الآمال تتلاشى للاجئين العالقين على الحدود اليونانية
سبع عائلات سورية لاجئة، كانت غريبة عن بعضها البعض، وصلت معاً إلى الجزر اليونانية، ولا تزال معاً.
إيدوميني، اليونان، 4 مارس/آذار (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) - يجلس أفراد سبع عائلات سورية لاجئة تتشارك الآمال والأحلام المتلاشية، حول النار ويعدون المتة؛ وهو مشروب تقليدي شبيه بالشاي. التقوا منذ أكثر من أسبوع، بالقرب من الجانب اليوناني من المعبر الحدودي بين اليونان وجمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة.
أصبحت المنطقة المحيطة بإيدوميني مسكناً مؤقتاً لما يقارب 20,000 لاجئ ومهاجر، نظراً لأن الدول الواقعة على طول ما يعرف بـ"طريق البلقان" أقفلت حدودها أمام أولئك الذين كانوا يأملون الوصول إلى شمال أوروبا.
وكان العديد من أفراد هذه المجموعة المؤلفة من 35 شخصاً، لا يعرفون بعضهم البعض حتى الشهر الماضي. فقد التقوا للمرة الأولى عندما عبروا بحر إيجه معاً في الزورق المطاطي نفسه إلى جزيرة خيوس اليونانية.
أما الآن، فقد جعلت الشدائد والتحديات منهم عائلة واحدة وكبيرة. ففي إيدوميني، يعيشون في سبع خيام منصوبة على شكل دائرة حول حفرة من النار، منتظرين على الحدود.
ثلاث من العائلات تقتصر على النساء اللواتي يسافرن بمفردهن مع أطفالهن. وأصغر مَن في المجموعة، ريماز، ابنة الثلاثة أشهر والمريضة منذ عدة أيام، أما أكبرهم، فرشيدة، البالغة من العمر 85 عاماً، والتي تبكي عندما تُسأل كيف تصمد في ظل هذا الوضع.
عندما كانت شابة، كانت لاجئة فلسطينية في سوريا، وقد أصاب المصير نفسه أحفادها الآن بعد أن دُمر منزلهم في اليرموك، أحد أحياء دمشق، منذ شهرين.
وقال غيث، حفيدها البالغ من العمر 17 عاماً: "في سوريا، قبل الحرب، كان لكل واحد من الموجودين هنا سيارات ومنازل وكنا جميعاً نحظى بالتعليم". وأضاف مشيراً إلى الحقول الموحلة المليئة بالمخلفات البشرية: "لم نكن نعيش هكذا".
الفطور هو عبارة عن قطعة من الخبز، غالباً ما يتم الحصول عليها بعد الانتظار في طابور لمدة تصل إلى ساعتين. وقالت الأمهات في المجموعة بأنه من الصعب الحصول على الحليب أو أي شيء مغذٍّ آخر لأطفالهن.
ومع ذلك، وعلى الرغم من كل شيء، يدعمون بعضهم البعض، ويُضحكون بعضهم على مر اليوم. ويتناوب الشبان على جمع الحطب من الغابات القريبة أو على الذهاب إلى محلات البقالة لشراء الخضار والحاجيات. ولكن بعد أن دفع كل منهم أكثر من 2000 دولار أميركي للمهربين للوصول إلى هنا، نفد المال منهم تماماً تقريباً.
ولم يكن من المفترض أن تكون إيدوميني مركزاً لاستقبال اللاجئين على المدى الطويل. وعلى الرغم من تقديم المفوضية الخيام المطاطية والوحدات السكنية والخيام الكبيرة للاجئين، إلا أن تلك الأخيرة لا تكفي للجميع. وينام غالبية الناس، مثل أفراد هذه العائلات السورية، في خيام واهية أو في العراء، ويلتفون معاً ببطانيات سميكة.
استجابت السلطات والجيش اليوناني من خلال إقامة ثلاثة مخيمات بالقرب من إيدوميني تتسع لـ12,500 شخص. وهنالك حوالي 35,000 رجل وامرأة وطفل في اليونان حالياً، وهم يحتاجون للمأوى والمساعدة، وحوالي 20,000 من هؤلاء متواجدون حالياً في إيدوميني.
معظم اللاجئين في إيدوميني يأتون من سوريا أو العراق. أما الأفغان، الذين يشكلون المجموعة الثانية الأكبر عدداً من اللاجئين والمهاجرين الذين يصلون الى اليونان عن طريق البحر، فلم يعد يسمح لهم بعبور الحدود التي لا تزال تفتح بشكل متقطع بسبب القيود الجديدة فتثير آمالهم بالتمكن من العبور.
وفي أواخر الشهر الماضي، أوقفت السلطات اليونانية السماح للأفغان بركوب الحافلات إلى إيدوميني وأعادت الذين كانوا هناك إلى أثينا.
لقد أمطرت مرتين في الأسبوع الماضي، فتحولت حقول إيدوميني إلى تيارات موحلة. وتتطاير الملابس والبطانيات التي تُركت لتجف بين الخيام في الهواء، ويُسمع في المكان صوت سعال الأطفال.
وقال بابار بالوش، المتحدث باسم المفوضية: "يتدهور الوضع مع مرور الوقت. ونحن نواجه تحدياً كبيراً؛ فاليونان تكافح من أجل إيجاد أماكن استقبال وسبل لرعاية الناس، ونحن بحاجة إلى مساعدة الاتحاد الأوروبي وتحركه بسرعة لتخفيف هذا الضغط عن اليونان."
الموجودون هنا بغالبيتهم من العائلات. وفي فبراير/شباط الماضي، شكلت النساء والأطفال ما يقارب 60 في المئة من الوافدين عبر البحر مقابل 27 في المئة في سبتمبر/أيلول 2015، وذلك وفقاً للأرقام الصادرة عن المفوضية.
فر ابراهيم، من يبرود السورية في ريف دمشق، مع زوجته وابنته البالغة من العمر 3 أعوام، صبوحة، التي يسميها "ملاكه الصغير". وكانوا لاجئين في لبنان طوال عامين. وفي العام الماضي، عادوا إلى سوريا عندما أصبحت الحياة خارج الوطن صعبة للغاية. ولكن مع عدم وجود نهاية للحرب في الأفق، فروا إلى أوروبا مؤخراً.
يرتدي ابراهيم الملابس نفسها التي كان يرتديها عندما غادر أزمير في تركيا، منذ 10 أيام. ومثل كثيرين في المجموعة، قال بأنه تمكن من الاستحمام مرة واحدة منذ ذلك الحين؛ فلا تتوفر في إيدوميني حمامات كافية. وهو يستيقظ في الرابعة فجراً ليقف في الطابور للحصول على الحليب لأطفال المجموعة؛ ففي هذه الساعة، تكون الطوابير أقصر.
وقال إبراهيم، الذي طلب عدم الإفصاح عن شهرته لأسباب أمنية والذي سُجن شقيقاه: "ماذا فعلنا لنستحق هذا؟ نعيش هنا وكأننا في السجن. في سوريا كان لدينا خياران فقط: إما الهروب أو القتال. شقيق زوجتي يملك منزلاً في هامبورغ في ألمانيا، وهو بانتظارنا، ولكننا لا نستطيع الوصول إلى هناك."
زوجا اثنتين من الأمهات السوريات في هذه المجموعة متواجدان في ألمانيا، وفي إيدوميني، تتناوب الاثنتان على رعاية أطفالهما.
وتشدد المفوضية على الحاجة إلى تعزيز السبل القانونية مثل لم شمل الأسر والنقل للمساعدة على تهدئة الأوضاع.
وقال بالوش: "يجب أن تبقى الخيارات القانونية مفتوحة أمام هذه الحالات. فلو كانت هنالك طرق قانونية ليأتوا من دون تعريض حياتهم للخطر، لم تكن الحاجة لتدفعهم إلى وضع أطفالهم في قوارب والمخاطرة بحياتهم والعيش في هذه الفوضى هنا اليوم."
وأضاف بالوش أنه مع ذلك، يشكل توفير المعلومات بشأن الخيارات القانونية لهذا العدد الكبير من الناس في إيدوميني، تحدياً. وتقدم المفوضية المشورة القانونية لمن يلجأون إلى وحدتها المتنقلة في المخيم. ويحال الراغبون في النقل أو لم شمل الأسر إلى خدمة اللجوء اليونانية ويوضعون في مساكن مؤقتة.
ولكن تبقى العديد من العائلات في إيدوميني، متأملةً فتح الحدود رغم كل شيء.
وقال بالوش: "إنه لتحدٍ كبير لأنهم متوترون ومتحمسون ولأنهم ما زالوا يأملون أن تُفتح الحدود".
بقلم تانيا كاراس في إيدوميني، اليونان