أنجلينا جولي تزور غرب الموصل وتلتقي بعائلات عراقية عائدة إلى منازلها المدمرة
التقت المبعوثة الخاصة للمفوضية بالعائلات التي نجت من أعوام من الذعر والنزوح. وعلى الرغم من أنه يبدو أن العالم قد نسيهم، إلا أنهم عازمون على إعادة البناء.
المبعوثة الخاصة للمفوضية أنجلينا جولي تلتقي بفلك، 8 أعوام، في زيارة إلى غرب الموصل، العراق.
© UNHCR/Andrew McConnell
زارت المبعوثة الخاصة للمفوضية أنجلينا جولي اليوم غرب الموصل، وهي منطقة حضرية احتلها تنظيم الدولة الإسلامية إلى حين تحريرها في الصيف الماضي. وبعد السير بين المباني المدمرة المنتشرة في شوارعها الهادئة والالتقاء ببعض أول العائلات العائدة، حثت العالم على عدم نسيان المآسي التي عانوا منها وعدم تجاهل الصعوبات الجديدة التي يواجهونها الآن.
قالت جولي متحدثةً أمام جامع النوري المدمر في المدينة القديمة: "إنه أسوأ مشهد دمار رأيته طوال الأعوام التي عملت فيها مع المفوضية. خسر هؤلاء الأشخاص كل شيء والصدمة والخسارة اللتين عانوا منهما لا مثيل لهما".
وأعربت المبعوثة الخاصة عن دهشتها بقدرتهم على الاستمرار على الرغم من أن العالم يبدو غير مبالٍ.
وقالت: "لا أملك الكلمات لوصف القوة التي تتطلبها إعادة البناء بعد خسارة كهذه. ولكن هذا ما يفعله سكان هذه المدينة. إنهم يشعرون بالحزن والصدمة ولكنهم يتمتعون بالأمل أيضاً، ويزيلون حطام منازلهم بأيديهم ويتطوعون ويساعدون بعضهم البعض، ولكنهم يحتاجون لمساعدتنا".
"إنه أسوأ مشهد دمار رأيته طوال الأعوام التي عملت فيها مع المفوضية". وشكلت الزيارة المَهمة الحادية والستين لجولي، وزيارتها الخامسة إلى العراق مع المفوضية منذ عام 2001، وتزامنت مع اليوم الثاني من عيد الفطر الذي يخطط الكثير من السكان لإمضائه مع الأقرباء. في هذا الوقت من العام الماضي، كانت المدينة تتعرض لإطلاق نار كثيف وللقصف والضربات الجوية، قبل بضعة أسابيع من التحرير.
إن الأشخاص الذين فروا إلى شرق الموصل أو إلى مخيمات في جنوب المدينة، يعودون الآن ببطء. ولكنهم يرجعون إلى مشاهد من الدمار الهائل. لم يبقَ أي مبنى سالماً ولم يبقَ أي لوح من الزجاج غير مكسور.
أطلعت عائلة محلية جولي على الأضرار التي لحقت بمنزلها الذي ورثته عن أجدادها والذي بُني منذ قرن. وتحدث محمد البالغ من العمر 47 عاماً، عن ولادته وزواجه هناك وكيف أن قذيفة اخترقت السقف في صباح أحد الأيام في يونيو الماضي متسببةً بتعرض ابنته البالغة من العمر 17 عاماً لإصابة شديدة. وقال بأنه عندما حملوها للحصول على الرعاية الطبية، تم صرفهم ونزفت حتى الموت.
وقال وعيناه مغرورقتان بالدموع: "كانت زبيدة اجتماعية جداً ومليئة بالحيوية وبسيطة جداً وكريمة. كانت تحرم نفسها من الطعام الذي كان محدوداً جداً حينها، من أجل أشقائها".
يعيش محمد الآن وزوجته هدى وأطفالهما الثلاثة الناجون في منزل أصدقائهما في الجوار. ولكن المكان مكتظ جداً ولا يستطيعون البقاء هناك لوقت أطول.
وقال محمد: "أريد أن أعيد بناء المنزل وأن أعود إلى هناك حتى وإن كان لدي ذكريات مؤلمة فيه. إلى أين سأذهب؟ يجب أن أعود إلى منزلي".
في الموصل، وهي ثاني أكبر مدينة في العراق، هناك حوالي 40,000 منزل بحاجة لإعادة التأهيل. وقد بدأت المفوضية مع شريكها، منظمة نداء الإنسانية، بتقديم المساعدة النقدية للعائلات العائدة حتى تتمكن من ترميم أو إعادة بناء منازلها. تهدف المبادرة للوصول إلى 1,500 عائلة في هذا العام.
من دون هذه المساعدة، تواجه العائلات العائدة إلى هنا خطر العيش في فقر أكبر. ونتيجة عدم توفر المآوي والبنى التحتية والخدمات والوظائف، ينزح الآلاف مجدداً باحثين عن مآوٍ في مخيمات خارج المدينة.
حتى الآن، تُعتبر جهود إعادة البناء بسيطة. في حي الزنجيلي في غرب الموصل، شوهد العديد من السكان في وقت سابق من هذا الأسبوع يمزجون الإسمنت ويركبون البلاط ويمدون الأسلاك الكهربائية في حال حصولهم على التيار الكهربائي الذي يتوفر أحياناً. وهناك شباب يوزعون مكعبات من الثلج للتبريد بواسطة شاحنة.
أطلعت عائلة عاشت هنا لأجيال جولي على خططتها لإعادة البناء ما إن تصبح الأوراق المطلوبة جاهزة. كان الأب، واسمه محمد، يدير مكتباً قريباً للتصميم الداخلي ولكنه تهدم مع منزلهم خلال القتال.
ولم تحصل ابنته فلك البالغة من العمر 8 أعوام على علاج لخلل في الجينات لأن الطبيب فر منذ عامين. قتل المسلحون قريبتها أمامها ولم تتمكن حتى الآن من نسيان هذه التجربة الصادمة. يقول محمد: "حتى الآن، عندما يسمع أطفالنا الألعاب النارية، يشعرون بخوف شديد. إنهم مصدومون".
وفي حي الزنجيلي أيضاً التقت جولي بحسن، وهو بائع خضار يبلغ من العمر 33 عاماً، الذي روى لها أنه خسر منزله مرتين: المرة الأولى عندما صادره المسلحون، وبعدها عندما حولته ضربة جوية إلى حطام. يستأجر هو وزوجته لمياء وأطفاله الثلاثة الصغار مكاناً في منزل متواضع مع عائلة أخرى.
عادت ابنتاه إلى المدرسة هذا العام وأطلعتا المبعوثة الخاصة بفخر على دفتر علاماتهما. وكانت كل واحدة منهما هي الأولى في صفها.
في هذا الوقت، قدم والدهما طلباً للحصول على المساعدة النقدية لإعادة بناء منزلهم. ومنذ استلام الدفعة الأولى منذ أسبوعين، لم يضِع أي لحظة. أنهى المرحلة الأولى مع حلول العيد، وقد بنى جدراناً وركب نوافذ وأبواباً جديدة، وسيبدأ قريباً ببناء السقف.
"هذا هو منزلي. إلى أين يمكن أن أذهب؟"
وقال حسن: "هذا هو منزلي. إلى أين يمكن أن أذهب؟ هذا هو بلدي وأبناء بلدي وجيراني. إلى أين أذهب؟ لا أحد يغادر منزله". قد يكون هذا الإصرار عنصراً أساسياً في بناء مستقبل مستقر في الموصل والعراق والمنطقة. ولكن الأشخاص كحسن سيحتاجون للمزيد من الدعم من عالم غير مبالٍ.
وقالت جولي: "من المؤسف جداً ألا يحصل أشخاص عانوا من قسوة منقطعة النظير إلا على القليل بينما يحاولون بطريقة ما إعادة بناء الحياة التي عاشوها سابقاً".