مفوضية اللاجئين تكثف جهودها لتلبية احتياجات السكان النازحين من الغوطة الشرقية
منذ منتصف شهر مارس الماضي يجري استقبال النازحين من الغوطة الشرقية في مبان عامة في محافظة ريف دمشق، معظمها عبارة عن مبان غير مكتملة أو هنغارات أو مدارس.
توافد السكان المدنيون على مدار الساعة إلى مخيم الحرجلة وغيره من مراكز الإقامة المؤقتة بريف دمشق بعد فرارهم عبر المعابر الإنسانية التي افتتحت في الغوطة الشرقية في منتصف شهر مارس الماضي.
الطريق الذي يتوسط مركز إيواء حرجلة، والمؤدي إلى الغرف الأسمنتية، مزدحم بالأطفال والنساء والرجال وكبار السن، وقد افترش البعض الأرصفة ببعض البطانيات، وآخرون اتخذوا ما تيسر من المساحات الفارغة ما بين الغرف مكاناً لإقامتهم بعد تغطيته بشوادر من البلاستيك. فالمركز بات مكتظاً، ولم يعد يكفي لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الوافدين.
يقول أحد المقيمين في مركز إيواء الحرجلة، وهو نازح من داريا، وقد اعتاد أن يبيع الأحذية والنعال المطاطية للنازحين في المركز:"كثيرون ممن وصلوا إلى هنا خلال الأيام الماضية حفاة الأقدام، ومن يملك القليل من المال اشترى نعلاً مطاطياً من بضاعتي".
هرع عشرات الرجال والنساء يصطفون حول شاحنة صغيرة محملة بالبطاطس، بينما حمل آخرون أوانٍ معدنية ليحصلوا على وجبات من الطعام توزعها إحدى الجمعيات الخيرية. وعلى جانب آخر، اصطف العشرات في أرتال إلى جانب عيادة متنقلة تابعة للهلال الأحمر السوري أتت من أجل تقديم المساعدات الطبية والأدوية.
"اضطررنا إلى رمي حقائبنا على الطريق من شدة التعب"
حظيت إيناس وطفلاها الصغيران ناصر وألمى بمكان يأويهم بعد تدخلات عديدة تتعلق بالمأوى أنجزتها المفوضية، وذلك بعد أن أمضت الليالي الأربع الأولى بعد وصولها إلى مركز إيواء حرجلة على فراش على قارعة الطريق. فقد نصبت المفوضية أربع خيام كبيرة الحجم في مركز إيواء حرجلة، والتي يمكن تقسيمها بحيث تتسع كل واحدة منها لست أسر. وفي الأسابيع الماضية عملت المفوضية على توفير المأوى في مراكز الإيواء الثمانية من خلال نصب خيام كبيرة، وقدمت أيضاً خمسين خيمة عائلية و2,200 مجموعة إيواء تستخدم لتوفير حيز من الخصوصية لكل أسرة على حدة.
تقول إيناس: "جمعنا أمتعتنا وملابسنا ومشينا سيراً على الأقدام أنا وزوجي وأطفالي من بلدة حزة إلى الشيفونية، واضطررنا إلى رمي حقائبنا على الطريق من شدة التعب، ثم أتينا بالباصات إلى هنا". وقد أخبرتنا بأن ابنتها ألمى تعاني من نقص في التغذية وأنها بحاجة إلى العلاج.
ميادة حمودة، البالغة من العمر 30 عاماً، أم لستة أطفال أكبرهم لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، أمضت سنوات الأزمة الماضية في بلدتها حوش الظواهرة في الغوطة الشرقية، وتقول: "لقد اضطررنا أنا وزوجي إلى بيع كل ممتلكاتنا في بلدتنا لنؤمن قوت أسرتنا. وبعد أن نفذ كل ما نملكه، صرت أجمع القمامة ومن ثم أبيعها لأطعم أبنائي الستة".
على حد قولها، حاولت ميادة أن تخرج من الغوطة الشرقية مرات عديدة عبر مخيم الوافدين أو عبر الأنفاق، ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل. وبعد تصاعد الأعمال القتالية خلال الشهور القليلة الماضية، اضُطرت وزوجها إلى حفر حفرة تحت الأرض واللجوء إليها، إلى أن تمكنوا في النهاية من الخروج من الغوطة.
ويقول حمزة صالح، المساعد الميداني لدى مفوضية اللاجئين في دمشق: "على الرغم من كل الجهود التي تبذلها المنظمات الإنسانية مجتمعة لتوفير الطعام ومواد الإغاثة، إلا أننا لاحظنا بأن السكان النازحين من الغوطة الشرقية يقومون يومياً بتجفيف الخبز الذي يوزع عليهم، على الرغم من أننا نخبرهم في كل مرة نلتقيهم فيها بأنه سيجري توزيع الخبز في اليوم التالي، إلا أن سنين الحصار الطويلة وعدم حصولهم على الطعام والخبز في الغوطة أثرعليهم بشكل كبير".
"لم نتمكن من إنقاذه أو سحبه من تحت الأنقاض، فأخدت بناتي الأربعة إلى معبر حمورية للنجاة بحياتنا"
لقد تركت الانفجارات وأصوات الرصاص والقنابل آثارا شاهدة على قسوة الحياة في نفوس السكان المدنيين وقلوبهم، حيث يروي الكثيرون قصصاً عن الدمار الذي سببه القتال والقذائف التي اخترفت جدران المنازل، وعن فقدان الأحبة والجروح العميقة التي يصعب التآمها.
روت لنا أمينة كيف قتل طفلها الصغير ذو الخمس سنوات عندما سقطت على رأسه أجزاء من سقف كانوا يلوذون به في مدينة حزة بعد فرارهم من مدينة مسرابا، وتقول: "لم نتمكن من إنقاذه أو سحبه من تحت الأنقاض، فأخدت بناتي الأربعة إلى معبر حمورية للنجاة بحياتنا".
تدمع عيناها وتبدأ معها بناتها بالبكاء على فقدان شقيقهن الصغير، بينما ترينا آثار الشظايا المتفرقة التي تؤلمها على أطرافها وظهرها، وتقول: "قررنا أنا وزوجي الخروج من مسرابا عندما اشتد القتال وأراد زوجي أن يؤمن مبلغا مالياً يمكن لنا به أن نتدبر نفقات العيش عند الخروج، فذهب إلى مدينة دوما ليبيع بعض الأرز والفول، وبعدها انقطع اتصالنا به، ولم نعد نعرف عنه شيئاً، وأنا وحيدة هنا مع بناتي الصغيرات ياسمين ونسيم وهبة ومريم".
كل ما تأمله أمينة اليوم هو أن يلتم شملها بزوجها، وأن يتمكن من الخروج من الغوطة الشرقية بأمان، فهي وحيدة وتعاني من مشاكل صحية ولا يمكن لها تأمين نفقات المعيشة لبناتها الصغيرات.
وبالرغم من كل مشاهد البؤس والشقاء التي وصل إليها السكان المقيمون في مركز إيواء الحرجلة، إلا أن الابتسامات ما زالت تعلو وجوه البعض ممن تمكنوا من لقاء أحبائهم بعد سنين طويلة. فقد خرج أنس من الغوطة الشرقية مع والدته وشقيقه وزوجتيهما وشقيقتيه. وعلى الرغم من أنهم تركوا كل شيء خلفهم في حمورية، إلا أن السعادة كانت تتملك جميع أفراد هذه الأسرة بعدما اجتمعوا أخيراً بوالدهم الذي كان يعيش في دمشق بعد طول غياب. ورغم أنهم أمضوا جميعهم الليلة الماضية فوق بضعة فرشات وبطانيات في العراء، إلا أنهم سعداء رغم كل ما يحصل معهم. يقول أنس: "لا يوجد لدينا مشكلة فنحن سعداء لأننا مع بعضنا البعض الآن".
احتياجات السكان الفارين من العنف لا تتوقف عند الطعام والشراب، فكثيرون منهم يروون قصصاً عن مكوثهم في الأقبية لشهرين أو ثلاثة وكيف أنهم لم يستحموا منذ فترات طويلة ويعانون من نقص في المياه في مركز الإيواء وعن حاجتهم الملحة للمراحيض ودورات المياه وأدوات النظافة.
ومع اكتظاظ السكان في مراكز الإيواء والنقص في المياه ومرافق الصرف الصحي، فإن السكان معرضون للإصابة بالأمراض المعدية التي يمكن لها أن تتفشى بينهم سريعاً.
ومنذ منتصف شهر آذار/مارس الماضي يجري استقبال النازحين من الغوطة الشرقية في مبان عامة في محافظة ريف دمشق، معظمها عبارة عن مبان غير مكتملة أو هنغارات أو مدارس. وعلى الرغم من تكاتف الجهود المشتركة المبذولة لتلبية احتياجاتهم الإنسانية، إلا أن الإحتياجات تفوق بكثير الموارد المتاحة لجميع الشركاء في العمل الإنساني في سوريا. ووفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا، فإنه تمّ استقبال 83,288 شخص مدني في ثمانية مراكز إيواء مؤقتة بريف دمشق، ولا يزال حتى الآن 44,474 شخصاً منهم يقيمون في هذه المراكز.
قدمت المفوضية ما يزيد عن 247,000 مادة من مواد الإغاثة الأساسية، بما فيها الأغطية البلاستيكية والبطانيات والفرشات وأوعية المياه وأدوات الطبخ ومسلتزمات النظافة وغيرها، ووفرت أيضاً خدمات الحماية، ولا سيما الاستشارات القانونية، إذ يعمل خمسة وثلاثون محام ومتطوع لدى شركاء المفوضية على تقديم الاستشارات القانونية حول تسجيل الأحوال المدنية كالولادات والزواج واستخراج الوثائق المدنية المفقودة كالهوية الشخصية ودفتر العائلة وغيرها. ويعتبر فقدان الوثائق المدنية القضية الأكثر انتشاراً بين السكان النازحين من الغوطة الشرقية، والحاجة الأساسية لمعظمهم. فعلى سبيل المثال، لا يمكن لأسرة أن تستأجر منزلاً دون وجود دفتر العائلة.
وخلال السنوات السابقة، واجه السكان المدنيون مشاكل كبيرة في تسجيل حالات الزواج والولادات والوفيات، ومنهم من اضطر للزواج العرفي الذي نتج عنه أطفال غير مسجلين لدى دائرة الأحوال المدنية، الأمر الذي يمكن أن يحرم هؤلاء الأطفال من الحصول على حقهم في التعليم وغيره من الخدمات الأساسية الأخرى في المستقبل. ويقوم موظفو المفوضية بزيارات ميدانية على مدار الأسبوع للاطلاع على الاحتياجات وتلبيتها بالتنسيق مع الشركاء.