إمام وراهبة يضربان المثل في التعايش بين الأديان
عندما كانا يرحبان بالأطفال الحديثي الولادة في هذه القرية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، قلما كانت تهتم القابلة الأخت ماريا كونكيتا والإمام موسى باوا، فيما إذا كانا من المسيحيين أو المسلمين. في عينيهما، كان هؤلاء الأطفال بمثابة أرواح جديدة تستحق أن يحبها المجتمع بأسره.
واليوم، بعد وفاة الإمام في يوليو عن عمر يناهز 74 عاماً، سوف تستمر رسالة السلام والتعاون بين الأديان التي دعا إليها لأكثر من ثلاثة عقود في هذا البلد الذي مزقته الحرب عن طريق خلفه، الإمام مصطفى موبيتو.
وتعهد الإمام مصطفى، اللاجئ من جمهورية إفريقيا الوسطى، على الاستمرار في العمل مع الأخت ماريا التي وصلت إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية من إيطاليا في عام 1959، والتي تدير المستشفى في زونغو بمساعدة رعيتها.
ويقول الإمام مصطفى، الذي وُلِدت ابنتاه في المستشفى الصغير قرب ضفاف نهر أوبانغي، والذي يفصل بين جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى: "جميع اللاجئين من جمهورية إفريقيا الوسطى يذهبون إلى هناك. ولدت فاطمة وآسيا هناك. حينها التقيت الأخت ماريا. إنها لطيفة فعلاً. كنا معاً- جميع الأطفال، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين، يولدون هناك".
لأكثر من ثلاثة أعوام، أجبر العنف في جمهورية إفريقيا الوسطى بين ميليشيتي انتي بالاكا المسيحية وسيليكا المسلمة، ما يقارب نصف مليون شخص على الفرار من منازلهم، إلى جانب نصف مليون شخص آخر نازح داخل البلاد.
وبينما تم الوصول إلى سلام هش، جددت المفوضية والشركاء الدعوات لزيادة الدعم للنازحين الذين ما زالوا بحاجة إلى المساعدة والرعاية.
"حين أخطب في المسجد، أدعو إلى الصبر والسلام".
والآن وبعد أن بلغت الرابعة والثمانين من العمر، تتذكر الأخت ماريا العقود التي أمضتها في العمل إلى جانب الإمام موسى باوا في مساعدة اللاجئين، الذين وجد حوالي 10,000 منهم المأوى في زونغو منذ اندلاع الصراع في جمهورية إفريقيا الوسطى عام 2013.
وتتذكر الأخت ماريا، التي ساعدت باعتبارها قابلة على ولادة 33,000 طفل منذ عام 1984: "تواصلنا كثيراً. باعتباره زعيماً مسلماً، كان عليه المثابرة على رسالته- رسالة التخلي عن الحرب والمسامحة والسعي إلى السلام. هذا ما تحدى به عقلية الناس".
وعلى خطى سلفه المحبوب، يواصل الإمام مصطفى زيارة المستشفى المجتمعي لاستقبال المواليد الجدد.
وحتى اليوم الأخير، كان باب بيت الإمام موسى باوا مفتوحاً لأولئك الذين يسعون إلى الحصول على المأوى أو التوجيه، داعياً للمغفرة والصبر والسلام والمصالحة، ودرّب الإمام مصطفى بنفسه.
ويشدد الإمام على أن "السياسيين هم من أدخلوا فكرة الحرب بين المسيحيين والمسلمين إلى عقول المؤمنين من المسيحيين والمسلمين. قبل ذلك، لم تكن الأمور على هذا النحو".
ويضيف: "نحن نعمل كل يوم على التعايش السلمي بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ونكون معهم، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين. ليس هنالك خلاف بين الديانتين هنا في جمهورية الكونغو الديمقراطية".
من جهتها، تتطلع الأخت ماريا كذلك إلى مستقبل إيجابي. وتقول: "أجد الإمام مصطفى لطيفاً جداً، وأعتقد أننا سنواصل الحوار نفسه. كان الإمام موسى باوا مثالاً عظيماً يُحتذى به كشخص، وفي الإيمان والتعاون. كان يسعد عندما أصلي معه. أعطينا مثالاً جيداً حتى النهاية".
"أتمنى أن يحل السلام بيننا؛ بين المسيحيين والمسلمين لا يوجد أعداء"
عندما التقت الأخت ماريا والإمام مصطفى مؤخراً على ضفاف نهر أوبانغي ونظرا نحو بانغي، عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى التي مزقها الصراع، حملت الراهبة رسالة وحيدة فقط إلى حليفها الجديد: "أتمنى لك حظاً سعيداً وتعاوناً جيداً. حين تحتاج إلى التحدث معي، تعال إليّ".
حتى بعد موته، ستبقى كلمات الإمام موسى حيّة في قلوب أصدقائه وأتباعه.
وقد قال الزعيم الديني، قبل أشهر فقط من وفاته: "عندما أخطب في المسجد، أدعو إلى الصبر والسلام. فليحل السلام بيننا؛ بين المسيحيين والمسلمين لأنهم ليسوا أعداء. علينا أن نبقى معاً".