بعد ويلات الحرب، عائلة سورية تجد السلام في كندا

عندما أصيب محمد، وهو مراهق أصم برصاصة في عنقه، فرت عائلته للنجاة بحياتها. واليوم، يبدأون حياتهم من جديد في كندا.

عائلة الكواريت تقف على شرفة منزلها الجديد في كالغاري، كندا.   © UNHCR/J. May

كالغاري، كندا، 21 مارس/آذار (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) -بما أنه أصم، لم يسمع محمد الكواريت الطلقة النارية بينما كان يتوجه للصلاه في المسجد في مدينة الحارّة، مسقط رأسه في جنوب سوريا. لكنه عندما شعر بألم مبرح ورأى عنقه ينزف دماً، علم الفنى الذي يبلغ من العمر 15 عاماً أنه أصيب برصاصة. غطى مكان الإصابة بيديه وانتظر سيارة الإسعاف التي نقلته إلى المستشفى في محافظة درعا.

الحرب في سوريا، وهذه الرصاصة الطائشة بشكل خاص، تسببت بانتقال محمد وعائلته - المؤلفة من والدٍ وثلاثة أشقاء صمّ أيضاً- إلى لبنان. وأخيراً، وجد أفراد العائلة الأمان في كندا كلاجئين يحصلون على المساعدة من الحكومة. وقد وصلوا إلى هذه المدينة الحضراء التي يبلغ عدد سكانها 1.2 مليون شخص في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وتقول سعاد النوري، والدة محمد، متحدثةً من خلال مترجم في غرفة المعيشة الصغيرة والمفروشة بكنبات مخططة في منزلها الجديد: "إذا شكرت حكومة كندا وشعبها يومياً، فلن يكون ذلك كافياً".

وبينما تروي سعاد قصة عائلتها، يتحدث زوجها والأطفال بصمت بلغة الإشارات. وديانا التي تبلغ من العمر 10 أعوام، تحمل بين ذراعيها أخاها الصغير - الذي يعاني من شلل دماغي.

وبالنسبة للعائلة المؤلفة من ثمانية أفراد، فإن الحياة في كندا تعني العودة إلى الاستقرار الذي يحتاجون إليه حاجة ماسة بعد قضاء أعوام في الخطر والفرار. وفي الحارة، كانت سعاد وزوجها، حسان الكوريت، يديران أعمالاً ناجحة، بما في ذلك شركة بناء والعديد من المخابز. وقد حصل الأطفال على الدعم الذي يحتاجون إليه لحالاتهم. وتقول سعاد: "كانت حياتنا في سوريا جيدة جداً".

وبعد اندلاع الصراع منذ خمسة أعوام، أملت العائلة البقاء في الحارّة. وتقول سعاد: "خلال الأشهر القليلة الأولى، كان كل شيء جيد". لكن السلام لم يدم وفروا إلى منطقة أخرى في سوريا.

وبعد أشهر قليلة، حاولوا العودة إلى الحارّة، بعد التأكد من نشرات الأخبار أن الوضع آمن للعودة، لكنهم وجدوا أن منزلهم قد تدمر جزئياً بسبب القصف. وتتذكر سعاد قائلةً: "لم يكن فيه أبواب أو نوافد أو أي شيء آخر".

حاولت العائلة أن تجعله صالحاً للسكن من خلال وضع الأغطية البلاستيكية على النوافذ، لكن عودتهم لم تدم طويلاً. وبعد أشهر قليلة، أصيب محمد بإطلاق نار ومن ثم هجم المسلحون على المدينة، ما أدى إلى إجلائها سريعاً. وتتذكر سعاد أنه في اليوم الذي فرت فيه العائلة للمرة الأخيرة في عام 2014، قُتل 15 شخصاً في الاشتباك.

لجأت العائلة أولاً إلى سهل البقاع في لبنان حيث بقيت في مخيم اللاجئين في مدينة سعدنايل، قبل أن تنتقل أخيراً إلى شقة قديمة. وتقول سعاد: "انقلب وضعنا رأساً على عقب".

لم يكن الأطفل مسجلين في المدرسة وقد أرهقهم الاضطراب كثيراً. وقالت: "كانوا كأشخاص في الصحراء لا يعرفون أين يذهبون".

تم تسجيل العائلة لدى المفوضية، وسعت إلى إعادة التوطين. وعندما تلقت اتصالاً هاتفياً أعلمها بأنه تم اختيارها لإعادة التوطين في كندا، بكت سعاد من التأثر. وتقول: "لا يمكنني أن أصف شعوري. كنت سعيدةً جداً". رقص حسان والأطفال فرحاً. "كان الأمر كالاحتفال بالنسبة إلينا".

بالشراكة مع المفوضية، أعادت كندا توطين أكثر من 26,000 لاجئ سوري منذ نوفمبر/تشرين الثاني، معظمهم من اللاجئين الذين يتلقون مساعدات من الحكومة، كعائلة سعاد، والذين أعيد توطينهم في 36 مجتمعاً في أنحاء البلاد حيث يحصلون على الإعانة لمرة واحدة للبدء من جديد، بالإضافة إلى الدعم الشهري.

وصرحت نانسي كارون، المتحدثة باسم الوكالة الحكومية للهجرة واللاجئين والجنسية في كندا: "تُعتبر إعادة توطين اللاجئين جزءاً من التقليد الإنساني الذي تفتخر به كندا، وهي تظهر للعالم أننا تقاسمنا المسؤولية لمساعدة اللاجئين والمضطهدين والأكثر حاجة للمساعدة".

وعند وصول اللاجئين الذين يحصلون على المساعدة من الحكومة إلى كندا، تساعدهم المنظمات غير الحكومية على الاستقرار. وجدت الجمعية الكاثوليكية للهجرة في كالغاري منزلاً لتستأجره سعاد وحسان في شارع هادئ في واحد من أكثر الأحياء المتعددة الثقافات في المدينة. وساعدت المفوضية أيضاً على فرش منزلهم الجديد وفتح حسابات مصرفية وساعدتهم على التسجيل في الخدمات، بما في ذلك الرعاية الصحية.

وبقيت المفوضية على اتصال وثيق مع العائلة. ويقول آشور إيشو، مستشار إعادة توطين العائلة لدى الجمعية الكاثوليكية للهجرة في كالغاري: "سنتابعهم إلى أن يصبح وضعهم مستقراً".

ويحصل الواصلون الجدد أيضاً على الدعم غير الرسمي من مجموعة دعم اللاجئين السوريين في كالغاري، وهي منظمة مؤلفة من متطوعين محليين يقدمون الأثاث ومواد أخرى للاجئين. ويحرص المتطوعون على مصادقة الواصلين الجدد.

وجدت سعاد صديقة تحسن معاملتها وهي هوني جيها، أمٌّ كندية من المتطوعين. تقول جيها: "إن احتاجت أي شيء، فأنا مستعدة لمساعدتها".

ساعدت جيها سعاد وحسان على تسجيل أطفالهما في المدرسة وعرّفتهما على الأماكن التي يمكنهما أن يشتريا منها المواد الغذائية الشرق أوسطية وكيفية الوصول إلى مستشفى الأطفال. وتقول جيها: "لا يزالون بحاجة إلى المساعدة للتكيف مع الحياة والتنقل لأن كل شيء غريب بالنسبة لهم".

على الرغم من مضي ثلاثة أشهر على وجودها في كندا، تشعر سعاد أنها في وطنها. وتقول: "في كندا، أشعر وكأنني أعيش في سوريا، فهي كوطني، والأشخاص لطفاء وطيبوا القلب، وأنا سعيدة جداً هنا".

تواجه العائلة حالياً تحديات تعلم اللغة الإنكليزية والبحث عن عمل. ولتحقيق ذلك، بدأت سعاد بحضور صفوف اللغة خمسة أيام في الأسبوع. ويأمل حسان القيام بالأمر نفسه قريباً. ويقول إيشو: "إذا تعلموا اللغة سيتحسن وضعهم، لكن في الوقت الراهن نحن معهم لهذا السبب ولمساعدتهم في ما يحتاجون إليه."

يذهب هؤلاء الأطفال إلى ثلاث مدارس مختلفة في كالغاري، وفقاً لاحتياجاتهم. فبعد أن كانوا خارج المدرسة لحوالي عامين في لبنان، فإنهم يستمتعون بتواجدهم في الصف مجدداً. وتقول سعاد: "وجد الأطفال نفسهم هنا، ووجدوا اتجاههم".

ترغب ابنتها نور التي تبلغ من العمر 12 عاماً في أن تصبح معلمة. ويريد أحمد الذي يبلغ من العمر 14 عاماً أن يصبح طبيباً. ويثير محمد إعجاب الجميع بمهاراته في الملاحة. وتقول جيها: "محمد يذهلني، فعلى الرغم من أنه أصمّ إلا أنه ذكي جداً". وهو بارع في التجول في أنحاء كالغاري على نظام العبور وغالباً ما يذهب إلى المركز الترفيهي في الجوار لرفع الأثقال.

تقول جيها: "لا يعرف اللغة الإنكليزية لكنه يستطيع إضافة العناوين على الهاتف، وهو يتكيف جيداً".

سعاد متفائلة بنجاح عائلتها في البلد الذي استقبلها في وقت الحاجة، وتقول: "أحلم في أن يقدّم أطفالي شيئاً لكندا التي أنقذتنا، فنحن مدينون لها".

بقلم جيريمي كلاسزوس في كالغاري، كندا

الصورة: عائلة الكواريت تقف على شرفة منزلها الجديد في كالغاري حيث تبدأ حياتها من جديد بموجب برنامج الحكومة الكندية لإعادة توطين اللاجئين السوريين.