قصة حب ومأكولات شعبية تمنح حياة جديدة للاجئ سوري في كولومبيا
يستخدم المعتز وصفات للطعام تمليها عليه والدته عبر الهاتف، ويطهو أطباق الفلافل والباذنجان والعدس، ليقدمها لسكان المنطقة الذين أثار اهتمامهم، فيكسبهم زبائن له من مجرد لقمة واحدة.
بوغوتا، كولومبيا، 14 أكتوبر/تشرين الأول، (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)- قبل أن يفر من الحرب في سوريا، كان المعتز طالباً يعيش مع أسرته في دمشق. وفيما يؤسس اليوم لحياةٍ جديدة في كولومبيا، يقدم أطعمة بنكهة بلاده للمارة في الشوارع في حي قرب العاصمة بوغوتا.
يستخدم المعتز وصفات للطعام تمليها عليه والدته عبر الهاتف، ويطهو أطباق الفلافل والباذنجان والعدس، ليقدمها لسكان المنطقة الذين أثار اهتمامهم، فيكسبهم زبائن له من مجرد لقمة واحدة.
ويقول المعتز، عارضاً اللائحة البراقة لأطباقه: "في البداية، كان الناس ينظرون إلى طعامي بطريقة غريبة، ولكنْ بمجرد أن يتذوقوه بدأوا يعودون مرةً بعد مرة".
ويضيف: "عندما أتحدث مع أمي- لساعة واحدة فقط في اليوم لأن الكهرباء مقطوعة في دمشق- تعطيني وصفات أطعمة عربية أصبحت اليوم رائجة جداً في هذا البلد الأميركي اللاتيني!".
حياته الجديدة بالقرب من العاصمة الكولومبية أتت بعد رحلة شاقة للفرار من المخاطر. كان يبلغ 22 عاماً وفي سنته الثالثة في الجامعة عندما استُدعي إلى الخدمة العسكرية الإلزامية في عام 2013.
ويقول: "لم أكن أريد الانضمام إلى الخدمة العسكرية لأن ذلك يعني قتل الناس، وأهلي. لذلك لم يكن لدي خيار آخر إلا الهرب في أسرع ما يمكن".
والداه اللذان يديران متجراً كبيراً في وسط دمشق، كانا مستعدين لدفع ثمن عبوره إلى بر الأمان. ولكنْ، بعد ذلك، انفجرت قذيفة في متجرهم ودمرته في صباح أحد الأيام. لم يثنهما ذلك، فباعا أرضاً يملكانها واضطر المعتز للفرار إلى تركيا عبر لبنان.
أصبح ابنهما أحد اللاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم الأربعة ملايين. وقد سعى معظهم للوصول إلى بر الأمان في البلدان المجاورة، كتركيا ولبنان والأردن، فيما سعى حوالي 2,640 شخصاً إلى اللجوء أو مُنحوا اللجوء في أميركا اللاتينية. ترك المعتز وراءه والديه وأشقاءه الثلاثة وأصدقاءه ومنزله وتعليمه. ويقول المعتز: "عندما غادرت سوريا، تركت كل أحلامي ورائي، ولكنني لم أرَ مخرجاً آخر. فمقاتلو الميليشيات موجودون في كل الشوارع، يوقفونك يسرقون منك ما يريدون، يمزقون بطاقة هويتك، ويقتولنك. لقد فقدت أصدقاء لأنهم رفضوا الالتحاق بالجيش". في العام 2014، كان المعتز يعيش في غرفة صغيرة في تركيا مع أربعة أشخاص آخرين. وعلى الرغم من تمكنه من العثور على العمل من وقت إلى آخر، كان الإيجار مرتفعاً ومدخوله سيء جداً. ويتذكر قائلاً: "لم أستطع العيش بهذه الطريقة، كنت أفقد كرامتي كرجل". وقبل اندلاع الحرب، وقع في غرام فتاة كولومبية كانت صديقة حميمة للعائلة، لكنه لم يلتقها أبدًا شخصياً. تحدثا كثيراً عبر الإنترنت على مر السنين، وقررا الزواج فيما كان لا يزال في دمشق. ويوضح المعتز: "كان الزواج بحد ذاته مجرد كابوس آخر. طلبت المؤسسات الكثير من الأوراق والمال. باعت والدتي ما تبقى من مجوهراتها لدفع ثمن أوراق الزفاف واستخدمت زوجتي المستقبلية كل مدخراتها الجامعية. ولكن بعد الزواج، لم يكن سهلاً التقدم بطلب للحصول على تأشيرة دخول إلى كولومبيا". بعد أن يئس، تواصل المعتز مع شبكة تهريب، وبفضل سخاء صديق سوري، استطاع حجز تذكرة سفر إلى الإكوادور. وهناك، التقى زوجته للمرة الأولى، وعبرا معاً الحدود إلى كولومبيا، وجهتهما الأخيرة. وكما يقول المعتز، مبتسماً، "ما زلت أذكر ذلك اليوم، يوم 9 أغسطس/آب 2014. حين وصلت إلى كولومبيا، طلبت اللجوء، وبفضل تدخل المفوضية والسلطات الكولومبية، حصلت على وضع لاجئ بعد ستة أشهر". ولكنْ، لم يكن سهلاً عليه إعادة بناء حياته في بلد بعيد، مع لغة مختلفة ومن دون وظيفة. في الأشهر القليلة الأولى في بوغوتا، باع في الشوارع طبق حلوى الأرز الذي تحضره زوجته.من ثمَّ، تعلم الإسبانية شيئاً فشيئاً، وبدأ عمله الخاص بصنع الأطباق العربية. واليوم بمساعدة المفوضية، والسلطات الكولومبية، وبفضل تجارته الصغيرة، أصبح بإمكان المعتز تغطية نفقات الإيجار والطعام والنقل فقط ولا يتبقى للزوجين المال لمواصلة دراستهما. ويقول، "أنا سعيد، ولكن لا يمكنني المقارنة بين حياتي الحالية وحياتي الجيدة السابقة. علاوةً على ذلك، أفتقد حقاً أخي الصغير وشقيقتي ووالدي الذين لا يزالون يعيشون في خطر في دمشق". ويشعر المعتز بالقلق خصوصاً بشأن شقيقه الذي بلغ مؤخراً سن الخدمة العسكرية. ويشرح المعتز: "نفذ المال لدى أهلي، باعوا كل ما كانوا يملكون لأغادر سوريا. لم يبقَ مال لشقيقي الصغير... الذي لا يزال في دمشق... ويخاف من إجباره على الالتحاق بالجيش". حلم المعتز أن يأتيَ بأقاربه إلى كولومبيا حيث يمكنهم العيش بأمان. وقريباً، سيُضاف فرد جديد إلى العائلة- فبعد خمسة أشهر سيصبح المعتز أباً، ويقول: "أنا ممتن حقاً للمفوضية والحكومة الكولومبية. حياتي اليوم هنا، وعلى الرغم من الصعوبات في الاندماج التي ما زلت أوجهها، من المستحيل أن أعود إلى بلادي حيث يبدو أن الحرب لن تنتهي أبداً". بقلم فرانشيسكا فونتانيني، بوغوتا، كولومبيا.