سكان الموصل يتحدثون عن حياة قاسية ورحلة فرار محفوفة بالمخاطر
الأسر النازحة تصف أعواماً من الحرمان في ظل حكم المسلحين في ثاني أكبر المدن العراقية قبل العثور على ملاذ آمن.
حسن شام، العراق- علم عبد الواحد محمود بالهجوم العسكري الوشيك على مدينة الموصل قبل ثلاثة أسابيع، عندما أسقطت الطائرات منشورات انهمرت فوق قريته، جليوخان، على بعد بضعة كيلومترات إلى الجنوب من ثاني أكبر المدن العراقية.
وقد ذكرت المنشورات أن قوات الأمن العراقية آتية لاستعادة المنطقة من المسلحين الذين سيطروا عليها لأكثر من عامين، وطلبت من المدنيين تجنب مواقع المسلحين المعروفة، وأشارت إلى الطرق الفضلى لإخلائهم منازلهم عندما تصل إليهم قوات الأمن.
وقال عبد الواحد البالغ من العمر 35 عاماً، وهو سائق شاحنة سابق: "حين قرأت ذلك، خفت على سلامة أطفالي، لكنني شعرت أيضاً بالأمل. طلب منا [المسلحون] التراجع نحو الموصل، لكنني كنت أعلم أنهم يريدون استخدامنا كدروع بشرية، لذلك تجاهلناهم".
"أثناء سيرنا، أُطلقت علينا القذائف من الوراء. أُصيبت شاحنة كبيرة في مؤخرة القافلة".
بدأ القتال في الصباح الباكر قبل أسبوع، وظل عبد الواحد وأسرته بدايةً مختبئين في المنزل فيما احتدمت المعارك في الخارج. وخلال إحدى فترات الهدوء، أقلّ زوجته وأولاده الأربعة في سيارتهم وانضموا إلى قافلة مؤلفة من 10 مركبات اتجهت نحو خطوط قوات الأمن العراقية.
وأضاف: "أثناء سيرنا، أُطلقت علينا القذائف من الوراء. أُصيبت شاحنة كبيرة في مؤخرة القافلة، ولكن لحسن الحظ لم يُقتل أحد". وحين وصلوا إلى مواقع الجيش، خرج عبد الواحد من السيارة وبدأ يلوح بدشداشة بيضاء على عصا طويلة.
وبعد أن أمضت الأسرة ليلتين في مدرسة قريبة من خط المواجهة، توجهت إلى مخيم الخازر الذي تديره الحكومة قرب قرية حسن شام، على بعد حوالي 30 كيلومتراً شرق الموصل. هناك، تم توفير المأوى لها إضافة إلى وجبة ساخنة، فيما قدمت المفوضية الفرش والبطانيات وغيرها من الضروريات.
عبد الواحد وعائلته هم من بين 34,000 شخص من الرجال والنساء والأطفال الذين فروا من منازلهم منذ بدء الهجوم في 17 أكتوبر.
أكثر من ثلث هؤلاء نزحوا في الأيام الأربعة الأخيرة، ومن المتوقع أن يزيد تدفق الوافدين الجدد بشكل حاد بعد انتقال المعارك نحو المناطق الحضرية الأكثر اكتظاظاً بالسكان حول الموصل. وتقوم المفوضية ببناء 11 مخيماً في شمال العراق لاستضافة النازحين، مع خمسة مخيمات تستقبل حالياً الفارين من المدينة.
مع بلوغ الجزء الأول من مخيم الخازر إلى كامل قدرته الاستيعابية، فتحت المفوضية يوم الجمعة مخيماً جديداً على بعد بضعة كيلومترات، في حسن شام للمساعدة على التعامل مع التدفق.
وأدى معدل النزوح المتزايد إلى وصول المخيم إلى ما يقرب من قدرته القصوى على استيعاب النازحين في غضون ثلاثة أيام فقط. وهنالك حالياً أكثر من 6,469 شخصاً في حسن شام، وتستمر الأسر في الوصول على مدار اليوم، ومن المحتمل أن يمتلئ المخيم بالكامل الليلة.
ومن بين هؤلاء، أحمد فارس الذي يبلغ من العمر 23 عاماً، وهو تاجر لحوم من كوكجلي، وهي من الضواحي الشرقية لمدينة الموصل. كان يعمل في المدينة في 24 يونيو 2014 عندما وقعت تحت سيطرة المسلحين، وأجبر على البقاء فيها. لكنّ أفراداً آخرين من أسرته، بمن فيهم ابن عمه يحيى، تمكنوا من الهرب إلى إربيل في أقليم كردستان العراق حيث عاشوا هناك منذ ذلك الحين.
خارج خيمة أحمد في حسن شام حدث لقاء مؤثر حيث تبادل هو ويحيى وأفراد آخرون من الأسرة القبلات والعناق للمرة الأولى بعد أكثر من عامين.
وفي وصف للحياة في مدينة الموصل خلال ذلك الوقت، قال أحمد بأن الأمور سارت على عادتها في الأشهر الأولى. وأضاف: "ثم بدأوا يقولون لي بأن علي أن أرخي لحيتي وأتوقف عن التدخين وأرتدي سروالي بهذه الطريقة"، ورفع رِجْلَ سرواله وأمسكه بإحكام حول ساقه، وقال: "كان من غير الممكن أن نرتدي ملابس عليها شعارات".
"شعرت وكأنني سقطت في الجحيم".
وكفرد من أقلية الشبك الدينية، هُدد أحمد وعائلته بالقتل إلا إذا دفعوا "ضرائب" خاصة للمقاتلين، على الرغم من أنه كان غير قادر على العمل. ويقول أحمد: "شعرت وكأنني سقطت مباشرةً في الجحيم".
وكان الاتصال مع ذويهم في إربيل نادراً. كانت تغطية الإنترنت غير متوفرة، وتلقي الاتصالات على الهاتف الممحمول متقطعاً في أفضل الأحوال. لكنهم اتصلوا كلما استطاعوا ذلك، على الرغم من العقوبات القاسية التي كانت تطال من يستخدم الهواتف. وشرح أحمد قائلاً: "كنا نطمر هواتفنا الجوالة في الحديقة حفاظاً على سلامتنا".
وابتسم يحيى فيما كان يتذكر اللحظة التي اتصل بها أحمد قبل يومين بعد أن استطاع تشغيل هاتفه المحمول ليبلغهم أنه وأقاربه تمكنوا من الهرب. وقال يحيى: "كنا نحلم بالأمر منذ أكثر من عامين. بدأنا جميعاً بالبكاء فرحاً".
ويأمل أحمد وأسرته الانضمام إلى يحيى وأقاربهم الآخرين في إربيل إلى أن تصبح العودة إلى الموصل آمنة. ولكن بالنسبة لعبد الواحد وعدة آلاف من النازحين العراقيين الآخرين، فإنهم يواجهون احتمال قضاء فصل الشتاء في الخيام، مع توقعات بأن تستمر معركة الموصل لأشهر.
لا تزال استجابة المفوضية لحالة الطوارئ في الموصل ممولة بأقل من النصف حيث تم الحصول على أدنى من 95 مليون دولار أميركي من المبلغ الإجمالي المطلوب، وهو 196.2 ملايين دولار. ومن ذلك المجموع، يلزم على وجه التحديد 60 مليون دولار أميركي لتقديم مساعدة فصل الشتاء العاجلة إلى الأسر.
ويتقبل عبد الواحد ما يحمله المستقبل قائلاً: "لقد عانينا لمدة عامين، عشنا دون طعام ودون عمل ودون حرية. لن يكون البقاء هنا لفصل الشتاء أصعب من ذلك".