أب سوري لثمانية أولاد يروي رحلة اللجوء إلى النمسا

لم يخطر لمحمود الباشاوات بأن عملية لم شمله مع عائلته ستكون صعبةً بقدر ما كانت عليه الرحلة التي قام بها عن طريق البحر والبر.

أفراد عائلة الباشاوات يجلسون لالتقاط صورة في غرفة الجلوس في منزلهم الجديد في فيينا. وهم من اليسار إلى اليمين: عبير، آمنة، هديل، فاطمة، حياة، علي (يحمل دمية)، أمل (في الخلف) محمود، مريم، غدير.
© UNHCR/Stefanie J. Steindl

كان محمود الباشاوات، وهو أب سوري لثمانية أولاد ويبلغ من العمر 39 عاماً،  من دون عمل في مخيم اللاجئين في الأردن، وكان يعرف بأنه كان يتعين عليه القيام بشيء لضمان مستقبل عائلته. ترك زوجته وبناته السبع وابنه الصغير في إحدى الكرفانات وذهب وحده إلى أوروبا. 

لم يكن يعلم أن عملية لم شمله مع عائلته ستكون صعبة بقدر ما كانت عليه الرحلة التي قام بها عن طريق البحر والبر إلى النمسا. ويقول:"لم أكن أرى أي مستقبل لهم. كان مستقبلنا مبعثراً تحت أنقاض سوريا. لهذا السبب أتيت إلى أوروبا، من أجلهم. افترقنا لعامين ونصف". 

تطلق المفوضية حملة من أجل إزالة بعض العقبات العملية التي يمكن أن تصعب على اللاجئين الحصول على حقهم القانوني في لم شمل عائلاتهم. ويطبق حق لم الشمل على العائلات النواة بما في ذلك الأطفال دون الـ18 عاماً. وقد وصل حوالي 130,000 طالب لجوء إلى النمسا عام 2016-2017 وحصل العديد على صفة اللجوء مع حق لم شمل العائلة خلال بضعة أشهر. 

في حالة محمود، كانت تكلفة وثائق السفر مشكلة وقد اضطر للحصول على قرض لإصدار جوازات سفر لأفراد عائلته. بالإضافة إلى ذلك، كانت ابنته الكبرى عبير قد بلغت عامها الـ18 للتو، وعلى وجه التحديد فإنها لم تعد مؤهلة للحصول على هذا الحق. وكان هناك خطر بأن تبقى عالقة وحدها في الأردن. 

  • ثلاثة فتيات من عائلة الباشاوات السبع (من اليسار) هديل، 15 عاماً، وعبير، 20 عاماً، وغدير، 17 عاماً. غدير تريد أن تصبح ممرضة في حين أن عبير ستتزوج قريباً من سوري يعيش في النمسا.
    ثلاثة فتيات من عائلة الباشاوات السبع (من اليسار) هديل، 15 عاماً، وعبير، 20 عاماً، وغدير، 17 عاماً. غدير تريد أن تصبح ممرضة في حين أن عبير ستتزوج قريباً من سوري يعيش في النمسا. © UNHCR/Stefanie J Steindl
  • فتيات عائلة الباشاوات، هديل (يسار)،15 عاماً، وفاطمة (غير ظاهرة بالكامل)، 10 أعوام، وآمنة (في الوسط)، 13 عاماً، وأمل (يمين)، 8 أعوام، يجلسون على مائدة الفطور في منزلهم في فيينا بعد الانتهاء من عملية لم الشمل.
    فتيات عائلة الباشاوات، هديل (يسار)،15 عاماً، وفاطمة (غير ظاهرة بالكامل)، 10 أعوام، وآمنة (في الوسط)، 13 عاماً، وأمل (يمين)، 8 أعوام، يجلسون على مائدة الفطور في منزلهم في فيينا بعد الانتهاء من عملية لم الشمل.  © UNHCR/Stefanie J Steindl
  • تقرأ حياة الويس وابنتها مريم البالغة من العمر 6 أعوام كتاباً في منزلهما في فيينا بعد انتهاء عملية لم الشمل.
    تقرأ حياة الويس وابنتها مريم البالغة من العمر 6 أعوام كتاباً في منزلهما في فيينا بعد انتهاء عملية لم الشمل. © UNHCR/Stefanie J Steindl
  • ولد علي في الأردن كلاجئ بعدما فرت عائلته من الصراع في الوطن. وبعد الانفصال عن والده، تم لم شمل علي وأمه وأخواته مع والده في فيينا.
    ولد علي في الأردن كلاجئ بعدما فرت عائلته من الصراع في الوطن. وبعد الانفصال عن والده، تم لم شمل علي وأمه وأخواته مع والده في فيينا. © UNHCR/Stefanie J Steindl
  • فتيات عائلة الباشاوات يتحدثن ويلعبن بفرح في منزلهن الجديد في فيينا بعد انتهاء عملية لم الشمل.
    فتيات عائلة الباشاوات يتحدثن ويلعبن بفرح في منزلهن الجديد في فيينا بعد انتهاء عملية لم الشمل.  © UNHCR/Stefanie J Steindl
  • ثلاثة من أولاد عائلة الباشاوات (من اليسار) فاطمة وعلي وأمل يستقرون في منزلهم الجديد بعد لم شملهم مع والدهم في فيينا.
    ثلاثة من أولاد عائلة الباشاوات (من اليسار) فاطمة وعلي وأمل يستقرون في منزلهم الجديد بعد لم شملهم مع والدهم في فيينا. © UNHCR/Stefanie J Steindl

وتقول حياة الويس، زوجة محمود البالغة من العمر 38 عاماً، والتي استقرت في النهاية مع جميع أولادها في شقة مؤلفة من أربع غرف في فيينا: "مررنا بلحظات محزنة وأخرى مفرحة".

قبل الحرب في سوريا، كانت العائلة تعيش في منزلها في السيدة زينب في ضواحي دمشق. وكان محمود نجاراً وكان لديه عمل ناجح في مجال النوافذ. ويقول: "لم نكن لنغادر سوريا لولا الحرب. كانت حياتنا جيدة هناك".

دفع بهم القصف بدايةً إلى الانتقال إلى مدينة درعا الواقعة في جنوب غرب البلاد حيث ولد ابنهما الأصغر علي الذي أصبح الآن في الخامسة من عمره. ولكن مع امتداد القتال إلى درعا اضطروا للفرار مجدداً ولكن هذه المرة إلى الأردن حيث وجدوا اللجوء في مخيم ممول من الإمارات العربية المتحدة.

يقول محمود: "كان الأمر مقبولاً، كرفانات في الصحراء وحوالي 3,500 شخص في المخيم. ولكن كان آلاف الأشخاص يصلون أيضاً. لم تكن تلك علامة جيدة".

اللاجئ السوري محمود الباشاوات وحياة الويس يجلسان في المنزل في شقة يعيشان فيها مع أولادهما الستة بعد انتهاء عملية لم الشمل في فيينا.  © UNHCR/Stefanie J Steindl

عام 2015، قرر محمود الذهاب إلى أوروبا، وكخطوة أولى، فر إلى تركيا. تقول حياة: "كان الأمر صعباً جداً بالنسبة لي عندما غادر زوجي. بقيت وحيدة مع أولادي في المخيم".

وتقول غدير وهي الإبنة الثانية والبالغة من العمر 17 عاماً: "بقينا على تواصل معه على الواتساب، كل يوم".

ولكن محمود لم يخبر أفراد عائلته متى سيقوم بالرحلة الخطيرة عبر البحر للعبور من تركيا إلى اليونان  لأنه لم يكن يريد أن يقلقهم. ولم يرسل لهم صورة إلا لدى وصوله بأمان إلى اليونان. وتقول حياة: "كنت متفاجئة جداً وسعيدة، وبكيت".

تابع محمود رحلته عبر البلقان وهنغاريا وصولاً إلى النمسا عبر القطار في سبتمبر 2015. وبعد خمسة أشهر، حصل على صفة اللجوء وبات بالإمكان البدء في تقديم طلب لإعادة لم شمل العائلة.

في عمان، طلبت السفارة النمساوية من العائلة الحصول على جوازات سفر سورية. وحددت السفارة السورية تكلفة  كل جواز سفر بـ400 دولار أميركي، أي 3,600 دولار لتسعة أشخاص، وهو مبلغ لم يكن متوفراً لدى محمود. وكان الوقت يمضي إذ إن تأشيراتهم للدخول إلى النمسا لم تكن صالحة إلا لأربعة أشهر. 

يقول محمود: "اقترضت المال من الأصدقاء، 100 دولار من هنا و200 دولار من هناك وعدة قروض صغيرة. توجب علي أن ادفع للحكومة نفسها التي دفعت بنا للفرار. ما زلت أسدد القروض حتى الآن".

"لم نستطع العيش كعائلة مشتتة. العائلة هي أثمن شيء".

والأسوأ من ذلك أن عبير أصبحت في الـ18 من العمر، ورفضت السلطات النمساوية طلب لم شملها. وتقول: "كنت خائفة من أن أبقى وحدي ويسافر باقي أفراد عائلتي".

يقول محمود: "كنت سأجنّ. لم أستطع ترك عبير؛ وكنت أفضل العودة إلى الأردن. لم نستطع العيش كعائلة مشتتة. العائلة هي أثمن شيء".

ولحسن الحظ، وبمساعدة المفوضية، أُدرجت عبير التي أصبحت الآن تبلغ 20 عاماً من العمر في برنامج إعادة توطين بديل. وقد وصلت إلى فيينا في رحلة منفصلة قبل يومين من وصول سائر أفراد العائلة في شهر يناير. وهم جميعاً الآن يتعلمون اللغة الألمانية. 

يقول محمود: "الحمد لله نحن معاً ونبدأ حياة جديدة. لم ير أولادي سوى الحرب ولم يحصلوا على التعليم". الأطفال الصغار يذهبون إلى المدرسة والحضانة في حين أن عبير وغدير تراجعان خططهما.

غدير التي كانت تحلم في أن تصبح طبيبة أسنان تفكر في أن تصبح ممرضة. وعبير التي كانت تحلم في أن تصبح طبيبة قد تصبح أخصائية تجميل، وسوف تتزوج قريباً بعدما أعلنت العائلة خطوبتها على سوري يعيش في كلاغنفورت.

ويقول محمود: "تفضلوا إلى الزفاف. سنقيم احتفالاً سورياً كبيراً"