معاناة حلب تلاحق اللاجئين السوريين خارج بلادهم

على الرغم من وصولها إلى بر الأمان في لبنان، لا تزال آلاء تهجس بالخسائر والمآسي التي تفوق الوصف والتي تكبدتها في مسقط رأسها في حلب.

 

أمضت آلاء أربعة أعوام في لبنان تحزن على أقربائها الذين فقدتهم في الوطن، وتقلق على أولئك الذين بقوا في البلاد.   © UNHCR/ Sam Tarling

بيروت، لبنان- حدث الأمر مساء يوم خميس من الشهر الماضي، وكان قد مضى على لجوء آلاء* وأسرتها إلى لبنان أربعة أعوام. بدت على شاشة التلفزيون في الخلفية مشاهد برنامج "حلب اليوم"، بينما تحدث مذيع الأخبار عن عدد الضحايا. عندما رنّ هاتفها، ارتجفت آلاء وقالت: "إنه اتصال من حلب".

على الطرف الآخر من الخط، أبلغتها شقيقتها سمر النبأ المروع. فقد قُتل ابن شقيقة آلاء، نجل سمر، في انفجار بينما كان في طريقه إلى البيت من المدرسة.

وقالت آلاء: "شعرت أن قلبي سيتوقف عن الخفقان. انهمرت دموعي، لكنّ سمر حافظت على رباطة جأشها بشكل غريب. لا أعلم من أين استمدت قوتها. قالت بأنها تفضل أن تموت بطلة في حلب على أن تغادر المكان الوحيد الذي يمكن أن تسميه وطناً".

يستضيف لبنان أكثر من مليون لاجئ سوري. ولكنْ، على الرغم من بعدهم عن الحرب المستعرة في مسقط رأسهم، لا تزال الحياة في سوريا تؤرقهم في أماكن لجوئهم.

"قالت بأنها تفضل أن تموت بطلة في حلب على أن تغادر المكان الوحيد الذي يمكن أن تسميه وطناً"

على مدى أكثر من أربعة أعوام أمضتها كلاجئة في لبنان، اعتادت آلاء البالغة من العمر 39 عاماً على تحمل عذاب الحداد على الأسرة والأقرباء الذين بقوا في مسقط رأسها في مدينة حلب.

فقدت آلاء 14 قريباً في الوطن منذ وصولها إلى لبنان مع زوجها وأطفالها الأربعة في عام 2012. ثلاثة عشر منهم، من بينهم شقيقتاها وأولادهما، لقوا حتفهم في الصراع المحتدم، في حين توفيت والدتها كما قالت "من شدة الحزن"، ولم يبقَ لها حالياً في المدينة إلا شقيقتها سمر.

تؤكد تجربة آلاء المرعبة على الخسائر البشرية الفادحة في النزاع العنيف في سوريا الذي دخل اليوم عامه السادس، كما تكشف كيف أن الرعب الدائر في حلب تخطى حدود المدينة نفسها، ليطال حتى أولئك الذين وجدوا نسبياً الأمان خارج البلاد.

وأخبرت سمر شقيقتها آلاء بأن الخروج من حي سيف الدولة الذي يسيطر عليه المتمردون في شرق حلب حيث تعيش حالياً، للوصول إلى منزلها السابق في حي صلاح الدين- وتتطلب المسافة خمس دقائق عادة- أصبح الآن طريقاً محفوفاً بالمخاطر، ويمكن أن يستغرق اجتيازه 10 ساعات. ويشكل الوصول إلى دمشق تحدياً كبيراً.

وأوضحت آلاء قائلة: "لقد اعتدنا على دفع 10 ليرات لزيارة العاصمة. وتقول أختي بأنها تدفع الآن 2000 ليرة مقابل كل من الذهاب والإياب، والوصول إلى المدينة ليس مضموناً". وآلاء غير قادرة على إرسال المال إلى شقيقتها، وتفقد أحياناً الاتصال معها لعدة أيام متتالية بسبب القتال العنيف وعدم توفر شبكات الاتصالات. وأضافت: "أنتظر رسائلها بمرارة لكنني أرتعب عندما تتصل بي".

أديب* يشارك في مجموعة العلاج النفسي التي تهدف إلى مساعدة الأطفال المصابين بصدمات نفسية من جراء الحرب في بيروت.  © 

وقد اضطر العديدون من حلب، مثل آلاء وعائلتها، على التنقل عدة مرات داخل سوريا قبل أن يصلوا أخيراً إلى بر الأمان في لبنان.

وتأكيداً على المخاطر المتزايدة على المتبقين في شرق حلب، نشرت المفوضية نتائج مسح السكان الذي أجرته مع المنظمات الشريكة أواخر الشهر الماضي. وأظهر الاستطلاع أن 63% من المستجيبين يعرفون شخصاً إما قُتِل أو جُرِح بالانفجارات، بينما أفاد 82% عن الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم. وعلى الرغم من ذلك قال الكثيرون بأنهم سيبقون حتى ولو كانت طرق الإخلاء آمنة.

وقد قطع اشتداد القتال في حلب طرق وصول المساعدات الإنسانية إلى معظم أنحاء المدينة، مما أدى إلى نقص في المواد الغذائية والطبية وغيرها من الضروريات. ولطالما دعت المفوضية جميع الأطراف المشاركة في النزاع للسماح للمنظمات الإنسانية بالقيام بواجباتها بسلامة، وحماية المرافق الطبية والمدارس والبنية التحتية لإمدادات المياه وحياة المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، فضلاً عن السماح بعمليات الإجلاء الضرورية.

وقالت آلاء: "لم تعد تصل الماء والكهرباء إلى بيت شقيقتي منذ أعوام، وزوجها يعمل في ثلاث وظائف لإعالة أسرته. ولم تصل المساعدات الإنسانية أبداً إلى المنطقة حيث يعيشون". ورجت شقيقتها غالباً للانضمام إليها في لبنان، على الرغم من أنها تعلم أن ترك المدينة في الوقت الحاضر صعب جداً.

أمضت آلاء أعواماً في لبنان معذبة ومعزولة في عالمها الخاص، تحزن على أحبة فقدتهم في الوطن وتقلق على من بقي منهم. وقالت: "لفترة طويلة، كل ما أردت القيام به هو النوم كي أحلم بعائلتي. كنت أستاء جداً عندما يوقظني زوجي".

وعلى الرغم من الألم، تحاول آلاء "الوقوف على قدميها". بدأت منذ شهر أبريل تقصد المركز المجتمعي في بيروت الذي تدعمه المفوضية، حيث تتلقى وعائلتها الدعم النفسي والاجتماعي. وقالت: "صرت أنتظر يوم الجمعة بفارغ الصبر لأنني سأخرج من المنزل وأقابل الناس".

وأضافت بأنها تريد أن تشعر بتحسن كي تتمكن من الاعتناء بأطفالها الأربعة على أفضل وجه. وأشارت: "يحتاجون إليّ، وأريدهم سعداء، وأن يحصلوا على التعليم ويكونون قادرين على الأمل بمستقبل أفضل مجدداً". يعمل زوجها في وظائف عشوائية باعتباره متعدد الحرف، لكن ذلك ليس كافياً لتغطية نفقاتهم. وتتلقى الأسرة مساعدة غذائية شهرية بقيمة 162 دولاراً أميركياً.

*تم تغيير الأسماء لأغراض الحماية.