الطبية، والأهم من ذلك توفير التعليم. تمت تلبية جميع الاحتياجات الأساسية. في العام الماضي وحده، حصل 10,000 شخص على أماكن لهم في صفوف اللغة مجاناً".
على الرغم من قطع الدعم الأخير على المستوى الوطني، إلا أن المدينة تستمر بدعم اللاجئين من ميزانيتها الخاصة وبتمويل من الأمم المتحدة. وهي أيضاً تدعم المنظمات غير الحكومية ومجموعات اللاجئين التي تسعى لمساعدة نفسها. ومن العوامل الأخرى التي ساهمت في هذا النجاح هو حشد سكان المدينة لتوفير الدعم.
يقول تشيرنورسكي: "شارك المجتمع المدني بشكل كبير. وبصراحة، لم نكن لنتمكن من تحقيق ذلك من دون المتطوعين. هذا هو ما نحتاج إليه، الترحيب من الأشخاص الذين يعيشون في المدينة".
تم إطلاق أحد برامج الاندماج الجديدة في فيينا باسم "دعم اللاجئين لنظرائهم". فهنا، يساعد اللاجئون الذين يعيشون في المدينة منذ فترة الوافدين الجدد على التأقلم. ويحصل المرشدون من اللاجئين على دروس في التربية المدنية تغطي حقوق ومسؤوليات العيش في المجتمع النمساوي قبل العمل مع الآخرين.
في المركز الاجتماعي الواقع في القطاع 15، يعطي محمد أكبر أميري، البالغ من العمر 19 عاماً والقادم من غزني في أفغانستان، دروساً مسائية في التايكوندو ليومين في الأسبوع للاجئين بعد أن حصل على التدريب بموجب برنامج CORE وعلى صفة موجه.
يقول أكبر: "كانت دروس التربية المدنية تتمحور حول ما يمكن للاجئ أن يقوم به في أوروبا ومواضيع متعلقة بنوع الجنس وغير ذلك. وأصبحت الآن مؤهلاً نوعاً ما للتعليم. في ما يتعلق بالتايكوندو، لدي الخبرة لأنني أقوم بذلك منذ أن كنت في السابعة من العمر".
من جانبه، يقول محمد هاشم إسحق زاده، البالغ من العمر 21 عاماً والقادم أيضاً من أفغانستان: "أنا أدرس طيلة اليوم اللغة الألمانية. لذا، من المهم أن أقوم بنشاط جسدي في المساء. بالنسبة لي، رياضة التايكوندو تعني روحاً حرة وجسماً صحيحاً".
توجيه النظراء هو جزء من مشروع اندماج أوسع اسمه CORE وهو يجمع بين 5 مؤسسات عامة في مدينة فيينا تتعامل مع التنوع والمسائل الاجتماعية والتعليم والتوظيف والأعمال التجارية. ويهدف مشروع CORE إلى "جعل اللاجئين شركاء متساوين بدلاً من مستفيدين".
"لا نريد أن ينسى اللاجئون من أي بلد يأتون"
في مركزه في القطاع 15، يوفر مشروع CORE الغرف والتسهيلات للاجئين الذين لديهم أفكار خاصة للنشاطات. على سبيل المثال، تلتقي مجموعة من الأطباء اللاجئين في مركز CORE للدراسة من أجل مكافئة شهاداتهم والاستمرار في العمل الطبي في النمسا.
وتشرح المتحدثة باسم CORE كاتيا هورنينغر لمَاذا العديد من اللاجئين يستخدمون المركز للتعليم وتعلم لغتهم الأم إلى جانب صفوف اللغة الألمانية ولمَاذا يشجع CORE على ذلك، قائلة: "من المعلوم أن المعرفة الجيدة للغة الأم تساعد في تعلم اللغة الثانية. لا نريد أن ينسى اللاجئون من أي بلد يأتون. هذا ما يجعل العيش معاً أمراً مثيراً للاهتمام".
في أحد الصفوف، يعلم بارهام لي صدر زاده، وهو إيراني ترعرع في فيينا، اللغة الفارسية للنساء الأفغانيات اللواتي لا يعرفن القراءة والكتابة بلغتهن الأم، ويقول: "كنت أعلمهن اللغة الألمانية وبما أنني لاحظت بأنهن لا يحرزن أي تطور أدركت بأن المشكلة كانت بأنهم لا يعرفن القراءة والكتابة باللغة الفارسية".
ومن بين الطالبات الأفغانيات، هناك امرأة نمساوية متحمسة تحاول أيضاً تعلم اللغة الفارسية.
"عندما يتعلمون جيداً، سيصبحون أفراداً جيدين في المجتمع النمساوي"
في تلك الأثناء، وفر CORE لوداد التي كانت تعلّم اللغة العربية والدين في مدرسة في دمشق، فرصة للعودة إلى صفوف التدريس من أجل تعليم اللغة العربية للأطفال اللاجئين.
وصلت وداد مع زوجها وثلاثة من أولادها إلى النمسا بعدما قام ابنها الأكبر عبيدة، الذي يبلغ الآن من العمر 20 عاماً، بهذه الرحلة لوحده. وقالت وداد بأنها سرعان ما أدركت بأنها لا تستطيع الجلوس في المنزل طيلة اليوم وبأنها تفضل حياة نشطة في فيينا.
تقول: "فكرت في تعليم اللغة العربية للأطفال وطلبت غرفة. سألني المركز عن مدى اهتمام الآخرين بذلك، وخلال يوم واحد حصلت على 40 إجابة. والآن فأنا أعلم 4 مجموعات تتألف كل منها من 20 طفلاً".
وأضافت: "من المهم للأطفال الذين يتعلمون اللغة الألمانية بسرعة أن يطلعوا أيضاً على ثقافتهم. عندما يتعلمون جيداً، سيصبحون أفراداً جيدين في المجتمع النمساوي".