فرقة "موسيقانا" السورية تطرب آذان الجمهور الألماني
مجموعة من الفنانين اللاجئين تسحر الجماهير الألمانية بالموسيقى العربية التقليدية، مما يؤسس لتبادل ثقافي وحوار بين القادمين الجدد والسكان المحليين.
برلين، ألمانيا- اعتلى المغني عبد الله رحال خشبة المسرح عندما بدأ عازف العود بعزف لحن ساحر. اجتمع الموسيقيون قبل لحظات فقط. رفع عبد الله صوته ليتماشى مع مقامات نصف النوطة للعود، وكان هناك تناغم إلى حد كبير. لقد ولدت فرقة "موسيقانا".
شكلت فرصة اللقاء هذه في فصل الشتاء في برلين بداية مرحلة جديدة في حياة اللاجئ السوري عبد الله. فقد اكتشف هذا المغني المحترف الذي لطالما كان يكرس نفسه لأداء الأغنيات الطربية العربية التقليدية، سبيلاً جديداً لتبادل ذكرياته عن وطنه المفقود مع بلده المضيف الجديد.
وصرح عبد الله البالغ من العمر 28 عاماً والذي فر من أعمال العنف المتزايدة قرب منزله في مدينة حلب، شمال غرب سوريا، ووصل إلى مأوى خارج العاصمة الألمانية في أكتوبر الماضي قائلاً: "حفلاتنا هي قطعة من سوريا في برلين. تستخدم الموسيقى الطربية الكلمات القديمة والصافية والنقية جداً. عندما يسمع العرب هذه الكلمات، نشعر وكأننا نطير، وكأننا في حالة من الابتهاج الشديد".
سرعان ما انضم إلى عبد الله وعازف العود علاء زيتونة ثلاثة موسيقيين آخرين، وهما عازف الغيتار عادل سبعاوي، والطبالان علي حسن وأحمد نيو، وجميعهم لاجئون من سوريا. وتطوعت صديقة عبد الله راشيل كلارك، وهي روائية اسكتلندية ومنتجة مسرحية، بأن تكون مديرة أعمال الفرقة واندفعت لتنظيم العروض.
وتهافت الوافدون الجدد إلى حضور الحفلات الموسيقية، يتوقون إلى التصفيق والرقص والغناء على أنغام موسيقى عربية طربية مألوفة. لم يحلم الموسيقيون يوماً بأن الجمهور الألماني سيُسحر لهذا الحد بالأغاني العربية وبكلماتها الشعرية. لكنّ "موسيقانا" تبني جمهوراً ثابتاً من المتابعين المحليين.
وقال علاء، الذي أتى إلى ألمانيا من سوريا بتأشيرة طالب: "لم نتوقع بدايةً أن يحبها الألمان، لكنهم يحبونها الآن فعلاً. العالم جميل في حفلاتنا، لا تفرقنا أي جنسية أو تمييز عرقي أو أي شيء آخر، تجمعنا الموسيقى فحسب".
أما راتشيل، والتي كانت قد سمعت بدايةً عبد الله وهو يغني من دون موسيقى في مأوى خارج برلين في الخريف الماضي، فقد اندهشت على الفور بالتأثير الكبير لهذه الموسيقى.
"يمكن أن تلعب الفنون والموسيقى دوراً مهماً في فهم ثقافة الآخرين"
وقالت: "يمكن القول بأن الكلمات كانت مميزة وبأنها كانت تحرك مشاعر اللاجئين الآخرين. كان كل من الأغاني والألحان جميل جداً، وكانت نغمات نصف النوطة وربع النوطة المذهلة والتي تتميز بها الموسيقى الشرقية، كلها موجودة".
وحرصاً منها على إيجاد آذان صاغية لصوت عبد الله، فقد دعت راشيل الفرقة الموسيقية إلى عروضها الروائية التي بيعت تذاكرها بالكامل، حيث يتبادل اللاجئون ذكرياتهم عن سوريا قبل الحرب. كان هدفها تقديم الوافدين الجدد في برلين إلى المجتمع المحلي.
وقالت: "يمكن أن تلعب الفنون والموسيقى دوراً مهماً في التقريب بين الشعوب، وفهم ثقافة الآخرين، والاندماج أيضاً". وأضافت بأن جواً ساحراً طغى على الحفلات: "ليست تلك إلا بداية لمزيد من التواصل".
"لم أكن متأكدة من أن الشعب الألماني سيحب هذه الموسيقى فوراً كما فعلت. لكنني لاحظت في الحفلة الأولى فضولاً كبيراً بين الحضور للتعرف على الثقافات الأُخرى. عدد كبير من الأشخاص كانوا يصغون إلى أنغام الموسيقى والصوت بتركيز كبير ودهشوا بذلك، كما فعلت".
احترف عبد الله الألحان والموسيقى الطربية المعقدة كطالب في معهد صباح فخري في حلب، واسم المعهد يعود إلى المطرب السوري المعروف دولياً. عندما أنهى عبد الله دراسته، أسس شركة لتصدير مستحضرات التجميل والعطور وكان يغني في أوقات فراغه.
وقال: "عندما اندلعت الحرب، تغير كل شيء في سوريا. فجأة انهار كل شيء، وأصبح كل شيء صعباً. غادرت سوريا لأنه لم يكن لدي أي خيار آخر. إنها الحرب. تعني الحرب أن عليك أن تجد مكاناً لتنجو بنفسك".
"أشعر وأنا أغني الموسيقى الطربية وكأنني أحلق في السماء".
في العام الماضي، هرب عبد الله إلى أوروبا عن طريق لبنان وتركيا، وخاطر في عبور البحر الغادر إلى اليونان، وانضم إلى عشرات الآلاف على طريق غرب البلقان. ساعدته الموسيقى على تحمل الرحلة والبقاء على قيد الحياة.
وقال: "كانت صعبة للغاية. أصيب الكثيرون بالمرض على الطريق. لذا كنا أحياناً نغني معاً، وأحياناً نضحك. لولا الموسيقى، لكان الأمر أصعب بكثير. أشعر وأنا أغني الموسيقى الطربية وكأنني أحلق في السماء. إنها الأمل، توحي بأن شيئاً جيداً سيحدث".
وأشار عبد الله إلى أن شغفه بالموسيقى ساعده على التعامل مع مخاوفه بشأن سلامة أحبائه الذين لا يزالون في سوريا. وعلى غرار العديد من اللاجئين، يعيش في خوف دائم من سماع خبر وفاة أحد أقاربه.
وقال: "يعيش كل الشعب السوري هناك [في سوريا] حياةً رهيبة. الموسيقى تعطي الأمل للناس مجدداً. يتذكرون بأنه كانت لنا حياة، وكنا نحيا بسلام، كانت لدينا أمور كثيرة نقوم بها. تجعل الناس يفكرون بصنع السلام".
وأضاف: "حين أتيت إلى هنا، شعرت بأنني أحمل رسالة. رسالتي هي بأن أنقل ثقافتي إلى الشعب الألماني. وفي الوقت نفسه، يمكنني أن أتعلم شيئاً من ثقافتهم. عندما بدأت، أحب الجميع ما أقوم به. جعلني ذلك أشعر بسعادة كبيرة".
لـ"موسيقانا" طموحات كبيرة. تخطط الفرقة لتسجيل أسطوانة وتقديم العروض في أي مكان آخر في ألمانيا وأوروبا، لنقل الموسيقى السورية إلى جماهير جديدة بهدف تعزيز التفاهم والتبادل الثقافي.
وقالت راشيل: "يمر الجميع بالعملية نفسها، بدءاً من الترحيب باللاجئين وصولاً إلى محاولة إيجاد طريقة للعمل معاً والعيش معاً. هناك حاجة ملحة إلى الحوار. أعلم أن بإمكان الموسيقى إيجاد ذلك الحوار ومساعدة الجميع على الاندماج معاً".