نساء وأطفال يخوضون تجربة اللجوء في عرض البحر
يشكل النساء والأطفال حالياً حوالي 60 في المئة من الواصلين عبر البحر. تعرفوا على نسرين، لاجئة سورية أرملة تبلغ من العمر 34 عاماً وتسافر مع أطفالها الخمسة.
نسرين تجلس مع أطفالها خارج الخيام التي تأويها أطفالها في اليونان.
© UNHCR/Achilleas Zavallis
تحاول نسرين، اللاجئة السورية الأرملة والتي سافرت مع أطفالها الخمسة، قدر المستطاع حماية مسكن عائلتها من المياه. وتقيم العائلة منذ أسبوع بالقرب من إيدوميني، وهي قرية يونانية واقعة على الحدود مع جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة.
هنالك ما يزيد عن 12,000 شخص على الأقل عالقين حالياً في ظروف مزرية، غير واثقين مما يخبئه لهم المستقبل.
تنام نسرين وابناها وبناتها الثلاث في خيمتين صغيرتين منصوبتين جنباً إلى جنب في حقل موحل. وتتساقط حبات البرَد على الأغطية البلاستيكية فوق رؤوسهم فيتبلل كل شيء.
الحياة في إيدوميني قاسية على الجميع، لكنها صعبة على الأمهات العازبات بشكل خاص. وتقول نسرين التي قُتل زوجها في سوريا منذ ثلاثة أعوام: "إنني ألعب دور الأم والأب في الوقت نفسه، ويعطيني الله القوة للاهتمام بهؤلاء الأطفال".
هذه العائلة هي من بين آلاف النساء والأطفال الذين يقومون وحدهم بالرحلة إلى أوروبا، مع توفر القليل من الحماية على الطريق.
للمرة الأولى منذ بداية أزمة اللاجئين في أوروبا، تجاوز عددهم عدد الذكور وأصبحوا يشكلون غالبية الأشخاص المتنقلين. وتشكل النساء والأطفال حالياً حوالي 60 في المئة من الواصلين عبر البحر، وفقاً لبيانات المفوضية، مقارنةً بأقل من 30 في المئة في يونيو/حزيران 2015.
الكثير من النساء، كنسرين، أرامل توفي أزواجهن في الحرب أو أثناء عبور البحر في وقت سابق. أما أزواج الأخريات فهم في ألمانيا أو السويد أو في بلدان أخرى في أوروبا. ويقلن بأنهن سيلحقن بهم الآن بما أن الخيارات القانونية كلمّ شمل العائلات تتطلب وقتاً طويلاً، ونظراً لأن المزيد من البلدان الأوروبية تغلق حدودها أمام اللاجئين.
وصرّح بابار بالوش، المتحدث باسم المفوضية المتواجد حالياً في إيدوميني، قائلاً بأن الأمان يعتبر مصدر قلق رئيسي لهؤلاء النساء والأطفال.
ويقول بالوش: "يتعرضون للاستغلال على أيدي المهربين والمتاجرين في مراحل عديدة أثناء الرحلة أو يواجهون التحرش الجنسي أو حتى الاعتداء لأنهم بمفردهم. فمن الصعب العيش إن لم يحصلوا على الدعم من الآخرين".
أطلقت المفوضية مؤخراً بالتعاون مع الوكالة الشقيقة، اليونيسف، وشركاء آخرين مراكز دعم للأعداد المتزايدة من الأطفال اللاجئين والآخرين من ذوي الإحتياجات الخاصة. وتقدّم مراكز دعم حماية الأطفال والعائلات، المعروفة بـ"النقاط الزرقاء"، الخدمات كالدعم القانوني وتعقب العائلات. وثمة مركز يعمل في إيدوميني.
وخلال الرحلة إلى إيدوميني، لازمت عائلة نسرين مجموعة من الأكراد السوريين للحصول على الحماية والدعم. وقد قام البعض حالياً بنصب خيمهم بالقرب من خيمتها.
ومع ذلك، لا تزال حياتهم صعبة. بُني مخيم إيدوميني كمكان عبور مؤقت لـ2,000 شخص كحد أقصى. وعلى الرغم من أن المفوضية ومنظمات إغاثة أخرى توفر وحدات إسكان للاجئين، إلا أن معظم الأشخاص ينامون في خيم فردية رديئة. وقد أدت أمطار الربيع الغزيرة إلى طوفان المخيم. ويسير الأطفال الصغار بين البرك الموحلة، مبللين الملابس الوحيدة التي يملكونها.
تبعد خيمة نسرين بضع مئات من الأمتار عن السياج الشائك الذي وضعته جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة في نوفمبر/تشرين الثاني لضبط تدفقات الهجرة غير النظامية.
وتشعر نسرين بقلق دائم من أن تنتقل عدوى السعال والزكام إلى أطفالها من الأشخاص حولهم.
وفي صباح أحد الأيام خلال هذا الأسبوع، جلست على بطانية للاهتمام بطفليها الأصغر سناً، أديب الذي يبلغ من العمر ثلاثة أعوام وسيدرا التي تبلغ من العمر أربعة أعوام. رمى أديب دمية شقيقته في الوحل، فأخذت تبكي.
وتقول نسرين: "أفضّل الموت على رؤية أطفالي يعيشون في هذه الظروف؛ فلا يمكنني أن أتحمل ذلك".
كل ما تبقى من حياتهم الماضية في حلب هو محفظة جلدية تحتفظ نسرين في داخلها بمجموعة صور مغلفة بالبلاستيك لحمايتها من الأضرار الناجمة عن المياه.
وتقول حاملةً صورة لزوجها أديب وهو يقف إلى جانبها: "هذه صورة زواجنا". ترتدي فستاناً أبيض اللون مع وشاح أحمر حول خصرها، وهو تقليد كردي. "كان أسعد يوم في حياتي".
تزوجا منذ 16 عاماً. وعاشت العائلة في مدينة حلب في منزل صغير مع فناء كبير. كان أديب يعمل كسائق جرافة في مواقع البناء بينما تهتم نسرين بالأطفال.
وبعد عامين من بدء الحرب، في صيف عام 2013، أصابت قذيفة منزلهم بينما كانوا نائمين. دخلت نسرين التي كانت حاملاً في شهرها السابع في مخاض مبكر بعد أن أصابت شظية معدتها لكن ابنهما ولد بصحة جيدة.
وبعد أشهر قليلة، في سبتمبر/أيلول، قتلت قذيفة زوجها بينما كان ذاهباً لإحضار الطعام للعائلة. وكان ابنهما محمد آخر من رآه على قيد الحياة.
وتقول نسرين بصوت منخفض لكي لا يسمعها الفتى البالغ من العمر 15 عاماً والمتواجد في الخيمة خلفها: "في لحظاته الأخيرة، طلب من محمد الاعتناء بي".
وفي الشهر الماضي، قررت الفرار إلى أوروبا. وباعتبارها أماً عازبة عاشت خمسة أعوام من الحرب، أملت نسرين الوصول إلى والديها وشقيقتيها في ألمانيا.
دفعوا للمهربين 900 يورو لأخذهم من تركيا إلى جزيرة خيوس اليونانية في قارب مطاطي مزدحم وعلى متنه 70 شخصاً.
وتقول نسرين عن عبور البحر: "كل ما كنت أفكر فيه هو أنك لا تستطيع إنقاذ خمسة أطفال إذا سقطوا في المياه. ربما تنقذ طفلاً أو اثنين لكن ليس خمسة".
ومن ثم صعدوا على متن عبارة للوصول إلى البر اليوناني، إلى ميناء بيرايوس في أثينا، ونقلتهم حافلة شمالاً إلى إيدوميني على أمل عبور المعبر الحدودي غير الرسمي. ولكن نسرين تقول حالياً بأنها لم تعد تملك المال ولا تدري ما سيحدث لاحقاً.
هنالك حوالي 37,000 لاجئ ومهاجر حالياً في اليونان، وفقاً للسلطات اليونانية، ويواصل المئات الوصول إلى الجزر اليونانية يومياً، ويفوق عددهم أحياناً الـ1,500 شخص.
وتقوم السلطات اليونانية تدريجياً بنقل الأشخاص من إيدوميني إلى مرافق استقبال على المدى الطويل بنيت مؤخراً في أنحاء اليونان. ومن هناك، يمكنهم المتابعة بالطرق القانونية كاللجوء في اليونان أو الاستفادة من البرنامج الرسمي للاتحاد الأوروبي القاضي بالنقل إلى موقع آخر، والذي يسعى لنقل 160,000 لاجئ من اليونان وإيطاليا إلى دول أعضاء أخرى على مدى العامين القادمين.
لا تدري نسرين ما الذي ستفعله. وفي ظل برنامج النقل، لا يمكنها اختيار البلد الذي تريده وهي ترغب في الانضمام إلى أفراد عائلتها الذين قد يعيشون في مكان آخر.
وتقول نسرين: "أبكي كل يوم، ولا أدري ما الذي ينتظرني".