مؤتمر لندن: بنية جديدة لمعالجة الأزمات الكبرى في سوريا وما وراءها

منذ ستة أشهر، عقدت مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة الإنسانية والإنمائية والمالية والسياسية مؤتمراً في لندن بعنوان "دعم سوريا والمنطقة"، وتشارك في استضافته كل من المملكة المتحدة وألمانيا والنرويج والكويت والأمم المتحدة.

وقد كان هدف هذا الحدث الرائد إيجاد طريقة جديدة للاستجابة للأزمة السورية التي طال أمدها وللصراع المدمر الذي كانت له تداعيات وخيمة على الشعب السوري والدول المجاورة والمجتمعات المضيفة. ومنذ عام 2011، فر 4.8 مليون سوري من البلاد ونزح داخلياً 6.6 مليون شخص آخرون، مما ترك آثاراً سلبية هائلة على الاقتصاد والأمن والاستقرار السياسي في المنطقة والعالم بأسره.

وشكل هذا الحدث إنجازاً بارزاً من نواحٍ عديدة – فهو يتصف ببعد النظر والطموح والتعاون- كما أنه أوجد آلية جديدة للاستجابة من الممكن تكرارها عالمياً. وما ميز مؤتمر لندن عن المؤتمرات المشابهة هو هدفه المتثمل ليس فقط في تناول احتياجات التمويل الضرورية، إنما أيضاً أهدافاً سياسية مهمة.

ما الذي جعل من مؤتمر لندن فريداً؟  

أولاً، لم يتعهد المجتمع الدولي من قبل على الإطلاق بتقديم هذا المبلغ الكبير من المال في يوم واحد ولأزمة واحدة. بناءً على التقدم المحرز خلال مؤتمر برلين في عام 2014 ومؤتمرات التعهدات في الكويت، توصل مؤتمر لندن إلى تعهدات تتجاوز 12 مليار دولار أميركي – 6 مليار دولار أميركي لعام 2016 و6.1 مليار دولار أميركي من عام 2017 إلى عام 2020. ويعتبر هذا دعماً غير مسبوق ومثالاً قوياً عن الأثر الذي يمكن تحقيقه عندما يجتمع أصحاب المصالح المتنوعة تحت هدف واحد.

ثانياً، كانت هذه الآلية الجديدة بارزة نظراً للأوضاع الملحة التي تواجهها الدول المضيفة للاجئين، بما في ذلك الأردن ولبنان وتركيا. لم يسعَ مؤتمر لندن إلى فرض رؤية مبنية على وجهة نظر "خارجية"، بل هدف إلى إقامة شراكة حقيقية مع الدول الأكثر تأثراً بالأزمة. وتحدد هذه الأوضاع التحديات والأولويات الرئيسية كما تشير إليها البلدان المضيفة للاجئين، وتؤكد أيضاً على الالتزامات الخاصة للدول المضيفة تجاه اللاجئين. ومن خلال وضع منصة للمشاركة المباشرة بين الدول والبلدان المضيفة للاجئين، حفّز الحدث التضامن الحقيقي من خلال المشاركة الديناميكية لجميع الشركاء. ويتماشى التركيز على تقاسم الأعباء أيضاً مع أهداف الاتفاق العالمي بشأن تقاسم المسؤولية عن اللاجئين، كما حددها الأمين العام للأمم المتحدة.

أطفال سوريون يلعبون خارج مأوى جماعي في صيدا، لبنان. لقد أضاع الكثير من اللاجئين أعواماً من الدراسة.  © UNHCR/Lynsey Addario

ثالثاً، كان النموذج الجديد المقدم في لندن جديراً بالثناء نظراً لكونه يتسم ببعد النظر والرؤية: فهو لا يخطط فقط لتلبية الاحتياجات المباشرة على المدى القصير، بل يأخذ في الاعتبار أيضاً احتياجات اللاجئين والنازحين داخلياً على المدى الطويل، مع تجديد التركيز على التعليم والفرص الاقتصادية ودعم البنية التحتية وتقديم القروض للدول المضيفة للاجئين. ومن خلال الزيارات المنزلية والحوار المستمر مع اللاجئين والمجتمعات المضيفة لهم، حددت المفوضية أهم الأسباب التي تدفع اللاجئين السوريين إلى مغادرة المنطقة والانتقال إلى أوروبا. وتشمل هذه الأسباب فقدان الأمل بإيجاد حل سلمي للأزمة؛ وازدياد معدلات الفقر؛ وفرص العمل المحدودة؛ ونقص المساعدات؛ والعقبات التي تعيق تجديد الإقامة القانونية؛ وفرص التعليم المحدودة. وقد ساعدت هذه النتائج المهمة في وضع أهداف مؤتمر لندن. واعترفت البلدان المضيفة أن هذا الوضع المأساوي يتطلب تحولاً جذرياً لتمكين اللاجئين من مواصلة التعليم خارج الوطن ومن استخدام مهاراتهم للبحث عن فرص اقتصادية جيدة والاعتماد على ذاتهم بشكل أكبر.

وأخيراً، كان المؤتمر مهماً في إبراز العواقب الإنسانية للصراع، عن طريق تجديد الالتزام بحماية المدنيين داخل سوريا. على مدى أكثر من خمسة أعوام، شهدت الأزمة السورية انتهاكات مروعة للقانون الدولي، ومستويات مروعة من العنف ضد المدنيين والأهداف المدنية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس. وداخل سوريا، كان هناك تجاهل شبه تام لمعايير حقوق الإنسان ومعايير الحماية الأساسية. وفي لندن، أكد المجتمع الدولي مجدداً على أهمية التمسك بمبادئ حقوق الإنسان والاعتراف بسيادة القانون الدولي. وبدون هذا الركن الأساسي، لا يمكن أن يصبح العالم مكاناً آمناً على الإطلاق، وستتكاثر الأزمات وحالات النزوح.

للأسباب الأربعة المذكورة أعلاه، كانت بنية ونتائج مؤتمر لندن رائدة فعلاً باعتبارها وسيلة للاستجابة لأزمة ذات أبعاد عالمية متنامية. وكانت الرؤية الجديدة المقدمة بمثابة تقدير لبعد نظر وقيادة الدول المضيفة للمؤتمر والبلدان المضيفة للاجئين والجهات المانحة التي قدمت التزامات جديدة.

وبعد نصف عام، نحن نحث جميع المشاركين على الحفاظ على هذا الزخم.

أعوام من القتال تركت المدينة القديمة في حمص في حالة من الدمار. يحتاج الملايين في سوريا إلى الحماية والمساعدة المنقذة للحياة.  © UNHCR/Andrew McDonnell

لم تكن الوعود المقطوعة ملزمة قانونياً؛ وهي تستند بشكل كامل إلى الالتزام الكامن وحسن نية الدول الأعضاء بتحويل التعهدات إلى واقع ملموس، في مواجهة الأزمة المتصاعدة. وحتى الآن، لم يتم الحصول سوى على 2.7 مليار دولار أميركي من أصل 6 مليار دولار أميركي تم التعهد بها و4.2 مليار دولار أميركي تم تخصيصها لأهم نداءات الأمم المتحدة في عام 2016. وسيوفر هذا المبلغ الدعم للبرامج الأساسية وهو بداية إيجابية، ولكن ثمة حاجة إلى صرف المبالغ بصورة أسرع في الفترة المتبقية من العام لضمان عدم انقطاع توفير الخدمات للأشخاص المحتاجين.

والأهم أخيراً هو وضع آلية قوية لحفظ السلام والدبلوماسية الوقائية، مع دعم كامل من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة والقوى الإقليمية. فتعدد نقاط القتال وتطرف الجهات الفاعلة غير الحكومية والصراعات التي طال أمدها ساهمت في تفاقم عدم الاستقرار في العالم، ما يجعل من كوكبنا مكاناً عاصفاً. ويشكل نزوح أكثر من 65 مليون شخص في العالم، وارتفاع هذا العدد بحوالي 34,000 يومياً، إشارة بالغة الوضوح للعالم في هذا السياق.

السفير يواخيم روكر هو المبعوث الخاص للحكومة الألمانية لبرنامج الشراكة والاستقرار في الشرق الأوسط، وكان لوقت قريب الممثل الدائم لجمهورية ألمانيا الاتحادية في مكتب الأمم المتحدة وفي منظمات دولية أخرى في جنيف.

السيد أمين عوض هو مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مقر المفوضية في جنيف والمنسق الإقليمي لأزمة اللاجئين في سوريا والعراق.