طفل سوري في ألمانيا يطمح للعالمية في كرة القدم
فر أحمد الذي يبلغ من العمر 7 أعوام من الحرب والفوضى في سوريا. وبعد أن وصل إلى بر الأمان، يأمل الآن في أن يصبح نجم كرة قدم عالمياً ويشاهد البطولات الأوروبية عن كثب للاطلاع على مستجدات اللعبة.
يرسم أحمد الزاهر ابتسامة عريضة على وجهه الطفولي وينظر إلى والده، محمد، الذي يجلس على أرض الملعب في الجوار، واضعاً زجاجة مياه على رأسه. أخذ أحمد خطوة إلى الوراء ثم ركض وركل الكرة بقدمه اليسرى القوية نحو وجه والده.
انقطعت أنفاس الفتيات الألمانيات الفضوليات للحظة في الوقت الذي انطلقت فيه الكرة في الهواء. ومن ثم هتفن عندما ضربت الكرة الزجاجة وأسقطتها عن رأس الرجل بضربة قوية. وأخذ أحمد يركض محتفلاً، وانزلق على الأرض رافعاً يده فوق رأسه وأخذ يدور ويقفز كاللاعب الشهير كريستيانو رونالدو.
هذه الحيلة المتقنة هي واحدة من بين حيل كثيرة يمارسها الأب وابنه بعد ظهر كل يوم بعد المدرسة. ويطمحان أن يؤتي عملهما الدؤوب ثماره في أحد الأيام وأن تلفت مهارات أحمد نظر واحد من أكبر الأندية الأوروبية.
ويقول أحمد المفوضية مشيراً إلى لاعب كرة القدم المحترف الأكثر شهرةً: "لاعبي المفضل هو كريستيانو رونالدو لأنه الأفضل والأسرع. أنا سريع أيضاً، وأحلم في لقائه في أحد الأيام ولعب كرة القدم معه".
ويقول والده: "سوف نشاهد بشوق بطولة كأس الأمم الأوروبية وسوف نشجع ألمانيا. سيكون الأمر صعباً لكننا نؤمن بأن ألمانيا ومنتخبها الوطني سيتمكنان من تحقيق الفوز. وأفضل شيء في كرة القدم وفي البطولة الأوروبية لهذا العام بشكل خاص هو أنها لعبة تجمع الأشخاص معاً. وعلى طول التسعين دقيقة، يكون الجميع معاً بغض النظر عن العقيدة أو الدين أو الثقافة".
ويضيف أحمد: "إن بطولة كأس أوروبا هي تماماً ككأس العالم؛ فهما متشابهتان من حيث الأهمية والروعة والمتعة".
وكانت أحلام أحمد الكبيرة هي التي دفعت والده، وهو حارس مرمى سابق، للفرار من جبلة، وهي مدينة ساحلية في شمال غرب سوريا. ويقول محمد البالغ من العمر 39 عاماً: "غادرت من أجل أحمد. عندما اندلعت الحرب أدركت أن لا مستقبل له في سوريا. ولم أعلم إلى متى سيطول الأمر. كان سيصبح رياضياً ولن يكون هذا ممكناً. ففكرت بأنه يحتاج للتدريب المناسب لأنه يتمتع بهذه الموهبة".
ويقول محمد بأن عالمه بأسره تغير عند ولادة أحمد – وكانت موهبة الطفل الصغير واضحة منذ اللحظة الذي استطاع فيها الوقوف: "بدأ أحمد يلعب كرة القدم منذ أن بدأ المشي. ولاحظت منذ البداية أنه يحب اللعبة ويشعر بالراحة على أرض الملعب. ولم يكن كباقي الأطفال في ما يتعلق بكرة القدم. أراد أن يسدد وأن يسجل الأهداف، كان يلعب جيداً ببساطة".
في أحد الأيام، عندما كان أحمد في الثانية من العمر، اصطحبه محمد إلى إحدى المباريات في الدوري السوري. فأدهش الجمهور بدخوله إلى أرض الملعب وعرضه حيله. ويتذكر والده قائلاً: "كان الجميع متحمساً ومعجباً به. وتوقع له أهم اللاعبين السوريين مستقبلاً باهراً على الصعيد العالمي".
لكن مع مرور الأعوام ودخول بلده في الحرب، بدأ محمد يفقد الأمل في أن تعود الأمور إلى طبيعتها. ويقول: "أسمع الأخبار عن سوريا وأشعر بالحزن. بإذن الله ستنتهي هذه المصاعب وستتعافى سوريا. جميع السوريين هم أشقائي وشقيقاتي وأدعو أن تتحسن الأمور في بلدي".
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قرر محمد وزوجته عفاف وشقيقته زهراء أخذ أحمد إلى لبنان ومنه إلى تركيا. اقترض المال ليدفع للمهربين، لكن المال لم ينجح في نقلهم بأمان إلى اليونان. فحاله حال الكثيرين، تعطّل قاربهم الهش عند منتصف الطريق عبر بحر إيجه.
ويتذكر محمد قائلاً: "كنا في منتصف الطريق عندما تعطّل المحرك. حاولنا المتابعة لكن المياه دخلت إلى القارب. ومن ثم، بدأنا نغرق على مسافة قريبة من الساحل اليوناني. وللحظة، اعتقدت بأننا تهنا. لكن كان هناك قارب أمامنا مليء باللاجئين. عادوا أدراجهم لمساعدتنا ونجحنا جميعنا في الوصول إلى اليابسة. وما زلت لا أصدق أننا نجونا، وأن الجميع قد نجا من الغرق في البحر".
وفي اليونان، سلك أحمد وعائلته طريق غرب البلقان، وقطعوا هنغاريا وسلوفينيا للوصول إلى النمسا. وفي أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، استقبلهم رجال الشرطة أثناء عبورهم حدود ألمانيا سيراً على الأقدام وأصعدوهم في حافلة متوجهة إلى مأوى في بوتسدام، وهي مدينة في جنوب غرب برلين.
ويقول محمد: "لم نكن نعلم أين كنا ذاهبين. كل ما عرفناه هو أننا وصلنا إلى مكان أفضل. فبعد رحله كهذه، لم أصدق أننا وصلنا. وشعرت بالارتياح لذلك. بالكاد تمكنت من النوم خلال 15 يوماً وبقيت مستيقظاً أراقب الآخرين بينما ينامون. وكنت خائفاً على ابني كثيراً طيلة الوقت. وعندما وصلنا أدركت أنني وعائلتي بأمان".
يملك أحمد وعائلته أيضاً صفة اللاجئ في ألمانيا. وفي يناير/كانون الثاني، انتقلوا إلى شقة مستأجرة مؤلفة من ثلاث غرف نوم في بوتسدام. ويتأقلم الولد الصغير في محيطه الجديد ويجتهد في المدرسة ويلعب في فريق كرة قدم للأطفال. ولكن الأمر صعب بالنسبة للبالغين. فمحمد يتعلم اللغة الألمانية، في حين أن عمة أحمد، زهراء، البالغة من العمر 29 عاماً تتدرب من جديد، على أمل متابعة عملها السابق كمعلمة للصفوف الابتدائية.
ويقول محمد: "في ألمانيا، نبني حياة جديدة. عليك الاعتياد على ذلك وإعادة بناء حياتك من جديد".
ويضيف أحمد: "إنني أتعلم اللغة الألمانية بسرعة على عكس البالغين. وأحياناً، تتحدث عائلتي معي باللغة العربية فأجيب بالألمانية ولا يفهمون ما أقوله. وأنا أحب المدرسة، والمادتان المفضلتان لدي هما الرياضة واللغة الألمانية. معلم اللغة الألمانيا يجعل من التعليم سهلاً وممتعاً، ونتعلم كيفية صنع بعض الأشياء وكيفية رسم الصور. إنه مسرور مني لأنني أجيد كتابة بعض الكلمات".
لم يتأثر أحمد بعدم وجود أطفال سوريين آخرين في مدرسته – فمهاراته في كرة القدم جعلته معروفاً. ويقول: "جميع الأطفال في صفي هم أصدقائي. كل شيء جديد هنا وأنا أفكر في العودة إلى سوريا لرؤية منزلي واللعب مع أصدقائي والرجوع إلى ألمانيا بعد ذلك. وأتمنى أن يكون الأطفال في سوريا سعداء وآمنين. فأنا ألعب كرة القدم يومياً وهذا الأمر يفرحني".