بداية جديدة لضحايا الحرب في مدينة السلام
أتت هذه العائلة إلى بريطانيا كجزء من التزام الحكومة باستقبال 20,000 لاجئ سوري بحلول عام 2020 بموجب برنامج نقل الأشخاص الضعفاء من اللاجئين السوريين إلى موقع آخر لعام 2014.
كوفنتري، المملكة المتحدة، 51 أبريل/ نيسان (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) - في مركز جيسوس الواقع في وسط مدينة كوفنتري، كانت جوليا فير تصارع من أجل احتوء حماسة مجموعتها الجديدة من الطلاب.
يبتسم حسين، الرجل الذي يبلغ من العمر 44 عاماً والذي بات أسير كرسي متحرك منذ وقوع انفجار في مسقط رأسه القنيطرة في هضبة الجولان في سوريا عام 2012، مما أدى إلى بتر ساقيه. وبعد ثلاثة أعوام في لبنان حيث لم يحصل على الرعاية المناسبة، أعيد توطينه مع عائلته وزوجته وأطفاله الأربعة في المملكة المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني بمساعدة المفوضية.
أتت العائلة إلى بريطانيا كجزء من التزام الحكومة باستقبال 20,000 لاجئ سوري بحلول عام 2020 بموجب برنامج نقل الأشخاص الضعفاء من اللاجئين السوريين إلى موقع آخر لعام 2014.
لكن ثمة شعور بالقلق بين طلاب السيدة فير وتحديداً زوجة حسين وولديه. وقال مصطفى الذي يبلغ من العمر 17 عاماً بأنه يرغب في دراسة تكنولوجيا المعلومات لكن يجب أن يحسّن لغته الإنكليزية أولاً. "نريد المزيد من الدروس، نحتاج للتعلم بشكل أسرع".
يتوقون إلى متابعة حياتهم التي توقفت. ويعتبر هذا الأمر مشتركاً بين الـ166 شخصاً الذين أعيد توطينهم في كوفنتري التي هي من بين المجالس المحلية الثلاثة في المملكة المتحدة التي استقبلت اللاجئين السوريين بموجب برنامج عام 2014. وبالنسبة لهم، فإن كوفنتري هي أكثر من مجرد ملاذ آمن؛ إنها مستقبلهم الذي لم يختاروه ولكنهم عازمون حالياً على التأقلم معه.
يتواجد عبد المنعم رضوان وعائلته هنا منذ سبتمبر/أيلول 2014. وكان عبد المنعم البالغ من العمر 45 عاماً محامي عائلات في حمص التي شهدت بعض أعنف المعارك خلال الأعوام الخمسة للصراع في سوريا وقد فر من العنف الذي اقترب أكثر من أي وقت مضى من شقتهم في المدينة حيث كان يعيش مع زوجته وأطفاله الصغار الثلاثة وبعدها من منزل والدته في الضواحي.
فروا إلى الأردن في عام 2012 حيث تسجلوا كلاجئين لكنهم استأجروا منزلاً بشكل فردي. ولا يعتبر ذلك تجربة سعيدة لرضوان. وبما أنه لا يستطيع العمل باعتباره طالب لجوء، كافحت العائلة للاستقرار في المفرق في شمال الأردن حيث قال بأن العلاقات بين السكان المحليين والكثير من اللاجئين الذين استقبلتهم الأردن كانت متوترة في بعض الأحيان. لذا عندما أتت فرصة إعادة التوطين في المملكة المتحدة، إستغلها.
وقال رضوان وهو يعيد النظر بتردد في الأسباب التي دفعته إلى مغادرة سوريا بأن "الهدف أن نكون بأمان. فتخيل فقط أن أطفالك قد يتعرضون للذبح أو هم معرضون لخطر دائم، وثمة صواريخ... وتتوقع الموت في أي وقت وأي لحظة".
يتحدث رضوان اللغة الإنكليزية وهو متعلم، وقد تمكن من الإستقرار بسرعة أكبر من الآخرين، وحتى كسب القليل من المال أحياناً مقابل ترجمته الفورية لمجلس مدينة كوفنتري ومساعدة الواصلين الجدد على الإستقرار.
لكنه لا يزال يعتمد على الفوائد المحلية وهو واقعي حول مستقبله. فالتدريب مجدداً لممارسة مهنة المحاماة في المملكة المتحدة أمر مكلف للغاية وسيستغرق وقتاً طويلاً. وبأمل أن يستخدم معرفته في القانون ومهاراته اللغوية للعمل مع المحاكم الإنكليزية باعتباره مترجماً فورياً. ولكنه مستعد للقيام بأي شيء.
"آمل أن أحصل على وظيفة بدوام كامل. أي وظيفة كانت. فأنا لن أستسلم. وأبذل قصارى جهدي لتحقيق ذلك، صدقوني. ليس لنفسي بل لأطفالي".
ولا يزال إيجاد عمل للاجئين من الأولويات بالنسبة للمنظمات غير الربحية الثلاث التي قامت في كوفنتري بتنسيق برنامج اللاجئين في المدينة مع السلطات المحلية - المركز القانوني في كوفنتري ومركز اللاجئين والمهاجرين في كوفنتري ومكتب إستشارات المواطنين- لكن بيتر بارنيت، المسؤول في مجلس البرنامج، يعترف بأن الأمر عبارة عن مهمة صعبة حتى الآن، مع الحواجز اللغوية التي تثبت بأنها المشكلة الأكبر.
ووقعت حوادث أقل حدة. وقرر بارنيت نقل عائلة واحدة من شقتها عندما قام أحد الأشخاص بكتابة "أعيدوا اللاجئين إلى وطنهم" على الجدار الخارجي، خلال أعمال ترميم بسيطة لإصلاح تسرب.
وشدد على أن ذلك كان حادثاً معزولاً. "قمنا بما نحن قادرون عليه في كوفنتري. ونرغب في القيام بالمزيد. لكننا قمنا بما هو مناسب لهذه المدينة وأشعر بالفخر بذلك".
وبالإضافة إلى ذلك، قال بأنه ثمة "واجب أخلاقي"، وهذا ليس غريباً في مدينة لها تاريخ ككوفنتري. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 1940، تعرضت المدينة لقصف جوي ألماني كثيف أكثر من أي مدينة في المملكة المتحدة في الحرب العالمية الثانية. وقد أدت القنابل المتفجرة إلى تدمير وسط المدينة، ومَحت بشكل كامل تقريباً الكاتدرائية التاريخية ودمرت أو ضررت أكثر من 4,000 مبنى ومنزل. وتوفي أكثر من 560 شخصاً وأصيب الآلاف بجروح وتشردوا.
ومنذ ذلك الوقت أصبحت معروفة بـ"مدينة السلام والمصالحة" بسبب الدور الذي لعبته كاتدرائية كوفنتري ورسالتها في التسامح بعد الحرب العالمية الثانية. وتم نسخ الصليب- المصنوع من المسامير التي وجدت في أنقاض الكاتدرائية القديمة التي تم الاحتفاظ بقمتها وأجزاء من جدرانها الخارجية- في 160 موقعاً في جميع أنحاء العالم وأصبح رمزاً عالمياً للسلام.
وقال بارنيت في ما يتعلق باستقبال اللاجئين بأنه "الأمر الصحيح الذي يجب القيام به"، وبأن هذه هي الرسالة التي ينقلها إلى زملائه من أنحاء العالم الذين ينظرون حالياً إلى كوفنتري باعتبارها نموذجاً لكيفية دمج اللاجئين الضعفاء الذين يصلون إلى البلد من خلال البرنامج الحكومي لإعادة التوطين.
ويسعى أيضا إلى تبديد المخاوف المتعلقة بأن المجالس المحلية تستعد لاستقبال مجموعة جديدة كبيرة من المعالين.
"ليس الأمر كذلك. إنهم أشخاص فخورون جداً؛ وهم لا يريدون أن يشكلوا ضغطاً على الموارد؛ يريدون الاندماج والاستقرار. والعائلات التي تأتي تدعم بعضها البعض".
إيجاد المساكن يطرح تحدياً جديداً. وقد وزع مجلس المدينة العائلات اللاجئة بين المساكن الاجتماعية والأراضي الخاصة التابعة لمالكين. ولكن، وكما في جميع الأماكن تقريباً في المملكة المتحدة، ثمة ركود ولا يكون هناك أي فوائد إلا في مجال تغطية الإيرادات.
ويقر بارنيت بأن هذه المشاكل يمكن أن تكون أقسى بالنسبة إلى الأشخاص الذين ليس لديهم مأوى. حالياً، بارنيت مسرور برؤية عائلات كعائلة عقيل الآتية من إدلب في شمال سوريا تبدأ حياتها من جديد في لونغفورد في شمال كوفنتري.
منزلهم الصغير يشكل تغييراً كبيراً لخالد عقيل البالغ من العمر 45 عاماً والذي قال بأن منزله في سوريا كان يمتد على مساحة 400 م2 وتحيط به أشجار الزيتون والعنب. ولكنه يشعر بالراحة الكبيرة لأنه يشعر بالأمان مجدداً وهو ممتن لكوفنتري على المنزل والخدمات التعليمية التي وفرتها.
كان عقيل في السابق صاحب متجر للأحذية وقد فر مع زوجته فاتن وأطفاله الأربعة من القتال الكثيف والقصف الجوي عام 2012 إلى لبنان حيث كان يتاجر في السابق. ولكنه لم يجد هناك أي فرصة. أجبر على استئجار متجر في سوق كان المالكون فيها يطلبون من اللاجئين دفع قسط سنة كاملة مسبقاً. لم يتمكن من العمل بشكل قانوني لذا طلب من ولديه الصغيرين مساعدته في دفع الأقساط. واستأجروا متجر خضار بشكل غير رسمي من صديق وقام ولداه البالغان من العمر 10 و11 عاماً بمساعدته في المتجر كما عملا في أماكن أخرى.
عقيل يعاني من ارتجاف في يديه بسبب مرض عصبي يتحسن الآن بعد أن زال ضغط الحرب والنزوح وقال بأن "الحياة في لبنان كانت صعبة جداً. وكل يوم كان أسوأ من اليوم الذي مضى. أرى طفلي البالغين من العمر 10 و11 عاماً يعملان ولا يستطيعان أن يحلما بأي شيء".
وقال بأنه يمكنه على الأقل الآن بأن يأمل بمستقبل أفضل لهما حيث يحصلان على التعليم والوظيفة الجيدة.
بدأ الولدان يذهبان إلى المدرسة إلا أن اللغة تبقى مشكلة وهما يتكلمان بدرجات متفاوتة من الثقة. يفضل الولد الأكبر عبد اللطيف والبالغ من العمر 14 عاماً دراسة الرياضيات في المدرسة ويعود ذلك بشكل جزئي إلى أن هذه المادة لا تتطلب مهارات لغوية كثيفة. أما عمر البالغ من العمر 13 عاماً فهو يشعر بارتياح في تكلم اللغة كما أنه يعتاد على التقاليد الإنكليزية. يعشق كرة القدم ويقول بأن فريقيه المفضلين هما برشلونة ومانشستر يونايتد. ولكنه أضاف مبتسماً "سأتعلم أن أحب مدينة كوفنتري".
ومع ذلك، وعندما كانا يُسألان عن منزلهما لم يتردد الولدان في التعبير عن مشاعرهما، حيث يقول عبد اللطيف: "اشتقت لمنزلنا ولأصدقائي وعائلتي"
بقلم عمر كرمي.