مشروع ألماني يحوّل "زوارق الموت" إلى منتجات أنيقة

"أردنا حقاً إيجاد طريقة للعمل مع الوافدين الجدد وليس العمل لهم، لندرك أن هنالك أشخاص يتمتعون بمهارات وخبرات مذهلة".

فريق "ميميكري" أثناء العمل في مشغلهم في برلين.
© UNHCR/Gordon Welters

تذكرنا الخدوش والبقع على هذه المادة المطاطية السميكة التي يحملها الخياط عابد علي بالماضي القاسي الذي مرت به، وهو شيء مألوف جداً بالنسبة له. 

يدرز الباكستاني البالغ من العمر 35 عاماً جزءاً من زورق مرمي كان قد استخدمه لاجئون، ليحوله إلى حقائب في ورشة عمل في برلين. 

ركب عابد، وهو طالب لجوء يعيش الآن في برلين، زورقاً مطاطياً مكتظاً في تركيا عام 2015 بعد فراره من الخطر بالقرب من منزله في لاهور. وقد أُجبر على توجيه القارب المزدحم مع حوالي 50 شخصاً باتجاه جزيرة ليسفوس اليونانية. 

يقول عابد الذي لم يتمكن من نسيان اللحظة التي كاد أن ينقلب فيها الزورق المتداعي الذي كان فيه بسبب مرور سفينة أكبر: "إنها ذكرى سيئة للغاية. أفكر فيها أحياناً عندما أمسك هذه المادة بيدي. ولكنْ، أصبح ذلك من الماضي. أعيش اليوم من خلال هذا العمل. وأنا سعيد لأنني أصنع الكثير من الأشياء الجميلة". 

 "أعيش الآن من خلال هذا العمل" 

"ميميكري" هي منظمة غير ربحية تعيد تدوير المطاط إلى حقائب أنيقة. أسستها نورا عزاوي وفيرا غونتر اللتان خطرت لهما فكرة إنشائها عندما كانتا متطوعتين لمساعدة الوافدين الجدد إلى جزيرة خيوس اليونانية في شتاء عام 2015. 

تقول فيرا التي تبلغ من العمر 31 عاماً: "لقد كانت أوقاتاً جنونية حقاً وكان يصل الكثير من القوارب. كنا موجودين بين الوافدين وكنا ننظف الشواطئ ونرمي كل هذه المواد. ثم أدركنا أن القيام بأمر يترك أثراً ليس بالأمر الصعب إن أردت فعل ذلك". 

بدأت فيرا ونورا التفكير في طرق لإعادة استخدام مواد القوارب التي سيتم التخلص منها على أي حال. في ألمانيا، قررتا إعطاء زورق مرمي لأحد أصدقائهما، وهو مصمم أزياء، فحوله إلى حقيبة ظهر متينة. عندها تبلورت فكرتهما لإنشاء عمل يوظف خياطين من الوافدين الجدد، لتولد منظمة "ميميكري". 

تقول فيرا: "أردنا حقاً إيجاد طريقة للعمل مع الوافدين الجدد وليس العمل لهم، لندرك أن هنالك أشخاص يتمتعون بمهارات وخبرات مذهلة". 

  • عابد (يمين) يعمل مع نورا المشاركة في تأسيس "ميميكري" على منتجات جديدة.
    عابد (يمين) يعمل مع نورا المشاركة في تأسيس "ميميكري" على منتجات جديدة. © UNHCR/Gordon Welters
  • نورا، 30 عاماً، تظهر المكان الذي جمعوا منه الزوارق في اليونان.
    نورا، 30 عاماً، تظهر المكان الذي جمعوا منه الزوارق في اليونان. © UNHCR/Gordon Welters
  • ركب عابد زورقاً مطاطياً في تركيا في عام 2015 بعد فراره من الخطر في باكستان.
    ركب عابد زورقاً مطاطياً في تركيا في عام 2015 بعد فراره من الخطر في باكستان. © UNHCR/Gordon Welters
  • إيلاء ساجي، 44 عاماً، تعمل كخياطة في ميمكري.
    إيلاء ساجي، 44 عاماً، تعمل كخياطة في ميمكري.  © UNHCR/Gordon Welters
  • عابد (يمين) في ورشة العمل مع مؤسِستي ميميكري نورا (في الوسط) وفيرا (يسار).
    عابد (يمين) في ورشة العمل مع مؤسِستي ميميكري نورا (في الوسط) وفيرا (يسار). © UNHCR/Gordon Welters
  • حقائب اليد والمحفظات الصغيرة هذه مصنوعة من القوارب المطاطية.
    حقائب اليد والمحفظات الصغيرة هذه مصنوعة من القوارب المطاطية. © UNHCR/Gordon Welters
  • إحدى حقائب الظهر التي تصنعها "ميميكري" من الزوارق المطاطية.
    إحدى حقائب الظهر التي تصنعها "ميميكري" من الزوارق المطاطية.  © UNHCR/Gordon Welters
  • فيرا وعابد وإلاهي ونورا خارج ورشة عمل ميميكري".
    فيرا وعابد وإلاهي ونورا خارج ورشة عمل ميميكري". © UNHCR/Gordon Welters

أمنّت المؤسِستان اللتان لا تملك أي منهما خبرة في التصميم أو الخياطة التمويل وقامتا ببناء فريقهما. وجدتا عابد الذي كان يعمل طوال حياته كخياط، بعد وضع نداء على الإنترنت يطلب عمالاً ماهرين في الخياطة بين الوافدين الجدد إلى ألمانيا. لاحظتا مهاراته بسرعة، وطلبتا منه المشاركة في تصميم المنتجات. 

تقول نورا البالغة من العمر 31 عاماً أيضاً: "إن عابد هو جزء أساسي للغاية من فريقنا. إنه خبير في خياطة المواد. لقد تعلمنا الكثير من بعضنا البعض. نريد أن نظهر أنه من الممكن إدماج الوافدين الجدد في القوى العاملة وأن نكون مثالاً إيجابياً لكيفية نجاح ذلك". 

إلى جانب عابد، يضم فريق "ميميكري" وافدَين جديدَين من إيران وسوريا ويصنعان منتجات من الزوارق القديمة التي يجمعها المتطوعون الذين ينظفون الشواطئ في خيوس. يتم تنظيف المطاط وتعبئته ليجري شحنه إلى برلين، حيث يختار الفريق الأجزاء القابلة للاستخدام.

 "لقد تعلمنا الكثير من بعضنا البعض"

يتم تحويل الحلقات الخارجية السميكة للزوارق المطاطية ذات اللون الأسود والرمادي والأبيض إلى حقائب، في حين تحوَل الأنابيب الداخلية الملونة إلى منتجات أصغر مثل سلاسل المفاتيح وحقائب اليد الصغيرة. المنتجات أنيقة، لكنها تطلبت جهداً كبيراً. 

تقول فيرا: "يعد العمل مع هذه المواد التاريخية مسؤولية كبيرة. في كل مرة نقوم فيها بتفريغ قارب جديد وفتحه، يخالجنا شعور عميق. إنه يحمل بالفعل قصة. أعتقد أن عملية تحويله إلى شيء جديد مؤثرة وملهمة. نريد أن يغير الناس نظرتهم حول ما كان عليه من قبل وما يمكن أن يكون عليه الآن. نريدهم أن يفكروا في تاريخه وأن يطوّروا قصة جديدة تماماً". 

بعد مرور عام من العمل، تنتقل منظمة "ميميكري" إلى مساحة عمل خاصة بها وستُطلق قريباً مجموعة جديدة من المنتجات. وتأمل مؤسِساتاها في مواصلة رفع مستوى الوعي حول وفيات اللاجئين في البحر وإتاحة الفرص للأشخاص الذين يكافحون من أجل إيجاد عمل.

بالنسبة لعابد، فإن صنع الحقائب من الزوارق هو المفتاح لحياته الجديدة: "عندما جئت إلى ألمانيا لم أفكر سوى بإيجاد مكان آمن للعيش فيه. الناس هنا طيبون جداً. ولدي الآن عمل ومهنة. إنه جو عائلي".