أفضل لحظات ريو 2016 في عيون اللاجئين الأولمبيين

 

في الصباح المبكر لأحد الأيام، صحا العداء الجنوب سوداني ييش بور بييل في غرفته في القرية الأولمبية لريو دي جانيرو وأجاب على اتصال من رقم لم يعرفه، فخرج من السماعة صوت لم يكن قد سمعه منذ سنوات.

قال بييل الذي فُصل عن أهله عند فراره من الحرب في بلاده عام 2005 وكبُر كلاجئ في كينيا: "كانت تلك أمي. لم أكن أعرف ما إذا كانت حية أو ميتة ولم تكن تعرف ما إذا كنت حياً أو ميتاً، وفي الواقع كانت تظنني ميتاً. كان الأمر رائعاً بالفعل وما زلت غير قادر على تصديقه حتى اليوم." رأى شخص يعيش قرب قريته الناصر في جنوب السودان إعلاناً على فيسبوك عن مشاركته في الفريق الأولمبي للاجئين خلال الألعاب الأولمبية الصيفية 2016 التي ستُقام في ريو دي جانيرو. وكان هذا الشخص يعرف والدته نياغوني توت، وهي مزارعة، فاصطحبها إلى مكتب إحدى وكالات الإغاثة حيث أجرت الاتصال.

" كانت تلك أمي. لم أكن أعرف ما إذا كانت حية أو ميتة"

 

وبعد حوار مرِح واحد دام لساعة من الوقت، تلاشى كل الريب الذي كبُر معه كمراهق وشاب حول ما إذا كانت عائلته قد نجت أم لا. ويقول بييل بابتسامة عريضة: "لا تعرف ما هي الألعاب الأولمبية ولكنها فهمت أنني ذهبت إلى مكان بعيد وأنني سأعود وأنني بخير. ويجعلني كل ذلك أصدق أن كل شيء ممكن طالما تعمل بجد وتقوم بأعمال الخير."

 

وبييل المتخصص في العدو لمسافة 800 متر هو من بين خمسة عدائين من جنوب السودان صنعوا التاريخ بمشاركتهم في الفريق الأولمبي للاجئين المؤلف من 10 أعضاء، في ألعاب ريو 2016، والذين غيرت التجربة حياتهم-بطرق غير متوقعة في غالب الأحيان.

كينيا: أولمبيون لاجئون يتذكرون ألعاب ريو 2016

والآن، وبعد أن عادوا إلى مخيمهم التدريبي الواقع في منطقة عالية الارتفاع في شمال العاصمة الكينية نيروبي، بدل العداؤون غرف النوم الحديثة المطلة على شواطئ المحيط الأطلسي بمساكن من الحجر الرمادي ذات الطابق الواحد. والفطور هو أيضاً حليب طبيعي طازج بدلاً من الموائد الباذخة.

يشعر كل منهم بفخر كبير بمشاركته في أكبر حدث عالمي لتمثيل اللاجئين حول العالم البالغ عددهم 21.3 مليون شخص، من أصل عدد قياسي من النازحين قسراً يبلغ حالياً 65.3 مليون شخص.

ويقول بييل: "عندما وقفت عند الخط البداية، شعرت بأن عيون اللاجئين في العالم تنظر إلي. أردت أن أظهر لهم أنه لا داعٍ ليخجلوا بأن يسموا أنفسهم لاجئين وبأننا قد نكون أكثر من مجرد أشخاص يفرون من الحرب. فالأمر يعتمد فقط على الجهد الذي نبذله لتغيير هذا الواقع."

"عندما وقفت عند الخط البداية، شعرت بأن عيون اللاجئين في العالم تنظر إلي."

 

وتوافقه الرأي أنجيلينا ناداي لوهاليت التي ركضت مسافة 1,500 متر، وتقول بأن الفترة التي أمضتها في ريو مع أشخاص كرسوا حياتهم لبلوغ أهدافهم عززت إيمانها بأهمية الطموح والتركيز على تحقيقه.

وتقول لوهاليت التي فرت من وطنها عندما كانت في السادسة من العمر وكبرت بعيداً عن أهلها في مخيم كاكوما للاجئين في شبه الصحراء في شمال كينيا: "كلاجئ، لا يمكنك فقط أن تقول بأنك مهجر من بلادك ولا تستطيع فعل أي شيء وتعتمد فقط على ما يقدمه الآخرون. فكر على الأقل بشيء إضافي يمكنك القيام به، فإيمانك بقدراتك يقويك."

لكل من العدائين ذكريات مختلفة من الألعاب الأولمبية. فقد تذكر بييل مثلاً اتصال والدته، تلاه تسجيله أفضل وقت شخصي خلال سباقه وتقدمه على باقي العدائين. أما بالنسبة للوهاليت، فكان ما تذكرته لقاؤها وتنافسها مع أفضل الرياضيين من حول العالم. وقال الاثنان بأنهما استمتعا بالسياحة في ريو بعد انتهاء سباقاتهما. وتقول لوهاليت ضاحكةً: "كانت هنالك أمور كثيرة فاجأتني: كانت المباني مرتفعةً جداً فخفت في البداية من الاقتراب من نافذة غرفتي والنظر إلى الأسفل. كان الطعام مثيراً جداً للاهتمام. فقد اجتمع الرياضيون من جميع أنحاء العالم في قاعة الطعام في القرية الأولمبية وتناولوا أطباقاً لم أكن أعرفها.

"كانت المباني مرتفعةً جداً فخفت في البداية من الاقتراب من نافذة غرفتي والنظر إلى الأسفل"

 

"وما لفتني أيضاً هو طريقتهم في شق الطرق في الجبال. تعين علي تصوير هذه الأنفاق لأريها للناس وإلا فلن يصدقوني."

أما روز ناتيكي لوكونيين التي قادت فريق اللاجئين إلى الملعب الأولمبي خلال الحفل الافتتاحي، فقد أذهلتها رؤية المحيط للمرة الأولى في حياتها.  وقال جايمز نيانغ شيينجيك مستشار فريق اللاجئين البالغ من العمر 28 عاماً وباولو أموتون لوكورو الذي شارك في سباق الـ 1,500 متر بأن أفضل ما يتذكرانه هو هتاف الحشود خلال سباقاتهما. ويخطط كل من العدائين لمتابعة تدريبه بدعم من مؤسسة تيغلا لوروب للسلام والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ويقول بييل: "كما تعلمون، إنها البداية بالنسبة لنا جميعاً وأنا أقول لزملائي اللاجئين وفي الواقع أقول للجميع بأن تحقيق الإنجازات الرائعة يستغرق وقتاً وأن التحديات ستواجههم، ولكن الأهم هو عدم فقدان الأمل."