قصص أخبارية, 27 يناير/ كانون الثاني 2016
حوالي 90 في المائة من أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان يرزحون تحت عبء الديون المتراكمة؛ هذا ما خلصت إليه عملية مسح أجريت مؤخراً من قبل كلّ من مفوضية اللاجئين واليونيسيف وبرنامج الأغذية العالمي. فقد زادت قيمة المبالغ التي يدين بها اللاجئون السوريون لمالكي العقارات وأصحاب المتاجر والأصدقاء والأقارب بنسبة 22 في المائة خلال العام 2015. بالإضافة إلى ذلك، فقد أظهر تقييم جوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان الذي أجري في العام 2015 أنّ 70% من أسر اللاجئين يعيشون حالياً تحت خط الفقر الذي يوازي 3.84 دولار أميركي للشخص الواحد في اليوم، وذلك مقارنة بـ50% في العام 2014.
كما أن ضخامة الاحتياجات وهشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية قد زادت من صعوبة مواجهة اللاجئين السوريين للعوامل المناخية الصعبة في أشهر الشتاء الباردة. خلال العام 2014/2015، شهدت البلاد عاصفتين كبيرتين. في موازاة ذلك، استمرّت المفوضية والمنظمات الشريكة بتوفير الدعم الشتوي حتى شهر مارس/آذار 2015، فقدّمت المساعدة إلى أكثر من 180,000 أسرة من اللاجئين السوريين والسكان اللبنانيين المحتاجين لكي يتمكنوا من التصدي لهشاشتهم المتزايدة جرّاء الأحوال الجوية القاسية.
وبفضل التبرعات السخية المقدّمة من دولة الكويت وغيرها من الجهات المانحة، تلقت 46,200 أسرة، أي حوالي 230,000 لاجئ سوري، مساعدات شتوية لضمان تنعمهم بالدفء خلال موسم البرد في العام الماضي. وفي العام 2015-2016، ستستفيد أكثر من 180,000 أسرة من المساعدات الشتوية المقدّمة من خلال المفوضية.
تتلقى أسرتا عبد الكريم ويسرا مساعدة شتوية من المفوضية لقضاء شتائهما الثالث ومواجهة الطقس البارد في لبنان.
يعمل عبد الكريم في قطاع البناء في لبنان منذ 30 عاماً. كان يزور عائلته في سوريا كلّ شهر لقضاء أسبوعٍ مع أطفاله وزوجته. يتحدّث عبد الكريم عن حياته في لبنان ويقول: "إنّ متطلبات الحياة باهظة الثمن هنا إذ ندفع 100 دولار أميركي للخيمة الواحدة على قطعة الأرض هذه. أقترض أحياناً المال من الجيران أو أستخدم المساعدة التي أتلقاها من المفوضية لتسديد الإيجار. غير أن الوضع صعب جداً". لقد دُمّر منزل عبد الكريم في إدلب بالكامل على حدّ ما أبلغه مؤخراً ابنه محمد الذي لا يزال في سوريا. "لقد عملت وشقيت طوال حياتي لبناء منزل لنا في سوريا؛ والآن ضاع كلّ شيء. إذا عدنا إلى بلدنا، سنضطر للعيش في خيمة أو استئجار غرفة في مكان ما. لقد خسرنا كلّ ما نملك".
ويضيف عبد الكريم، 50 عاماً: "مرّت ثلاث سنوات منذ أن غادرت عائلتي إدلب في سوريا وانضمّت إلي في لبنان". اضطر محمد، ابن حميدة البكر، إلى البقاء في إدلب مع زوجته وأطفاله. تصف حميدة، 42 عاماً، الظروف التي كانوا يعيشونها في بلدتهم قائلةً: "لم يعد بإمكاننا تحمّل الوضع. كان القتال عنيفاً جداً، وكنت أختبئ مع أبنائي وبناتي في الكهوف. كنا نسمع كل يوم عن مقتل أحد الجيران أثناء عبوره الطريق أو اختفاء طفل وهو في طريقه إلى المدرسة. انتظرت حتى هدأ الوضع قليلاً في أحد الأيام واصطحبت أبنائي التسعة خارج المدينة. ركبنا سيارة أجرة كبيرة وجئنا مباشرة إلى لبنان". وأوضحت حميدة أنّ الرحلة استغرقت أكثر من يوم بسبب حواجز التفتيش المنتشرة على الطريق. "كنت أخشى من أن يتمّ توقيفنا أو أن يتأذى أطفالي".
إن المساعدات الشتوية التي يتلقاها عبد الكريم وعائلته ضرورية بالنسبة إليهم لكي يتمكنوا من تدفئة خيامهم خلال فصل الشتاء. فعلى حدّ تعبير عبد الكريم، "تساعدنا المفوضية في الحصول على المواد الأساسية التي نحن في أمس الحاجة إليها، مثل الوقود والملابس الشتوية والأحذية". ويضيف، "أستخدم أيضاً هذه المساعدة لتوفير حاجة أطفالي من الغذاء والمياه النظيفة للشرب. إننا نعتمد على هذه المساعدة لتلبية احتياجاتنا الضرورية".
كان معظم أطفال حميدة يرتادون المدرسة في سوريا. أمّا في لبنان، فلا يمكن لأي منهم متابعة تعليمه نظراً إلى انعدام وجود أي مدرسة في الجوار. تقول حميدة: "يقضي أطفالي معظم يومهم في جمع الزيتون وقطع الحطب الذي نبيعه أو نستخدمه". وتضيف: "هناك حوالي 40 طفلاً يعيشون هنا في هذا المخيم [في جبل لبنان]، وذلك فضلاً عن السكان الكبار. كما ترون، العديد منهم مرضى، يسعلون بشكلّ مستمر ويعانون من الرشح بسبب البرد. تنخفض الحرارة جدّاً في الليل إذ إننا نعيش على ارتفاع 800 متر، وعلينا على الدوام إصلاح الأرضيات في داخل الخيم لمنع تسرب المياه إلى الخيمة". تزوّد المفوضية حميدة وعائلتها بالأغلفة البلاستيكية، وذلك لحماية خيمتهم من المطر والرياح القوية.
كانت حياة حميدة أفضل بكثير قبل الحرب في سوريا. "لم يكن ينقصنا شيء". وتضيف: "كان لدي غسالة في المنزل، وكهرباء وماء على مدار الساعة، طوال أيام الأسبوع. وكان أطفالي يحصلون على الرعاية الصحية والتعليم مجاناً. الحياة هنا في لبنان مكلفة جداً".
تضطر حميدة أيضاً إلى شراء الخبز والأرز والفاصوليا لأطفالها التسعة. "فالمساعدات التي نحصل عليها غير كافية". وتضيف: "يتناول أطفالي اللحم مرة واحدة في الشهر، وبالكاد يأكلون أي خضار". في الصباح، تعِدّ حميدة الشاي وسندويشات الزيتون لأطفالها. وإذا كان الحظ حليفهم، يحصلون على الحليب من الجيران. "نجمع الزيتون كل يوم، إما لتناوله أو لعصره وتحويله إلى زيت زيتون. لكنّ طفلتي الصغيرة أمون لم تتجاوز شهرها الخامس، فلا يمكنها تناول الطعام الذي نأكله. لا بدّ من شراء الحليب لها". لهذا السبب، يستخدم عبد الكريم جزءاً من المساعدات الشتوية التي يتلقاها من المفوضية لشراء الطعام.
تعيش يسرا مع أطفالها في خيمة أخرى مجاورة في المخيم نفسه. لقد أنجبت مؤخراً طفلتها نغم، وهي في شهرها الثاني تقريباً. "غادرتُ سوريا بسبب الحرب. كان الوضع مرعباً، وكنت أعيش مع أطفالي في حالة خوف دائمة. لم أتمكن إلا من إحضار بعض الملابس الصيفية، ولا نزال نرتديها اليوم على الرغم من الطقس البارد".
على الرغم من صعوبة الحياة في لبنان، تشعر يسرا بقدر أكبر من الأمان، كما أنها أقل قلقاً على أطفالها. تتحدث يسرا عن الوضع في سوريا فتقول: "قبل الحرب في سوريا، كان لدي بيتي الخاص مع أثاث وسجاد ومطبخ وحمام. غير أن الوضع لم يعد آمناً، فكيف يمكنني البقاء هناك؟". تجمع يسرا الحطب كل يوم مع أطفالها لكي تتمكن من تسخين المياه للطهي والغسيل. "لم يسبق لي أن فعلت ذلك في سوريا. كان لدينا مياه ساخنة طوال الوقت. الحياة مريرة هنا". عندما تمطر، تصبح الغرفة الصغيرة التي تستخدمها يسرا كمطبخ رطبة جداً وتتبلل الأرضية بالكامل. تروي يسرا ما حدث معها، "لقد انزلقت ووقعت عدة مرات هنا؛ أعتقد أنني سأكسر ذراعي أو قدمي يوماً ما".
تتابع يسرا حديثها بصوت حزين، وهي تحمل طفلتها الصغيرة بين ذراعيها: "أفتقد عائلتي. كنت أرى أمي وأخي وأخواتي كل يوم. لقد غادر بعضهم إلى تركيا والبعض الآخر لا يزال في سوريا. أشعر أنني لن أراهم بعد اليوم". تنجح يسرا من التحدث مرة واحدة في الشهر مع والدتها وأخواتها اللواتي غادرن إلى تركيا. "لم أتمكن من إحضار أي صورة معي من بيتي في سوريا. أطفالي الصغار لا يعرفون وجه جدتهم. وعلى الأرجح أنهم لن يتعرفوا عليها أبداً".
تستفيد يسرا من الدعم الشتوي الذي تحصل عليه من المفوضية لتوفير التدفئة اللازمة لأطفالها. "على الرغم من أنّ وضعنا ليس مثالياً، غير أن أطفالي يتنعمون على الأقل بمكان آمن ودافئ ليناموا فيه. لم أعد خائفة كما كنت في السابق".
في العام 2015، ساعدت المساهمة السخية التي قدمتها دولة الكويت، والتي بلغت قيمتها 31 مليون دولار أميركي، المفوضية على توفير الدعم لأكثر من 850,000 لاجئ سوري في لبنان، وذلك من خلال توفير الرعاية الصحية الثانوية والمساعدات الشتوية والحماية للاجئين في لبنان.
Tweets by @UNHCR_Arabic