قصص أخبارية, 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013
توفر النار بعض الدفء لهؤلاء اللاجئين السوريين في بلدة هارمانلي البلغارية. يعيشون في خيام أكثر ملاءمة لفصل الصيف.
هارمانلي، بلغاريا، 21 نوفمبر/ تشرين الثاني (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) – يتسلم عطار؛ وهو لاجئ في سن المراهقة، كل خمسة أيام حصة تموينية تكفي للأيام الخمسة التالية وتشمل: رغيفاً من الخبز، وعبوة من الصلصة المصنوعة محلياً، وعلبة لحوم محفوظة، وعلبة من السمك المُعَلَّب مع معجون الطماطم.
يقول اللاجئ السوري البالغ من العمر 16 عاماً لموظفي المفوضية في مخيم هارمانلي المكتظ في بلغاريا حيث يأوي نحو 1,100 شخص من بينهم 300 طفل يعانون الإهمال في حاويات وخيام دون تدفئة كافية أو مرافق للصرف الصحي فضلاً عن قدرتهم المحدودة على الحصول على الرعاية الصحية: "إنها تكفي بالكاد لوجبة غداء، فما بالنا بالإفطار والعشاء".
تعمل الحكومة البلغارية، التي قامت بإيواء نحو نصف طالبي اللجوء البالغ عددهم الإجمالي 8,000 في سبعة مراكز للإقامة ترعاها الدولة، على توفير الحصص التموينية. أما بقية ملتمسي اللجوء فقد وجدوا مكاناً للإقامة، إلا أن مرافق الدولة التي امتلأت إلى أقصى طاقتها بالأفغان والعراقيين والماليين والفلسطينيين والسوريين والصوماليين توفر الخدمات الأساسية فقط.
كان مخيم هارمانلي؛ الأكثر ازدحاماً وتهدماً، في السابق قاعدة عسكرية تقع على بعد 50 كيلومتراً من الحدود التركية. وقد افتتح في 12 من أكتوبر/ تشرين الأول، ويعد معظم طالبي اللجوء فيه من السوريين. ولا يعد المخيم صورة جيدة عن أوروبا التي تسعى أعداد متزايدة من اللاجئين السوريين للذهاب إليها عند عبورهم من تركيا إلى بلغاريا؛ فهي أفقر دولة عضو في الاتحاد الأوروبي. هذا البلد الواقع أقصى جنوب شرق أوروبا غير مهيأ أو مجهز للتعامل مع التدفق المتزايد للاجئين، كالبلدان الأساسية المضيفة لهم، إذ إنه يسعى للحصول على مساعدة من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الأخرى.
في ختام زيارته للمخيم اليوم، صرح فينسنت كوشتيل، مدير إدارة أوروبا في مقر المفوضية بجنيف: "عندما يفر اللاجئون من وجه الاضطهاد والحرب ولا يحصلون على الغذاء أو الدواء في الاتحاد الأوروبي، فهناك خطأ يُرتكب إلى أبعد حد. نحتاج إلى مضاعفة الجهود لجسر الفجوة بين الوعود المقدمة لمساعدة بلغاريا في تلبية هذه الاحتياجات والواقع الأليم الذي يعيشه هؤلاء المعدمون الذين يعانون من قسوة البرد في الخيام والحاويات".
في الوقت الذي يشعر فيه الكثير من السوريين ببهجة الخروج من وطنهم المتحارب، وأنهم باتوا غير مهددين بالقصف والقناصة، يشكون من الأحوال وخاصة الطقس الذي أصبح أكثر برودة. عندما افتُتح المخيم، سكن أول 450 من ملتمسي اللجوء في أكواخ سابقة التجهيز، ولكن القادمين في وقت لاحق يعيشون في خيام مُعدة لفصل الصيف.
تحتمي "جازية" البالغة من العمر 24 عاماً وعائلتها الممتدة من العوامل الجوية بخيمة من قماش خفيف. تؤكد المعلمة القادمة من محافظة الحسكة الواقعة شمال شرق سوريا قائلة: "هذه الظروف المعيشية غير مناسبة. إننا نتجمد ليلاً"، مضيفة إنهم لا يملكون مدافئ. لقد بدأت السلطات المحلية في توزيع بعض المدافئ، بيد أن البرد لا يزال مشكلة.
يصاب بعض الأطفال بالحمى والبرد، ولكن لا توجد عيادة في المخيم الواقع تحت الحراسة ولا يملك الأشخاص مالاً لشراء الأدوية. ولا بد من الذهاب بالحالات الخطرة إلى أقرب مستشفى، إلا أن كل من لديهم مشكلات صحية شديدة لا يحصلون على المساعدة التي يحتاجون إليها.
يعاني "ديار" البالغ من العمر أربعة أعوام من مرض اللوكيميا، ويحتاج لنقل الدم بصفة دورية ويجب أن يأخذ أدوية لعلاج فرط الحديد المزمن لدى المرضى الذين يجرون نقل دم متكرر. ولكن أسرته فقدت إمداداتها من الأدوية خلال فرارها من سوريا في مطلع العام الحالي. والآن لا يقدر والداه على دفع مقابل الدواء المنقذ لحياته الذي يتكلف 300 دولار شهرياً. ويتساءل والده: "ماذا يمكنني أن أفعل؟"، إنها معضلة بالنسبة له وللحكومة المجهدة التي لم تتمكن بعد من تسجيل طلب التماس اللجوء المقدم من العائلة.
ومما يزيد الأمر سوءاً على السوريين في هارمانلي أن مرافق التخلص من النفايات ومرافق الصرف الصحي في المخيم قد بلغت أقصى حد من الإجهاد، فعلى الرغم من توجه شاحنات القمامة التابعة للبلدية إلى المخيم يومياً، فإن القمامة لا تزال مبعثرة على أرض المخيم. كما أن مرافق الاستحمام غير كافية أيضاً: فهناك ما يزيد عن 500 شخص يعيشون في الخيام ووحدات المبيت عليهم أن يشتركوا في 10 مراحيض عامة. أما من يعيشون في المساكن السابقة التجهيز، فلديهم دورات المياه الخاصة بهم.
بالنسبة لكثيرين في مخيم هارمانلي، يعني استخدام الحمام ليلاً السير بطول المخيم للوصول إليه، ويعد ذلك أحد الطقوس غير الآمنة وغير المريحة للبعض. تقول جازية: "أنا امرأة. لم نعتد أن نعيش بهذا الأسلوب في سوريا".
فضلاً عن ذلك، توجد مشكلة التغذية ونقص الغذاء التي اشتكى منها الفتى "عطار". يُعد الحصول على الطعام بانتظام ضرورياً للمحافظة على الصحة وبناء المقاومة للأمراض. كما أنه حيوي بالنسبة للنساء الحوامل -عند زيارة المفوضية، بلغ عدد الحوامل نحو عشر نساء.
ولكن سكان المخيم قد أثبتوا سعة حيلتهم، حيث استخدموا النفايات الورقية كوقود لإشعال النار لطهي الوجبات وتسخين المياه ومواجهة درجات الحرارة المنخفضة أثناء الليل. ويحاول البلغاريون أيضاً من جانبهم أن يبذلوا ما في وسعهم لتظل النيران مشتعلة لاستخدامها في مخيم هارمانلي، إلا أن التبرعات لا تفي بالاحتياجات.
قال محمود، البالغ من العمر 25 عاماً، وهو يشير إلى كومة من الحطب المقطع المرتب المرصوص أمام مأوى الأسرة: "كنا نقطع فروع الأشجار لاستخدامها كوقود حتى الأسبوع الماضي، ولكن الشرطة أحضرت مزيداً من الحطب أمس". كان محمود يستخدم بعض الحطب لغلي المياه في علبة فاصوليا فارغة، وقال موضحاً: "هذه المياه المغلية لتحضير حليب للطفل".
على الرغم من الظروف القاسية، لا تزال الروح المعنوية لبعض اللاجئين مرتفعة، فهم يواصلون التفكير في المستقبل. يقول عطار الذي شق طريقه إلى تركيا ومنها إلى بلغاريا بعدما ترك عائلته في مدينة حلب الواقعة شمال سوريا إنه اتصل بعمته التي تعيش في بلغاريا وأعرب عن أمله في أن يتمكن من الإقامة معها: "أحلم بالدراسة في المملكة المتحدة. أتمنى أن أصبح محامياً".
عصام، 33 عاماً، لا يريد سوى لم شمله على زوجته وأطفاله، حيث أجبر على تركهم في دمشق. ينبغي لعصام أولاً أن يغادر مخيم هارمانلي، ولكن قبل أن يتمكن أي شخص من المغادرة، يجب أن تقوم الوكالة البلغارية للاجئين بتسجيل سكان المخيم في عملية قد تستغرق وقتاً. وقد بات اقتراب حلول الشتاء مصدر قلق لكثيرين.
بقلم بوريس تشيشركوف، هارمانلي، بلغاريا
Tweets by @UNHCR_Arabic