سيف الحق أومي، مصور صحفي

أحد لاجئي الروهينغا يشير إلى البيت الذي لا يستطيع العودة إليه. كوكس بازار، بنغلاديش. تصوير: سيف الحق أومي

أحد لاجئي الروهينغا يشير إلى البيت الذي لا يستطيع العودة إليه. كوكس بازار، بنغلاديش. تصوير: سيف الحق أومي

سيف الحق أومي

كان ذاك يوماً آخر. تستيقظ في الخامسة فجراً، تستقل الشاحنة وتُمضي ساعات على الطريق، وبوصولك إلى المخيم وهو “نصف الجحيم”-بيت من لا بيت لهم ومكان لعديمي الجنسية-يكون الصباح قد أشرق. وكأي مصور تنتظر استيقاظ مَن ستلتقط صورهم؛ وتكون أول من يرى الشمس تشرق أيضاً! كان ذاك يوماً طويلاً. عملت لساعات، ولم تكن الشمس لطيفة معنا-فعاقبتنا بحرّ لا يحتمل… كان من يرفّه عني، وهو زميل لي من الروهينغا- لنقُل إن اسمه جون” شخصاً حساساً جداً. ففي كل مرة شعر بأن يومي مضنٍ عرف ما يفعل؛ كان يدعوني قائلاً: “لنذهب في نزهة في محاذاة النهر، إنه نهر رائع.”

كنت أسير وحيداً وكنت قريباً من النهر ولم يكن أحد موجوداً باستثناء جون. وكان مشهد الغروب ذاك من أروع مشاهد الغروب التي رأيتها. في كل مرة أنظر فيها إلى النهر، أشعر بالضعف. أرى بورما التي يدعونها ميانمار اليوم وأشعر أنها قريبة وبعيدة في آنٍ معاً. احترقت بورما لسنوات طويلة وواجه الروهينغا أبشع أنواع الوحشية وها “نحن” في الجهة الأخرى من الحدود [في بنغلاديش]. نحن ننظر فقط ولا نستطيع القيام بشيء، أو ببساطة لا نقوم بأي شيء.

نظرت إلى الأعلى بينما حدثني جون. “هل ترى الجانب الآخر للنهر؟”، فأجبت، “بالطبع أراه، بما أنه يبعد عن هنا كيلومترين على الأكثر.” ثم قال شيئاً أثر فيّ حقاً. “ليس بيتي بعيداً من هنا، ليس عليك سوى عبور نهر “ناف”، منزلي في محاذاة النهر. هو لا يبعد سوى ثلاثة كيلومترات ولكن يبدو لي أنه يبعد ثلاثة ملايين كيلومتر، وهي مسافة لن أتمكن من عبورها أبداً. أمي هناك وبيتي هناك. المكان قريب لشخص مثلك ولمن يحملون جوازات سفر ويستطيعون الذهاب أينما يشاؤون. ولكن بالنسبة إلينا، ولمن هم مثلنا، هي الأرض الممنوعة. ما سيكون شعورك لو عرفت أن أمك هناك، على بعد 30 دقيقة من المكان الذي تقف فيه وعرفت أنك لن تتمكن من رؤيتها مجدداً؟”

في تلك اللحظة، وبعد أن عملت لسنوات على هذه القصة محاولاً فهمها، دفعتني كلمات جون هذه إلى إعادة التفكير. أدركت أنني لن أكون مكانه يوماً. أدركت أن المصور يمكنه التقاط لحظات الحزن غير أنه لا يعيشها أبداً. أدركت أن أحد أعلى الجدران في القرن الحادي والعشرين هو ذاك الشيء غير المرئي الذي يُعرف بالحدود. أدركت أنه، وفي عالم اليوم، ومع هوس العالم بفكرة الدولة القومية، يبقى كل من يُستثنى من النظام لسبب من الأسباب مهملاً على الدوام. وهو أو هي، لن يتمتع أبداً بالكرامة أو يحظى بشرف اتخاذ القرار بشأن مستقبله مهما بلغت معاناته.

شعرت بالحزن والضعف والتقطت هذه الصورة، وكانت الصورة الوحيدة التي التقطتها. لم تسمح لي اللحظة بالتقاط صورة أخرى ولم يكن قد تبقى لي شيء من القوة. هذه الصورة التي يدلنا فيها جون إلى الجهة الأخرى من الحدود هي قلب عملي. أنا أعتقد، لا بل أنا واثق، من أن صورة واحدة كافية لإخبار القصة كاملةَ.


أسرة واحدة فرقتها الحرب رقم أكبر من أن يحتمل

تعرفوا أكثر عن عملنا مع اللاجئين بزيارة UNHCR-Arabic.org