60 عاماً على اتفاقية جنيف للاجئين: على أوروبا التمسك بقيمها
مقالات المفوض السامي, 24 يوليو/ تموز 2011
بعد ستين عاما على توقيع معاهدة جنيف الخاصة باللاجئين، والتي ساعدت الملايين من النساء والرجال والأطفال الفارين من الاضطهاد والحروب والتعذيب، على تأمين الحماية وآفاق مستقبل أكثر إشراقا، مايزال يشوب العالم نزاعات قديمة وجديدة. ومنذ فصل الربيع، شاهدنا أكثر من مليون شخص وهم يتركون وراءهم كل شيء فارين من الحرب في ليبيا. وبالرغم من أن عدداً قليلاً نسبيا فقط أتوا إلى أوروبا، إلا أن الصور صدمتنا جميعا، حيث يعرض الرجال والنساء والأطفال حياتهم للخطر في قوارب غير صالحة للإبحار في كثير من الأحيان في محاولة لعبور البحر المتوسط في طقس سريع التغير – يموت عبر تلك المحاولة عدد غير معروف ولكنه كبير من الاشخاص.
إن لأوروبا واجب تجاه هؤلاء الناس، وجميع اللاجئين، وتجاه نفسها أيضاً في الحفاظ على قيم اتفاقية عام 1951 الخاصة باللاجئين. لقد انبثقت الاتفاقية من الشعور القوي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية والمتمثل بـ"ليس ثانية". وقدمت الاتفاقية إطارا قانونيا واضحا لحماية الأفراد الفارين من الاضطهاد. إن القيم المنصوص عليها في اتفاقية اللاجئين وغيرها من الصكوك الدولية التي اعتمدت في نفس الوقت تقريبا، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف بشأن قانون النزاعات المسلحة، هي جزء من هوية أوروبا، وبنيت في صلب هيكل الاتحاد الأوروبي. وفي الواقع فإن الاتحاد الأوروبي نفسه هو وليد رغبة للحد من البؤس الناتج عن الحرب. إن جزءاً من جوهر الاتفاقية هو حقوق الإنسان وحماية اللاجئين.
وعلى مدى أربعة من العقود الستة التي مرت من عمر اتفاقية اللاجئين، كان الأوربيون أنفسهم المستفيدين الرئيسيين من حماية اللاجئين، والكثير منهم الآن من مواطني الاتحاد الأوروبي. جميعنا يتذكر الحروب التي حدثت في منطقة البلقان منذ بضع سنوات فقط واللاجئين الذين كانوا بحاجة إلى الحماية. وبالطبع فإن سبب إنشاء المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في المقام الأول هو مساعدة مئات الآلاف من الأشخاص المهجرين والمعوزين بعد نصف عقد من نهاية الحرب العالمية الثانية.
ولطالما شجع القادة السياسيون في جميع أنحاء أوروبا ومنذ فترة طويلة على تطوير الهياكل الديمقراطية باعتبارها أفضل ضامن لحقوق وفرص الشعوب حول العالم. ومع ما يحدث على الشواطئ الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، فإن هناك فرصة لترجمة النصائح إلى أفعال. وقد أظهرت الحكومة والشعب في كل من تونس ومصر كرماً وحسن ضيافة مشهودين في استضافة مئات الآلاف من الأشخاص الفارين من ليبيا. وقد أقر الاتحاد الأوروبي بأهمية إظهار التضامن مع بلدان شمال افريقيا ولكن كان بمقدوره أن يفعل أكثر من ذلك بكثير.
وتميل المناقشات التي تجري بين الدول الأعضاء إلى التركيز على التحديات التي قد يشكلها الناس المغادرون لليبيا بدلا من التركيز على الطاقات التي لديهم لإثراء مجتمعاتنا. وفي كثير من الأحيان تفشل المناقشات أيضاً في الأخذ بعين الاعتبار التوزيع النسبي لطالبي اللجوء واللاجئين في جميع أنحاء العالم. فقد استقبلت دول الاتحاد الاوربي البالغ عددها 27 بلدا ما يزيد بقليل على 243,000 طلب لجوء في العام الماضي. ويمثل ذلك العدد حوالي 29 في المئة من إجمالي طلبات اللجوء في جميع أنحاء العالم. وقد استقبلت جنوب أفريقيا وحدها ما يقرب من 18,0000 طلب. ومن حيث الأفراد المعترف بهم كلاجئين، هناك ما يقرب من 4/5 ممن يقيمون في بلدان العالم النامي. وقد منحت دول الاتحاد الأوروبي صفة اللجوء أو أشكالاً أخرى من الحماية لحوالي 74,000 شخص في العام الماضي. على النقيض من ذلك، هناك حوالي 400,000 لاجئ في مجمع واحد لمخيمات اللاجئين في داداب بكينيا – وهو عدد ينمو بما يقدر بـ1300 إلى 1500 شخص يومياً في ضوء الأزمة في الصومال.
وبالتأكيد فإن للاتحاد الاوروبي القدرة على زيادة حصته من المسؤولية تجاه اللاجئين وطالبي اللجوء. إن وضع نظام لجوء حقيقي مشترك في الوقت الحاضر لا يزال بعيد المنال، حيث ان اختلافات كبيرة لا تزال قائمة بين الدول الأعضاء من حيث استقبال ومعاملة طالبي اللجوء. في عام 2010، كان لطالبي اللجوء من العراق أرجحية بنسبة 49 ٪ للحصول على الحماية الدولية في فرنسا، وفرصة بلغت 56 ٪ في ألمانيا، وأدنى من 2 ٪ في اليونان أو أيرلندا. إن نظاماً يتعامل مع طلبات اللجوء بهذه الطريقة المتفاوتة جداً لهو أبعد مايكون عن الاكتمال. نأمل أن تعطي الذكرى الـ 60 لاتفاقية اللاجئين دفعة من أجل إنشاء "نظام لجوء أوربي مشترك" وحقيقي. ومن المتوقع أن يساهم "المكتب الأوروبي لدعم اللجوء" المنشأ حديثاً بشكل فعال في هذا الصدد، سواء بين دول الاتحاد الأوروبي أو بين الاتحاد والبلدان الواقعة خارج الاتحاد الأوروبي.
يمكن لأوروبا أيضا أن تفعل أكثر من ذلك بكثير من حيث إعادة التوطين. إن إعادة التوطين هي عملية يتم من خلالها نقل اللاجئين بشكل دائم، وعادة من بلدان أقل تقدماً، إلى بلدان جديدة بإقامة دائمة، وتكون في معظم الأحيان في العالم المتقدم. ويتم توطين اللاجئين عندما لا يستطيعون البقاء في أمان في بلدان لجوئهم الأول أو ليس لديهم إمكانية لإيجاد حل دائم لهم هناك. إن أماكن التوطين التي توفرها أوروبا في الوقت الحاضر والبالغة ما يقرب من 6000 تمثل حوالي 7.5 في المئة من الأماكن المتاحة في جميع أنحاء العالم. إن المسارعة في إيجاد برنامج لإعادة التوطين على نطاق الاتحاد الأوروبي وبمقدار أكبر، بما في ذلك توفير أماكن إضافية وتسريع إجراءات المغادرة لأولئك الذين ينتظرون إعادة التوطين من المناطق الحدودية التونسية والمصرية المتاخمة لليبيا، قد يقدم أدلة ترحيبية بزيادة الالتزام بالتضامن الدولي وتقاسم المسؤوليات.
ونحن نستعد للاحتفال بالذكرى الـ 60 لاتفاقية اللاجئين في 28 يوليو، علينا أن ندرك كم هي ستبقى مهمة بالنسبة لقيم أوروبا. ومع نشوء الأزمات الجديدة وبقاء القديمة منها دون حل، علينا جميعا الالتزام أيضا بأن نفعل المزيد لتوفير الحماية وإيجاد الحلول للمهجرين والمضطهدين. لأوروبا دور تاريخي لا بديل عنه ومازال حاسما لكي تقوم به – دعونا نحرص على القيام به.
سيسيليا مالمستروم هي المفوض الأوروبي للشؤون الداخلية. أنطونيو غوتيريس هو المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ورئيس وزراء البرتغال الأسبق.
Tweets by @UNHCR_Arabic