ماذا يحدث للمهاجرين المراهقين في صقلية؟
"كان الجزء الأصعب هو عبور الصحراء. طوال ثلاثة أيام وثلاث ليال، تمشي وتمشي وتنظر حولك فلا ترى سوى الصحراء،" كما تذكر موسى* البالغ من العمر 18 عاماً، وهو من غامبيا. وبعد أن نجا من رحلته عبر الصحراء، اضطر لتحمل العمل القسري والعنف في ليبيا.
ووصل أخيراً إلى بر السلامة في إيطاليا على متن قارب تهريب منذ ما يقرب من عام، لكنه لا يزال يعيش في مركز استقبال مؤقت أو "أول" للقصر غير المصحوبين بذويهم في بريولو، على جزيرة صقلية، انتظاراً للبت في طلب اللجوء الخاص به. ورفيقه في غرفته في المركز هو أمادو* الذي كان يبلغ من العمر 17 عاماً عندما غادر بلده مالي. وتم انقاذه من قارب قبل غرقه في البحر الأبيض المتوسط وإحضاره إلى إيطاليا قبل خمسة أشهر.
وقال موسى: "لا يوجد شيء يمكن القيام به في المركز. نقضي اليوم في تصفح شبكة الانترنت، وأحياناً نلعب كرة القدم. وأحاول تعلم اللغة الإيطالية على الانترنت لأننا لا نتلقى دروساً هنا".
كان ينبغي نقل موسى وأمادو إلى أماكن إقامة طويلة الأجل للقاصرين غير المصحوبين تُعرف باسم "المجتمعات السكنية" (communità de alloggio) في غضون شهرين من وصولهما. وربما كانا سيحصلان على دروس في اللغة الإيطالية وتعليم في أحد هذه الملاجئ.
لكن إيطاليا استقبلت ما يقرب من 12,000 طفل غير مصحوب بذويه في عام 2015، وعبر 7,009 أطفال غيرهم البحر الأبيض المتوسط من شمال أفريقيا في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، أي أكثر من ضعف العدد المسجل في العام الماضي خلال نفس الفترة.
ووفقاً لصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، سافر ما يقرب من 9 من كل 10 أطفال لاجئين ومهاجرين وصلوا إلى إيطاليا هذا العام بمفردهم، وتتعرض قدرة إيطاليا على استضافتهم الآن لضغط شديد.
"مأساة هادئة"
"في حين تتركز جميع الأنظار على اليونان ودول البلقان، طرأت مأساة هادئة في وسط البحر الأبيض المتوسط،" كما أفادت سارة كرو المتحدثة باسم اليونيسف، التي نشرت تقريراً في وقت سابق من هذا الشهر بعنوان "الخطر في كل خطوة على الطريق"، حذرت فيه من مخاطر سوء المعاملة والاستغلال والموت التي يواجهها الأطفال غير المصحوبين بذويهم أثناء سفرهم من شمال أفريقيا إلى إيطاليا. ولم تتضح بعد الأسباب التي أدت إلى هذه الزيادة.
وعلى عكس طريق شرق المتوسط بين تركيا واليونان، لا يستخدم هذا الطريق المحفوف بالمخاطر عبر شمال أفريقيا سوى عدد قليل من الأسر. وكان 70 بالمائة من حوالي 28,000 وافد إلى إيطاليا خلال الفترة من يناير إلى يونيو من الرجال البالغين، ولكن كان هناك أيضاً 7,567 طفلاً، سافر 92 بالمائة منهم بمفردهم.
وتُظهر بيانات المنظمة الدولية للهجرة أن غالبية الأطفال غير المصحوبين الذين يصلون إلى إيطاليا من مصر وغامبيا وغينيا وساحل العاج.
وقد لاحظت سيمونا موسكاريللي، الخبيرة القانونية في المنظمة الدولية للهجرة في إيطاليا، ارتفاع عدد الوافدين من مصر هذا العام، وأن معظمهم من القُصّر. وقد يكون عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في مصر، فضلاً عن الضغوط العائلية على القُصّر لتقديم مساعدة مالية، من بين العوامل الدافعة لذلك. ويسمح اتفاق إعادة القبول بين إيطاليا ومصر بعودة المهاجرين الذين لا يحق لهم الحصول على اللجوء، لكن القانون الإيطالي يمنع إعادة الأطفال.
ولفهم هذه الزيادة في أعداد القُصّر القادمين من غرب أفريقيا "ينبغي إجراء بحوث أكثر بكثير حول ما يحدث حقاً ودوافع ذلك. ونحن نعلم أنه في حالة طريق أغاديز، تم استخدامه منذ عقود،" كما أوضحت كرو من اليونيسف.
وتُعد مدينة أغاديز في النيجر مركزاً لتهريب المهاجرين القادمين من غرب أفريقيا، والمتجهين إلى أوروبا عبر ليبيا. ووفقاً لتقرير اليونيسف، غالباً ما يستخدم الأطفال غير المصحوبين بذويهم الذين يسافرون على هذا الطريق نظام "ادفع ثمن كل مرحلة على حدة" لتعويض المهربين، الأمر الذي يجعلهم عرضة للعمل القسري بشكل خاص. وقد أفاد الأخصائيون الاجتماعيون الإيطاليون أن الفتيان والفتيات يتعرضون للاستغلال الجنسي على حد سواء ويُجبرون على ممارسة الدعارة أثناء وجودهم في ليبيا، وأن بعض الفتيات يصلن إلى إيطاليا وهن حوامل.
أطفال عالقون في "النقاط الساخنة"
وحتى أولئك الذين يصلون إلى إيطاليا في نهاية المطاف، تكون معاناتهم بعيدة كل البعد عن نهايتها.
"إيطاليا تفعل الكثير من أجل إنقاذ الأرواح في البحر، ولكن المشكلة تبدأ حقاً عندما يصل الأطفال إلى اليابسة،" كما قالت جوديث ساندرلاند من منظمة هيومن رايتس ووتش، التي زارت مراكز استقبال المهاجرين في صقلية في شهر يونيو.
وتحت ضغط من الاتحاد الأوروبي، أنشأت إيطاليا أربع "نقاط ساخنة" في وقت متأخر من العام الماضي حيث يبدأ تسجيل وفحص المهاجرين واللاجئين الذين وصلوا حديثاً وأخذ بصماتهم لأول مرة. ومن المفترض أن يوضعوا في مراكز الاستقبال الأولية، حيث تكون المرافق محدودة، لمدة لا تتجاوز 72 ساعة قبل أن يتم نقلهم إلى مراكز أخرى أفضل تجهيزاً لمدة أطول.
ولكن جميع الملاجئ التي تأوي الأطفال غير المصحوبين بذويهم لفترات أطول في صقلية مليئة، ونتيجة لذلك، يقضي الأطفال أسابيع أو حتى أشهر في النقاط الساخنة، ويتقاسمون أماكن النوم والمرافق مع البالغين، في انتهاك صارخ للقانون الإيطالي. ولم يتم بعد إنشاء نظام لتوزيعهم على أماكن أخرى في إيطاليا بشكل قانوني، على عكس طالبي اللجوء البالغين.
وقد كشف تقرير صدر مؤخراً عن منظمة هيومن رايتس ووتش من النقطة الساخنة في بوتزالو في صقلية عن احتجاز أطفال لا تتجاوز أعمارهم 12 عاماً لمدة تصل إلى شهر في مركز الاستقبال المؤقت المكتظ. وخلافاً للبالغين، لا يُسمح لهم بمغادرة المركز خلال النهار. وذكرت عدة فتيات إريتريات أجرت منظمة هيومن رايتس ووتش مقابلات معهن أنهن يتعرضن لمضايقات مستمرة من الرجال البالغين ويحصلن على قدر ضئيل من الرعاية النفسية والطبية.
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات الإيطالية رفضت الطلب الذي تقدمت به شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) لزيارة مركز بوتزالو، ولكن أمادو، الذي أمضى 10 أيام في هذا المركز قبل نقله إلى منشأة متوسطة الأجل في بريولو، أكد أن "الكثير من الأطفال ينامون في نفس الغرفة مع البالغين والأسر. كنت أريد مغادرة هذا المكان في أقرب وقت ممكن".
لا يزالون غير متأهبين
ويشكل الفتيان المراهقون الغالبية العظمى من القُصّر غير المصحوبين الذين يصلون إلى إيطاليا. ولا يزال أكثر من ثلثهم في صقلية حالياً موزعين بين عشرات الملاجئ الصغيرة، في حين تتم كفالة عدد قليل منهم ويعيشون مع متطوعين محليين.
وفي السياق نفسه، قالت ستيفانيا كونجيا من وزارة العمل والسياسات الاجتماعية المسؤولة عن القُصّر غير المصحوبين: "بالتأكيد، لدينا مشكلة اكتظاظ في مراكز استقبال القاصرين. إن الحكومة تحاول استقبال الجميع ... ولكن الأرقام لا يمكن التنبؤ بها. وليست هناك طريقة لمعرفة ما إذا كانت الرياح ستكون جيدة أو ما إذا كان 10,000 شخص أو 100 شخص سيصلون في الأسبوع المقبل".
وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ بأرقام دقيقة، فقد بلغت رحلات القوارب من شمال أفريقيا ذروتها باستمرار خلال فصل الصيف في السنوات الأخيرة. وفي هذا الصدد، قال فينتشنزو دي ماورو، مدير إديوكانداتو ريجينا إيلينا، وهو مركز لاستقبال الأطفال المهاجرين غير المصحوبين في كاتانيا أن إيطاليا ليس لديها عذر يُذكر لكونها غير متأهبة. وأضاف في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية، "إذا كان هذا هو الصيف السادس الذي نقضيه في حالة طوارئ، فإن هناك شيئاً لا يعمل بشكل جيد". يستضيف مركزه 68 طفلاً، أي ما يقرب من ضعف القدرة الرسمية. وتشكل تغطية تكاليف استضافة هذا العدد الكبير من الأطفال تحدياً، خاصة وأن التمويل المقدم من وزارة الداخلية لدفع رواتب الموظفين قد تأخر على مدار الأشهر الـ18 الماضية.
وفي محاولة لمعالجة هذا الوضع، تخطط الحكومة الإيطالية لإنشاء ما يقرب من 1,000 مكان استقبال جديد للقُصّر غير المصحوبين بموارد من صندوق اللجوء والهجرة والإدماج (AMIF) التابع للاتحاد الأوروبي.
* ليست أسماءهم الحقيقية
cm/ks/bp-ais/dvh
الصورة: فريد آبراهامز/هيومن رايتس ووتش