عائلة لاجئة ثلاث مرات تمد جذوراً جديدة في البرتغال
وجد دوريت وعائلته الأمان أخيراً في البرتغال، بعيداً عن العنف والاضطهاد اللذين طاردا حياتهم السابقة.
العائلة تقف خارج منزلها الجديد في باتاليا، البرتغال.
© UNHCR/Bruno Galán Ruiz
في مصنع للسيراميك في بلدة باتاليا الصغيرة، يقوم دوريت بتحميل على الحزام الناقل الأطباق والأوعية الجاهزة لتوضع في الفرن. وبعد 10 أشهر في هذا العمل، أصبح معتاداً على إيقاع الحياة العملية في البرتغال، البلد الذي تبناه.
يقول دوريت وهو يحاول أن يجعل صوته مسموعاً وسط ضجة الآلات: "عندما أتينا إلى هنا، لم نكن نعرف كيفية إلقاء التحية، لم نكن نعرف أي شيء. ولكن عندما تعلّمنا القليل من اللغة البرتغالية، وجدنا أن لا فرق بيننا وبين زملائنا. فنحن نعمل معاً".
وإلى جانبه في قسم الإنتاج، يقف قريباه، جمال وهاني. يأتي الرجال الثلاثة من عائلة فلسطينية عراقية كبيرة لاجئة انتقلت إلى البرتغال منذ عام واحد، بموجب برنامج الاتحاد الأوروبي للنقل إلى مواقع أخرى.
ويقول مدير الموارد البشرية روبيرتو ماديرا: "نعتقد بأننا نتحمل مسؤولية إجتماعية. نحتاج إلى أشخاص ذوي كفاءة للعمل. ونحن أكبر المشغلين في المنطقة ونحتاج إلى ملء حصتنا المخصصة للعمال".
"نعتقد أننا نتحمل مسؤولية إجتماعية".
منذ عام 2015، لعبت البرتغال دوراً فعالاً في نقل اللاجئين إلى مواقع أخرى، إذ نقلت أكثر من 1,200 لاجئ إلى البلدان والمدن في أنحاء البلاد. وقد زاد رئيس الوزراء أنطونيو كوستا تعهد بلاده من 4 آلاف الى 10 آلاف، الأمر الذي يعتبره الكثيرون محاولة لتعزيز اقتصاد البلاد.
تضررت البرتغال كثيراً جراء الأزمة الاقتصادية العالمية، وقد أجبر العديد من الشباب في البلد على المغادرة بحثاً عن عمل. ولم يعتبرها العديد من اللاجئين وطناً جديداً محتملاً.
تعتقد سينتيا سيلفا، المستشارة المحلية في باتاليا، أن البلد يملك الكثير ليقدمه للواصلين الجدد. وتقول: "يكمن نجاح عمليتنا في مشاركة القطاع الخاص أيضاً، والقطاع الاجتماعي حتى- فالجميع يعمل معاً. ومن السهل العمل مع المجتمعات الصغيرة حيث يعمل الجميع لتحقيق نفس الهدف، وهو الاندماج. ويشعر اللاجئون بأنه مرغوب فيهم ومطلوبون هنا".
تتمتع الحياة في بلدة صغير بإيجابياتها بالنسبة إلى عائلة دوريت المؤلفة من أربعة أجيال، التي تهجرت ثلاث مرات في حياتها. وبدأ الأمر في عام 1948 مع الجدّة تقية، البالغة من العمر حالياً 77 عاماً، التي فرت من العنف في بلدة حيفا. عاشت في بغداد لأكثر من 50 عاماً إلى حين سقوط صدام حسين في عام 2002.
لكن بعد أن دمر العنف وعدم الاستقرار حيّها، شعرت العائلة بأنها لا تستطيع البقاء. ولكن عندما خُطف حفيدها واحتجز مقابل فدية، قررت الفرار. وسرعان ما تمكنت من إطلاق سراحه، وفر قسم من العائلة إلى سوريا في حين أن القسم الثاني فر إلى ليبيا. ولم يقدّم أي من البلدين الاستقرار الدائم.
في عام 2012، انضم أفراد العائلة في سوريا إلى الآخرين في ليبيا بعد أن ضربت الصواريخ منزلها. وبعد ذلك، عندما وصل المتطرفون إلى مدينة سرت في ليبيا، أُجبرت على الفرار مرة أخرى. يتذكر دوريت قائلاً: "كان الأمر مروعاً. ولم يكن هناك أمن. ونُفذت عمليات الإعدام في الشوارع وأجبرونا على المشاهدة ولم أرد أن يرى أطفالي ذلك. واضطرت زوجتي لارتداء النقاب – وكانت تشعر بالخوف من مغادرة المنزل وتعرضنا للسرقة عدّة مرات".
في سبتمبر 2015، صعد أفراد العائلة الثمانية على متن قارب صيد، إلى جانب أكثر من 500 راكب من إفريقيا وسوريا. وسمح لهم المهربون بأخذ معهم حقيبة واحدة من الطعام والمياه. وطوال اليوم، طافوا في البحر وهم خائفين، إلى أن تم رصدهم من قبل قارب الإنقاذ الإيطالي.
لا تزال سوسن، إبنة تقية، تتذكر عملية إغاثتها. "عندما وصلوا لإنقاذنا ونقلنا إلى قارب كبير، شعرت كأنني ولدت من جديد. وأدركت أننا بأمان. وبدأنا صفحة جديدة".
خلال العام التالي، تم نقل العائلة من مركز استقبال إلى آخر في جزيرة لامبيدوزا، إلى أن وصلت أخيراً إلى روما. وكان أملها الأول هو الانضمام إلى أفراد العائلة الآخرين في السويد، لكن اختارت المشاركة في برنامج النقل إلى موقع آخر.
"حتى بالنسبة إلينا، نحن نتعلم يومياً. من الجيد وجود ثقافات مختلفة".
بعد عام على حياتها الجديدة في بلدة باتاليا الصغيرة، أصبحت العائلة جزءاً من هذا المجتمع الصغير. يذهب الفتيان إلى المدرسة المحلية ويتحدثون البرتغالية بطلاقة. وتشارك تاقيا في صفوف لممارسة التمارين بشكل منتظم في البلدية، في حين أن سوسن وابنتها تهاني قد أصبحتا معروفين في السوق. وكل أسبوع، تأتي معلمة محلية إلى المنزل لتقديم دروس اللغة إلى البالغين.
تقول المستشارة سينتيا: "الجميع يعرفونهم. إنهم أصدقاؤنا ونذهب إلى منزلهم، وهم يدعوننا دائماً لشرب الشاي وتناول العشاء وتذوق مختلف الأطعمة. وحتى بالنسبة إلينا، فإننا نتعلم كل يوم. ومن الجيد وجود ثقافات متعددة، لكي يتعلم الجميع من هذه التجربة".
منذ شهرين، رحبت العائلة بمولودها الجديد، آدم، الذي ولد في المستشفى المحلي في باتاليا. يشرح دوريت وهو ينظر إلى ابنه ما تعني هذه الفرصة الجديدة للأجيال الأربعة. ويقول: "كفلسطيني غادر في عام 1948، فنحن لاجئون منذ أكثر من 70 عاماً. ومن أهم الأمور بالنسبة إلينا هي الاستقرار الذي لم نعشه في العراق أو سوريا أو ليبيا".