التحديات الناشئة عن النزوح القسري والقيم الثابتة للتضامن
مقالات المفوض السامي, 6 مايو/ أيار 2012
تعتبر تجربة التهجير والاضطرار للعيش كرهاً في المنفى، نتيجة للقمع أو الحروب أو الكوارث الطبيعية، سمة من السمات الفاصلة في تاريخ البشرية. وقد شهدت مراحل نشوء أدياننا الرئيسية حالات من التهجير والنزوح القسري الذي شكل جزءاً من تاريخنا المشترك.
ويبقى النزوح القسري واحداً من العواقب الأكثر وضوحاً وعمقاً التي ينطوي عليها الصراع والاضطهاد. كما يبقى نطاق النزوح هائلاً وليس هناك ثمة مؤشرات على تراجعه. لقد أجبرت النزاعات المسلحة وانتهاكات حقوق الإنسان ما يقرب من 800,000 شخص على طلب اللجوء في عام 2011. وأسفر القتال الدائر في شمال مالي وحده هذا العام عن نزوح أكثر من 200,000 شخص، كما أدت الأزمة في سوريا إلى اضطرار أكثر من 65,000 شخص للبحث عن ملجأ في مكان آخر في المنطقة.
وفي الوقت الذي تبرز فيه نزاعات جديدة، تستمر فيه نزاعات أخرى قديمة، لتأخذ في كثير من الأحيان منحى أوضاع متزايدة التعقيدة. وليست أفغانستان والصومال وشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية سوى أمثلة قليلة على ذلك. هناك ملايين من الأشخاص العالقين في دوامة العنف والحرمان والنزوح داخل أوطانهم، في حين يجد أولئك الذين تمكنوا من الفرار وطلب اللجوء أنفسهم محاصرين في منفى يطول أمده.
أما في باكستان وكينيا وشرق السودان، على سبيل المثال، فهناك عشرات الآلاف من الأطفال اللاجئين الأفغان والصوماليين والإريتريين ممن كان أجدادهم آخر أفراد الأسرة الذين تمكنوا من رؤية أوطانهم. قبل عقد واحد فقط من الزمن، عاد ما يقرب من مليون لاجئ إلى ديارهم سنوياً بمساعدة المفوضية. وقد انخفض هذا العدد بنسبة 80٪ نظراً لاستمرار انعدام الأمن أو الافتقار إلى سبل العيش الأمر الذي يثبط رغبة اللاجئين بالعودة.
وفي حين أن عمليات السلام قد أحدثت تغييراً إيجابياً، وسمحت لأعداد كبيرة من الناس بالعودة إلى ديارهم، إلا أنه يمكن للنزاعات العالقة إلى الآن أن تشعل فتيل عمليات نزوح جديدة. وهذا هو الحال على طول الحدود بين السودان وجنوب السودان، والذي من أجله نقوم حالياً برفع مستوى عمليات المفوضية الطارئة في جنوب السودان وإثيوبيا.
ولاتزال الحلول الأخرى غير العودة إلى الوطن بعيدة المنال على حد سواء. وتجد البلدان النامية، التي تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية خاصة بها، نفسها مترددة في تقديم فرص حقوق الإقامة الدائمة للاجئين، وإمكانية إعادة بناء حياتهم. وعلى الرغم من أن عدداً متزايداً من الدول الصناعية تستقبل اللاجئين من خلال برامج منظمة لإعادة التوطين، إلا أن عدد الأماكن المتاحة في كل عام يتسع لأقل من 1٪ من مجموع اللاجئين في العالم.
وبينما يبقى الاضطهاد والنزاعات المسلحة محور النزوح القسري، إلا أن هناك عوامل أخرى تلعب دورها وتغير ديناميكيات النزوح ويمكن لها أن تؤثر تأثيراً عميقاً على أساليب عملنا. لقد أصبحت محفزات وأنماط النزوح معقدة، حيث بات وقوع أحداث في دولة معينة يتسبب في عدم الاستقرار إلى ما هو أبعد من حدودها. وفي "الربيع العربي"، فقد أدى تصرف فردي معبر عن الرفض إلى إنتاج ظاهرة إقليمية في تحدي هياكل الحكم. لقد عاد المهاجرون الفارون من الاضطرابات في ليبيا إلى مالي، ليجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل في منطقة تندر فيها الموارد باستثناء سهولة الحصول على الأسلحة، ويتحول الفقر فيها إلى صراع وعدم استقرار سياسي.
وعلى نحو متزايد، يظهر النزوح وتعززه عوامل عدة مثل الكوارث الطبيعية، والتصحر، والنمو السكاني، والتحضر السريع، وانعدام الأمن الغذائي، وندرة المياه، وأعمال العنف المتصلة بالجريمة المنظمة. وغالباً ما يزيد تغير المناخ من تفاقم هذه الدوافع الأخرى للنزوح. وعلاوة على ذلك، فإنه لا يعترف بأي حدود. ومع وجود العولمة والاقتصادات والموارد الطبيعية والأمن، والتي تربط مصائرنا أكثر من أي وقت سبق، فإن التحديات المتزايدة المتمثلة في الحصول على الموارد الأساسية قد تتحول إلى مظالم سياسية وصراعات. إنه من مصلحتنا جميعاً التصدي لهذه التحديات من خلال استراتيجيات وقائية للتخفيف من آثارها، وعن طريق آليات لحل النزاعات، والتي تشمل المجتمعات المحلية المتأثرة بالنزوح.
ويبقى معظم هؤلاء النازحين داخل حدود بلدانهم، حيث قد تكون الاستجابة لهم محدودة من قبل حكوماتهم. فإن عبروا الحدود، فإن الثغرات الموجودة في الإطار القانوني قد تعني أنهم ليسوا دائماً قادرين على الاستفادة من الحماية والمساعدة الممنوحة للاجئين. وهنا تبرز الحاجة لبذل المزيد من الجهود لدعم الدول في الحد من النزوح القسري، فضلاً عن توفير الحماية والحلول الملائمة للسكان المتضررين.
وبالرغم من كل ذلك، فإن ما يثلج صدري هو أن العديد من الدول، وخاصة في العالم النامي، تستمر في الإبقاء على حدودها مفتوحة أمام اللاجئين. إن أكثر من 80٪ من اللاجئين يتم استضافتهم داخل مناطقهم، وغالبا ما يكون ذلك في بلدان تصارع من أجل تلبية احتياجات مواطنيها. ينبغي علينا أن نقدم لهذه الدول الوسائل اللازمة لتحمل عبء هذه المسؤولية، بما في ذلك من خلال السعي الجماعي لإيجاد الحلول، وأن يكون أحد جوانبها الرئيسية الاستثمار في التنمية المستدامة في المناطق المتأثرة.
كما أنه من الملهم بالنسبة لي حقيقة أننا ما زلنا نشهد سخاءاً لا نظير له من قبل السكان المضيفين والمتضررين بشكل مباشر من جراء وصول اللاجئين، حيث يجري تقاسم المنازل، والطعام، والأراضي والخدمات الصحية والتعليمية. وقد شهدت أنا بنفسي ليبيريين في مقاطعة نيمبا يشاركون مع اللاجئين الإيفواريين بذور الأرز المخصصة للحصاد المقبل. ورغم كون ذلك جدير بالثناء، إلا أنه لا يجب التسليم بضرورة وجود هذه التضحيات، ويجب في المقابل توفير دعم فوري وموجه للمجتمعات المضيفة.
إن إيجاد حلول للاجئين مرتبط بمعالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع. ومع استعادة الأمن وعودة اللاجئين، فإن الحصول على الخدمات وسبل العيش وسيادة القانون يعتبر أمراً ضرورياً. وهنا يمكن للتعاون في مجال التنمية، سواء كان مالياً أو تقنياً، أن يلعب دوراً أساسياً، ومع ذلك فلا يزال هذا الجانب غير مستغل إلى حد كبير. فعلى سبيل المثال، تعمل المفوضية مع شركائها في مجال التنمية في المجتمعات المضيفة في شرق السودان ونيبال من أجل تعزيز فرص كسب العيش، وإصلاح المناطق المتدهورة بيئيا. وكتعبير ملموس عن التضامن الدولي، فإن مثل هذه البرامج ترفع من مستوى التماسك الاجتماعي.
وفي ظل البيئة الاقتصادية العالمية الصعبة، فمن السهل أن ينشغل المرء بالمصالح المباشرة، وأن يغفَل عن هذه القيم التي نتقاسمها جميعاً. ولهذا فإن من الضروري أن تبقى الخسارة والمعاناة التي يتكبدها اللاجئون، فضلاً عن العزيمة الهائلة التي يتمتعون بها، مؤثرة على مخيلتنا الجماعية وأن تولد الشعور بالمسؤولية.
يجب علينا إيجاد طرق مبتكرة ومستدامة لتقديم دعمنا لأولئك اللاجئين والنازحين ومن يستضيفهم. وليس هذا مجرد تفكير منطقي، بل إنه مظهر من مظاهر إنسانيتنا المشتركة.
Tweets by @UNHCR_Arabic